01-مايو-2024
حرب الجزيرة

تقترب الحرب في ولاية الجزيرة من إكمال نصف عام وسط حركة نزوح مستمرة لم تتوقف يومًا من الولاية التي دخلتها قوات الدعم السريع في كانون الأول/ديسمبر الماضي وفي نفس الوقت انسحبت الأولى مشاة للقوات المسلحة من مدينة ودمدني عاصمة الولاية التي تعد إحدى أهم المراكز الحضرية والزراعية في وسط السودان.

لجان مقاومة مدني: تزايد عمليات نهب المحاصيل والمواشي من قبل عناصر مليشيا الدعم السريع مما زاد معاناة الأهالي الذين لم يتبقى لهم سوى الزراعة

ومع وصول الحرب إلى ولاية الجزيرة، انتشرت انتهاكات مروعة بحق المدنيين، وينهب منسوبو قوات الدعم السريع كل ما تقع عليه أيديهم من الممتلكات العامة وممتلكات المواطنين، وحتى المحاصيل الزراعية التي انخفضت انتاجيتها بما يقارب النصف بسبب الحرب، لم تنجُ هي الأخرى من أيادي الدعم السريع المطلقة في الولاية دون وازع على الرغم من تعهدات قيادة قوات الدعم السريع بأنها ستحسم هذه الجرائم التي قالت إن من يرتكبونها "متفلتون".

نهب واعتقالات

لجان مقاومة مدني في تقرير عام عن الأوضاع في عاصمة ولاية الجزيرة، أكدت أن عناصر قوات الدعم السريع ما تزال تقوم بعمليات السرقة والنهب لممتلكات المواطنين في ولاية الجزيرة، وتقوم بإطلاق عشوائي للذخائر في مدينة ودمدني.

وقالت اللجان في تقريرها الذي صدر اليوم،الأول من أيار/مايو 2024، إن عمليات اعتقال المواطنين من قبل قوات الدعم السريع ما تزال مستمرة، وأوضح أن هذه القوات تمارس على المعتقلين "كل أنواع التعذيب، وترفض الإفراج عنهم إلا مقابل مبالغ مالية باهظة".

 

وتنتشر التقارير على مواقع التواصل الاجتماعي عن طلب قوات الدعم السريع لفديات مالية من أهالي المقبوض عليهم بطرفها، لا سيما من تثبتت من عدم انتمائه للقوات المسلحة والمستنفرين من المدنيين. وتحتفظ هذه القوات بآلاف المعتقلين في العديد من المواقع بالعاصمة الخرطوم وغيرها من مناطق سيطرتها في وسط وجنوب وغرب البلاد.

قوات الدعم السريع التي تصفها لجان المقاومة بـ"المليشيا" درجت على نهب المحاصيل في ولاية الجزيرة التي تعد قلب السودان الزراعي، وقالت لجان مقاومة مدني إن عمليات نهب المحاصيل قد تزايدت في الفترة الأخيرة "مما زاد من معاناة الأهالي الذين لم يتبقَ لهم سوى الزرع والضرع". وتسببت الحرب في توقف الحياة الاقتصادية في المناطق التي تشهد اشتباكات نشطة بين طرفي الحرب في السودان، وقال تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية الأممية، إن إنتاج الحبوب في السودان قد انخفض إلى ما يقارب النصف جراء تأثيرات الصراع المسلح على الإنتاج الزراعي وارتفاع تكاليف المدخلات على خلفية الربكة الكبيرة التي تسببت بها الحرب في ولاية الجزيرة وعموم السودان.

وجراء الحرب في الجزيرة نشطت مجموعات مسلحة في قطع الطريق والقيام بعمليات سطو مسلح في الطرقات السفرية، وقالت لجان مقاومة مدني إن هذه المجموعات "تقوم بنهب ما تبقى من ممتلكات المواطنين الفارين من جحيم مليشيا الدعم السريع"، حد وصفها.

الجيش السوداني

الجيش السوداني كان قد توعد في أكثر من سانحة بتحرير ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع، ويقوم بتجهيز المستنفرين وقوات الحركات المسلحة المتحالفة معه في محاور الولاية للهجوم عبر سنار والقضارف، ولكن لم تنعكس العمليات بتحقيق أي نصر كبير على الأرض.

