18-أكتوبر-2019

شباب جنوب السودان (Brookings)

أعادت الزيارة الأخيرة لزعيم المعارضة بجنوب السودان، رئيس الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة، الدكتور ريك مشار تينج، إلى مدينة جوبا، تحريك المياه الساكنة، سيما أنها تجيء في إطار التباحث حول القضايا العالقة، ودفع جهود تنفيذ الترتيبات التمهيدية التي تسبق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية. أبرز تلك القضايا هو ملف الترتيبات الأمنية، وملف الولايات، بخاصة مع اقتراب انقضاء مهلة الستة أشهر التي اتفقت عليها الأطراف في شهر أيار/مايو المنصرم بأديس أبابا، دون حسم تلك الملفات المتعثرة، ما يشكل عقبة كبيرة أمام تكوين الحكومة الجديدة في موعدها المضروب في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

ينظر الكثيرون للاتفاقية الحالية، كفرصة أخيرة لتهدئة الأوضاع، وتهيئة المناخ الملائم للبدء في عملية الإصلاح وإحداث التغيير وإنجاز التحول السياسي

اتفاق الفرصة الأخيرة

ينظر الكثيرون للاتفاقية الحالية، كفرصة أخيرة لتهدئة الأوضاع، وتهيئة المناخ الملائم للبدء في عملية الإصلاح وإحداث التغيير وإنجاز التحول السياسي، في الدولة الوليدة التي انزلقت إلى أزمة سياسية طاحنة في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٣ بعد عامين فقط من استقلالها، مما خلف آثارًا كارثية على كافة الأصعدة. بيد أن هذا التفاؤل يشوبه حذر وخوف كبيران، من إمكانية عدم صمود الاتفاقية نفسها، بسبب تشاكس الأطراف، وعدم توافقهم حول القضايا العالقة، وانقسام آرائهم، بين مؤيد ورافض لتشكيل الحكومة الانتقالية الشهر المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: في يومها الثالث.. الشعبية-شمال تنسحب من مفاوضات السلام

,من ضمن القضايا العديدة التي خاطبتها الاتفاقية الحالية المنشطة تبرز قضايا الشباب، فرصهم، دورهم، وتأثيرهم خلال المرحلة المقبلة. وتشير إليهم الاتفاقية باعتبارهم أكثر فئات المجتمع تضررًا من الحرب والاقتتال، ويمثل الشباب في وزنهم الديمغرافي أكثر من ٧٠% من جملة السكان في دولة جنوب السودان.

إعادة الدمج والمسؤولية الوزارية

تطالب الاتفاقية الأطراف المختلفة بإشراك الشباب في كافة مستويات الحكم على الصعيد القومي والولائي، كما اشترطت في باب "قسمة السلطة" أن تخصص حقيبة الشباب والرياضة في الحكومة الانتقالية لشاب دون سن الأربعين.

يقول، أنطوني جوزيف، نائب رئيس تحرير صحيفة الموقف العربية بجوبا لـ"الترا سودان" أن الشباب ظلوا يستخدمون وقودًا للحرب منذ اندلاع النزاع في البلاد في ديسمبر ٢٠١٣ لذا فهنالك حاجة لإعادة دمجهم في المجتمع في إطار العملية السلمية الجارية، مشيرًا إلى أنه ينبغي على الحكومة الانتقالية المرتقبة، مخاطبة المشكلات التي يعاني منها الشباب، متمثلة في البطالة، وعدم العدالة في توزيع فرص التوظيف، والاستبعاد من المشاركة السياسية في كافة مستويات الحكم والسلطة في الدولة، والمساهمة في صنع القرار وتحديد مصير ومستقبل البلاد.

وأضاف "رغم أن الاتفاقية نصت على ضرورة هيكلة الشباب في المؤسسات المراد إعادة تشكيلها في الفترة القادمة، إلا أنه من الصعب التكهن بحصول الشباب على دور طليعي في المرحلة القادمة، باعتبار أن الاتفاقية الحالية قائمة على المحاصصة السياسية والعسكرية وبالتالي استيعاب الشباب في هذا الإطار سيصبح ذا صبغة سياسية".

