14-سبتمبر-2021

(الجزيرة نت)

لا يمكن الحديث عن ثورات السودان دون قراءة الحركة الطلابية. ويقتصر دور الحركة الطلابية في المشهد السياسي الآن، في الضغط على السلطة وتصويب مسار الانتقال الديمقراطي، والعمل على تحقيق مهام الفترة الانتقالية.

ويعد هذا دورًا تاريخيًا للحركة الطلابية، لأن فئة الطلاب تعد ذات وعي كافٍ للتعبير عن وتحقيق أهداف وتطلعات الشعب السوداني. فالثورة السودانية قادها الشباب بمشاركة عظيمة من طلاب الجامعات، من البداية إلى تشكيل الحكومة المدنية. 

تعمل الحركة الطلابية على الضغط على السلطة وتصويب مسار الانتقال الديمقراطي والعمل على تحقيق مهام الفترة الانتقالية

لذلك فالحركة الطلابية مسؤولة من تحقيق أهداف الثورة، إلى حين قيام الانتخابات وتشكيل الحكومة المنتخبة وتحقيق تطلعات الشعب.

حراك نقابي مستمر

وبالحديث عن أدوار الحركة الطلابية، يقول الطالب بكلية الآداب بجامعة الخرطوم عمر السر، إن الحركة الطلابية كانت وما زالت ذات وعي، لأنها تضم طلابًا من كل بقاع السودان، وساعد التنوع في ترسيخ قيم ومبادئ الحركة. وتجاوزت أدوار الحركة الطلابية مساحات الجامعات إلى الشارع العام السوداني، بحسب ما يرى عمر السر.

اقرأ/ي أيضًا: إضراب لأساتذة جامعة الخرطوم احتجاجًا على تدني الأجور

واستكمل قائلًا: "تشهد الجامعات الآن حركة نقابية لا مثيل لها، وهي مرحلة النقابات الطلابية ذات الأدوار القوية في المشهد السياسي". وأضاف: "يدور نقاش في أروقة الجامعات؛ أينحصر دور النقابات في الجانب الخدمي أم يتعداه إلى الدور السياسي؟".

ويجيب عمر السر على السؤال أعلاه بالقول: "تاريخيًا كان لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورًا في إدانة انقلاب عبود 1958 وثورة مارس-أبريل ضد نظام جعفر نميري

ويرى السر أن دور الحركة الطلابية لم يختلف إبان ثورة ديسمبر، حيث شاركت في الثورة الحركة الطلابية ولم تتخاذل في قضايا الرأي العام، وشمل الحراك كل الجامعات الحكومية والخاصة، فالجامعات الخاصة بالرغم من طابعها الاستثماري ومنع منابر الوعي والسياسة فيها، استطاعت كسر كل القيود الطبقية في مجتمعاتها وتعدتها إلى جوهر المجتمع السوداني، وقدمت شهداء أمثال الشهيد محجوب التاج، يقول عمر السر.

وأكمل حديثه بالقول: "أكسبت هذه الأدوار العظيمة للحركة الطلابية، وعيًا متراكمًا للطلاب على مر تاريخ الحركة"، واستطرد: "منابر الوعي السياسي بالجامعات لا تناقش مشاكل الجامعة وحدها، وإنما كل مشاكل الدولة السودانية والشارع السوداني، كجزء من مشاكل الجامعات". 

ودلل على حديثه قائلًا: "إبان ثورة ديسمبر خرجت الجامعات السودانية وفي مقدمتها جامعة الخرطوم، ضد نظام الشمولية والديكتاتورية، فقابلتها السلطة بالإغلاق للحد من دور الطلاب، فخرجوا من مناطقهم السكنية وقادوا الثورة الظافرة".

عزوف في مناخ الحريات

ويؤكد عمر السر أن الجامعات تشهد عزوفًا عن المنابر السياسية الخاصة بالأحزاب المشاركة في السلطة. ويعلل الأسباب بقوله: "خيبت الأحزاب ظنون الطلاب، وتشهد الأركان الطلابية التفافًا عظيمًا حول قضايا الطلاب والشارع السوداني"، ويكمل بالقول: "تعاظم وعي الطلاب بالمطالبة بالحقوق وتطوير الآليات السلمية".

يتميز الطلاب بوصفهم "فئة اجتماعية حديثة" بأنها مجموعة غير متجانسة، تمثل مدى متنوعًا ومتناقضًا من الأيديولوجيات والالتزامات السياسية. وانطلاقًا من هذه الإشارة، تأتي الحركات الطلابية كظاهرة تعكس تناقضات الواقع السوداني الاقتصادي والاجتماعي، وتعبر عن مظالم بنيوية أكبر متواجدة في المجتمع. 