وبشكل دوري يقصف الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة ما يقول إنها أهداف عسكرية وتجمعات لقوات الدعم السريع، ولكن لجان المقاومة تقول إن هذه الغارات تتسبب في مقتل مدنيين. وقالت لجان مقاومة مدني في تقريرها اليوم إن المدينة قد شهدت في الفترة الأخيرة العديد من الغارات الجوية التي أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا والجرحى بين المواطنين وتدمير لمنازل المواطنين والبنية التحتية.

ومنذ توسع الحرب إلى ولاية الجزيرة قتل ما لا يقل عن ألف من المدنيين، ويقول مراقبون إن الأعداد أكبر من ذلك بكثير ولكن يتعذر الإحاطة بها الآن جراء استمرار الحرب في الولاية التي شهدت واحدة من أكبر عمليات النزوح الجماعي أثناء اجتياح قوات الدعم السريع، لا سيما وأنها كانت تحتضن بالفعل عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من الحرب التي اندلعت في العاصمة الخرطوم المتاخمة للجزيرة.

وكانت القوات المسلحة قد أعلنت في كانون الثاني/يناير المنصرم، فتح تحقيق في حادثة انسحاب قوات الفرقة الأولى مشاة من مدينة ودمدني، ولكن لم تصدر حتى الآن نتائج التحقيق المذكور.

تمسك بالحياة

وعلق مئات الآلاف من المواطنين في ولاية الجزيرة في ظل الأوضاع المأساوية التي تسببت بها الحرب، ويواجه هؤلاء العالقون خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة. وتقول تقارير إن الولاية تعاني من شح كبير في المواد الغذائية والأدوية والخدمات، وذلك على الرغم من تنصيب قوات الدعم السريع لإدارة مدنية في الولاية قالت إنها ستعمل على ضبط الأمن وتوفير الخدمات.

وأوضحت لجان المقاومة في مدينة ودمدني أن الوضع المعيشي بالمدينة يشهد استمرار شح وندرة وغلاء المواد الغذائية والاستهلاكية والاحتياجات الأساسية نتيجة لطمع التجار وصعوبة الحصول على أي إمدادات غذائية من خارج الولاية، ولفتت إلى أن قوات الدعم السريع تقوم بنهب كل ما يدخل إلى الولاية، كما تفرض أتاوات وضرائب على تذاكر السفر وحركة نقل البضائع والمواد التموينية داخليًا "وصلت للحد الذي لا يحتمله المواطن المغلوب على أمره"، حد قولها.

وانقطعت جميع الأعمال التجارية الكبرى وكذلك جُل الأعمال الزراعية نتيجة لعدم الاستقرار الذي تسببت به حرب الجزيرة، ويقول ناشطون محليون إن أغلب الأسر لا تملك قوت يومها نسبة لانعدام العمل وكل سبل كسب الرزق، الأمر الذي ينذر بمجاعة.

ويفاقم من الأوضاع الإنسانية انقطاع شبكات الاتصالات المحلية التي يعتمد عليها العديد من السكان في الحصول على المساعدات من خارج الولاية، كما تمر الولاية بحالة مزمنة من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تصل إلى (18) ساعة يوميًا، الأمر الذي يصاحبه انقطاع في إمداد المياه الذي يعتمد على التيار الكهربائي.

ويقترب انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت المحلية في ولاية الجزيرة من دخول شهره الرابع، مفاقمًا من صعوبة التعاملات المالية، وتقول لجان المقاومة إن قوات الدعم السريع تقوم ببيع ساعات استخدام الإنترنت الفضائي بمبالغ مالية باهظة مستغلة احتياج المواطنين للخدمة، وذلك في ظل أنباء عن انقطاع وشيك للخدمة وخروج ولاية الجزيرة عن التغطية تمامًا.

صحة متعثرة

في مدينة ودمدني عادت بعض المستشفيات للعمل بعد توقفها مع اشتعال حرب الجزيرة، وعاود مستشفى ودمدني التعليمي العمل بوجود أخصائي جراحة عامة وأخصائي بقسم الصدرية، ونائب أخصائي في قسم الباطنية وبعض الأطباء العموميين والممرضين.