وطالب جوزيف، بضرورة استيعاب الشباب بشكل جوهري في معالجة المشكلات التي ظلوا يعانون منها قبل وبعد اندلاع الصراع، محذرًا قادة الحركات والمجموعات السياسية المختلفة من مغبة توظيف الشباب لخدمة أجندتهم الشخصية.

الأجندة واستغلال الشباب

من جهتها، ترى ديانا جون واني، عضو شبكة صحفيات جنوب السودان، أن الاتفاقية لم تخاطب قضايا وهموم ومشاكل الشباب، مشيرة إلى أن الأطراف لم تلتزم بإشراك الشباب في العملية السلمية وإجراءات تنفيذ الاتفاقية.

وأضافت، ديانا، في حديث لـ"الترا سودان" أن الشباب لم يكونوا جزءًا من الاتفاقية، ولم يتم إشراكهم في تنفيذها، بل يتم استغلالهم لنشر خطاب الكراهية ومعاداة الآخرين، من خلال تهميش دورهم وإبعادهم من أهم المواضيع التي تخص السلام.

وأضافت واني "البنود التي تنص على إشراك الشباب في مستويات الحكم المختلفة هي مجرد حبر على ورق".

اقرأ/ي أيضًا: عن وجوه السودان الأخرى

عقبات اجتماعية أمام المشاركة

من جانبه، يقدم، فرانسيس مييك الكاتب والمحلل السياسي تحليلا مغايرًا، إذ يرى أن الاتفاقية خاطبت قضايا الشباب على الصعيد النظري فقط بالإشارة إليهم باعتبارهم أكثر الفئات تضررًا من الأزمة، لكنه يشير إلى أنهم في أرض الواقع لا يزالون يعانون من التهميش السياسي والاجتماعي والإقصاء من المشاركة في السلطة وصنع القرار.

وقال، مييك، لـ"الترا سودان" فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، نجد أن هنالك تمثيلًا ضعيفًا للشباب في الحكم على المستويين القومي والولائي، وإن سمحت بعض الولايات بالتمثيل النسبي للشباب فهو تمثيل غير مؤثر في أغلب الأحيان، أما في الجانب الاجتماعي لا تزال بعض المجتمعات تربط مسألة تولي الشباب المناصب العامة بالزواج كشرط للوظيفة، إذ يعتبرون الزواج مظهرًا من مظاهر المسؤولية.

وأشار مييك الى أن الاتفاقية هي تسوية بين أطراف سياسية، وبالتالي ستتم مشاركة الشباب على أساس الأحزاب والمجموعات السياسية، ولكنه أوضح أن ذلك لا يمنعهم من الالتفاف أو التوافق على القضايا التي تهم الشباب، بخاصة قضايا مثل العدالة في التوظيف، والتمثيل السياسي على المستوى القومي والولائي، والقضايا الاجتماعية الأخرى، مثل الزواج وغلاء المهور التي تشكل عقبة اجتماعية للكثير من الشباب المقبلين على الزواج، بحسب تعبيره.

واقترح مييك، تنظيم منبر دوري يضم كافة أطياف الشباب داخل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والتنظيمات الشبابية، لمناقشة ومتابعة تنفيذ الجزء المتعلق بالشباب في الاتفاقية، مشيرًا إلى أن المنبر سيتيح للشباب الفرصة للتعارف وتبادل وجهات النظر حول عملية بناء الأمة والدولة.

 لا تزال بعض المجتمعات تربط مسألة تولي الشباب المناصب العامة بالزواج كشرط للوظيفة، إذ يعتبرون الزواج مظهرًا من مظاهر المسؤولية

وفي ظل حالة الغموض التي تكتنف المشهد السياسي في جنوب السودان، وانقسام الرؤى بين الأطراف تجاه تشكيل الحكومة الانتقالية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وفي ظل عدم حسم ملفي الترتيبات الأمنية وعدد الولايات وحدودها، فمن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة حراكًا واسعًا، قد تترك نتائجه تأثيرًا كبيرًا على مستقبل العملية السلمية برمتها، بما فيه مصير قضايا الشباب الجنوب سوداني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كير: تحقيق السلام في السودان سيعود على جنوب السودان بالاستقرار

محادثات السلام في يومها الثاني.. نقاش للقضايا الخلافية من جذورها