وتعد الحركات الطلابية مقياسًا للاضطرابات الاجتماعية، لأنها لا تفسر كحركات منفصلة، إنما كجزء من سياق أكبر للنضالات الاجتماعية، وتطورها لا يتم بمعزل عن الصراعات الاجتماعية الأوسع.

وتشير الناشطة السياسية تقى كمال الدين، إلى أن تأطير النضالات الطلابية وتحليلها في سياق تناقضات ومظالم المجتمع الرأسمالي، سيسمح أن ندرك كيفية ارتباطها بمساحات أخرى من الفئات الاجتماعية (الفئات المتوسطة) التي تعد من مصادر الاضطراب والنضال الاجتماعي، من قبيل العمال وموظفي الحكومة والضباط وغيرهم.

اقرأ/ي أيضًا: حوادث سطو وتحرش.. طالبات في وجه العاصفة

ومضت بالقول: "هذا التموضع للحركة الطلابية ضمن الفئات الاجتماعية المتوسطة، يتيح فهم الاحتجاجات الطلابية التي اختصرت أجندتها على مشاكل محددة، بخصوص الداخليات أو خصخصة التعليم أو على المستويات الإدارية، على أن نقد هذه الإشكالات يأتي في إطار نقد النظام ككل، ومن وجهة النظر هذه يمتلك الطلاب الامكانية ليصبحوا موضوعات ثورية، وذلك عندما تندمج نضالاتهم ونشاطهم سياسيًا داخل حركات أوسع، حركات من أسفل تعمل للإطاحة بسياسات النظام. بحسب ما ذهبت إليه تقى كمال الدين.

تقى كمال الدين: الحركة الطلابية كانت وما زالت لها تأثيرات سياسية وثقافية كبيرة في تاريخ السودان

وأردفت أن الحركات الطلابية التي تركز على قضايا خاصة وقائمة بذاتها دون الالتفات لهذا الإطار الكلي، سيكون لها مجال وإمكانيات محدودة، ومن ثم ستقيد قدرتهم على القيام بالتحول الثوري. ويأتي الدور الطلابي في دعم مطالب أساتذة الجامعات، والخوض مع الهيئات النقابية للأساتذة في المعركة المشتركة للفئات المتوسطة ضد سياسات النظام بأكمله، على حد قولها.

وقالت تقى كمال الدين لـ"الترا سودان": "الحركة الطلابية كانت وما زالت لها تأثيرات سياسية وثقافية كبيرة في تاريخ السودان، بدءًا من الجمعيات الثقافية المحدودة مثال "جمعية الاتحاد السوداني"، إلى الاتحادات الطلابية الكبرى، وتطورًا من التعريف المحدود للدور والنشاط الطلابي، إلى تعريفات أكثر سعة ونضج ممثلة في ثورات أكتوبر ومايو، وشخوص الطلاب من الوطنيين مثال (علي عبداللطيف-عبيد حاج الأمين).

وتقرأ تقى كمال الدين المشهد الحالي بالقول: "بالرغم من التطور الإيجابي، تقع الحركة الطلابية كما اليوم ضحية لتباينات متنازعة من الوعي. يمكن أن تكون فيها حليفة وداعمة لسياسات الطبقة الحاكمة من خلال التبني والترويج لخطابها السياسي والثقافي".

وتسرد قائلة: "نجد هذا المعنى متمثل في الموقف الطلابي المتواطئ مع سياسات النظام الحالي، والداعم لرؤيته الثقافية بخصوص قضايا مثل الهوية والتطبيع وقضايا الوحدة الوطنية".

وزادت "لا تستخدم الحركات الطلابية بالضرورة هذا المعنى لتعريف موقفها الاحتجاجي، كما أنها ربما لا تعبر عن نقد للنظام والسياسات الخارجية في حد ذاتها، والمساهمون في الحركات ربما لا يعرفون بالضرورة إنهم ضمن حركة اجتماعية واسعة".

وختمت حديثها بالقول: "يحدد أحد المختصين بالحركات الاجتماعية أنه ثمة نظام يتم توجيه الكثير من الاحتجاجات ضده، وإن لم يتم التعبير عنها بصورة حصرية أو على الاطلاق بلغة ثورية. وبصورة أخرى -تقول تقى كمال الدين- يكمن في المقاربة للحركات الطلابية وللحركات الاجتماعية الأخرى، اهتمام بفهم وتوضيح كيفية ترابط كل الحركات معًا، وما هي الإمكانات والمساعي التي يجب أن تكتشفها وتحققها؟

عصر التحولات 

للحركة الطلابية دور سياسي راسخ في الثقافة السياسية منذ بدايات تشكل الحركة الوطنية، هذا الدور السياسي متصل بمستوى قضايا الطلاب المطلبية، من إدارة الجامعة أو مؤسسات الدولة، وبوعي الطلاب السياسي بالقضايا العامة حول الحكم والغايات الكبرى التي تؤطر داخل تنظيم سياسي أو اتجاه أيديولوجي محدد.

تبنى الطلاب قديمًا قضايا التحرر من المستعمر وقضايا العمل والتنظيم النقابي ومختلف القضايا النضالية ضد الأنظمة

يشرح الناشط السياسي هشام الشواني قائلًا: "في الفترات الانتقالية السابقة خلال الأعوام "1954-1956" والفترة الثانية "1964-1969" بعد ثورة أكتوبر، ثم الفترة الثالثة "1985-1989" بعد انتفاضة أبريل، ثم الفترة الرابعة "2005-2010" -يقول الشواني: "خلال كل هذه الحقب تتحول الطاقة النضالية ضد الحكم العسكري لصراع سياسي وفكري وبناء لقواعد التنظيمات السياسية. وكانت الفترات الديمقراطية تشهد نوعًا من الحيوية السياسية والفكرية بصورة مختلفة من طبيعة النضال الحركي السياسي خلال فترات الحكم العسكري".

ويرصد الناشط السياسي الشواني المشهد السياسي بعد ثورة ديسمبر مشيرًا إلى أنه يبدو مختلفًا بسبب عوامل عدة. فالتنظيمات السياسية والأفكار الكبرى لم تعد جاذبة بشكلها القديم لفئة الطلاب، ويضيف: "الأوضاع الاقتصادية السيئة تنعكس على المصروفات اليومية والتعليم والسكن والمواصلات". 

اقرأ/ي أيضًا: الإصلاح المؤسسي بين السودان والإمارات هل يعني خصخصة القطاع العام؟

وزاد بالقول: "تحطمت آمال الكثيرين بعد الثورة، مما دفع المشهد الطلابي نحو أفق مظلم لحدٍ كبير. وهناك ما يمكن تسميته بالمعوضات الثقافية الاستهلاكية، بسبب العولمة ووسائل التواصل، تم خلق عالم افتراضي مليء بالإثارة المؤقتة فارغة المضمون، لتحل مكان الأشكال التقليدية للنشاط الثقافي". وأكمل قوله "هنا يبرز احتمال العزوف الجماعي عن السياسة والعمل العام، لاسيما وأن تحديات ما بعد الجامعة والرغبة في الهجرة تظل شبحًا يقلق مضاجع هؤلاء الشباب".

هشام الشواني: هناك ظمأ فكري وروحي وسياسي يملأ الحياة الطلابية يحتاج لرؤى وآيدلوجيات ذات طبيعة كلية

الدور السياسي إذن محكوم بنوع الوعي السياسي والفكري، الذي سيحول الشروط الاجتماعية والتاريخية، لطاقة إيجابية للفعل والتنظيم والفاعلية. 

وهنا مباشرة يبدو المجال مفتوحًا أمام التنظيمات ذات التوجهات الفكرية الجذرية لملء الفراغ الفكري والثقافي والروحي. تنظيمات ربما تكون إسلامية أو يسارية أو وطنية. وبحسب ما يرى الشواني: "المؤكد لن تكون تنظيمات ليبرالية أو تنظيمات وسط وحياد مثل حركات المستقلين وغيرها"، وختم حديثه قائلًا "هناك ظمأ فكري وروحي وسياسي يملأ الحياة الطلابية يحتاج لرؤى وآيدلوجيات ذات طبيعة كلية، لكن يجب أن تكون في المقابل مقنعة وجاذبة. في حال ساد هذا الوعي عبر نماذج تنظيمات وواجهات سياسية، فإن الحركة الطلابية ستعود لتصحيح المسار السياسي المنحرف، وستعود لتقاوم من جديد وتتجاوز بروباغندا النظام الحالي بخصوص المرحلة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا

في الخرطوم.. مدارس تُدرس أشعار القدال ولوحات دافينشي

قضية الطلاب ذوي الإعاقة بكسلا.. إهمال حكومي متواصل وقمع