كما عاودت مستشفى ودمدني للطوارئ فتح أبوابها، ومستشفى مدني للنساء والتوليد الذي يعمل بوجود أخصائي واحد وبعض القابلات والممرضين، فيما يعمل قسم أمراض الكلى فقط في مستشفى الجزيرة لجراحة وأمراض الكلى. ووفقًا لتقرير لجان المقاومة الذي اطلع عليه "الترا سودان"، يعمل قسم أمراض الكلى بدون اختصاصي كلى، ومخزونها من المواد والغسلات شارف على النفاذ، الأمر الذي يفاقم من معاناة مرضى الفشل الكلوي الذين ذاقوا الأمرين خلال الحرب السودانية.

وكشف التقرير عن سرقة قوات الدعم السريع أجهزة التنفس الصناعي من قسم العناية المكثفة وأجهزة العمليات بقسم العظام في مستشفى مدنى. وتشهد المدينة شحًا في الإمداد الدوائي وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، لا سيما الضغط والسكري. وقالت لجان المقاومة إن القوات المسلحة السودانية تمنع إدخال أي إمدادات دوائية قادمة من الولايات الأخرى لولاية الجزيرة، كما تقوم الدعم السريع بنهب من يتمكن من تهريب أي إمداد دوائي إلى داخل الجزيرة التي تكتوي بنيران الحرب.

قرى الجزيرة

وتستمر الانتهاكات ابحق المدنيين، ليس فقط في العاصمة ودمدني، بل تمر قرى الجزيرة بأوضاع أنكى وأمر بكثير، لا سيما في ظل غياب التغطية جراء انقطاع الاتصالات والحصار المضروب على الطرقات السفرية.

وتحصي تقارير عشرات القرى التي اجتاحتها قوات تتبع للدعم السريع وارتكبت فيها أبشع المجازر والانتهاكات بحق المدنيين، في ظل أعمال نهب واعتقالات لا تفرق بين المدنيين والعسكريين، كبار وصغار السن.

وتقول لجان مقاومة الحصاحيصا، اليوم الأربعاء، إن قوات الدعم السريع ما زالت تهاجم قرية ودكري في مناطق ريفي المسلمية التي تشهد عمليات اجتياح واستباحة شاملة منذ وصول الحرب إلى ولاية الجزيرة. وتقوم قوات الدعم السريع بأعمال نهب وترويع واعتقالات بشكل شبه يومي، وبحسب لجان المقاومة تسرق هذه القوات بضاعة البقالات ودقيق المخابز ومخازن المحاصيل بمصاحبة الضرب المبرح والتنكيل بأصحاب المسروقات.

وكانت قوات الدعم السريع قد قامت باقتحام القرية التي تقع بمحلية الحصاحيصا في ولاية الجزيرة في آذار/مارس الماضي، وذلك أثناء تشييع المواطنين لجثمان أحد أفراد القرية، حيث قامت بإطلاق الرصاص على المشيعين داخل المقابر، ما أسفر عن ارتقاء شهيد آخر، وإصابة ستة آخرين بجروح.

كما كشفت لجان مقاومة الحصاحيصا عن هجوم ثالث لقوات الدعم السريع على قرية ودالأمين بالحلاوين، مع ممارسة ما وصفته اللجان في بيان لها أمس، بأنه "نهجها الدائم في انتهاك المواطنين"، حيث تقوم قوات الدعم السريع بأعمال نهب وسرقة وتفتيش للمنازل، كما تقوم بضرب المواطنين وتطلق الرصاص حولهم وتقوم بتهديدهم وإرهابهم في سبيل الحصول على الأموال والذهب - وفق ما ورد في البيان.

مستقبل مظلم

وعلى الرغم من اقتراب حرب الجزيرة من إكمال نصف عامها الأول، إلا أنه لا تلوح أي حلول في الأفق تهدئ من روع المواطنين العالقين بين مطرقة الدعم السريع وسندان الواقع الذي يفتقر لأبسط أساسيات الحياة. وفيما يحاول مواطنون من الولاية الاستنفار للدفاع عن أنفسهم وأموالهم ضد المليشيات المسلحة وجماعات السطو؛ يواجه آخرون الدعم السريع بالعكاكيز والحجارة في محاولة أخيرة للتصدي للعدوان الشنيع على إنسان الجزيرة الأعزل.

تسببت الحرب السودانية في مغادرة ما يقارب (10) ملايين منازلهم فرارًا من الاشتباكات التي لم تجد غير أحياء المدن والقرى والحلال الآمنة ميدانًا لها

وتسببت الحرب السودانية في مغادرة ما يقارب (10) ملايين منازلهم فرارًا من الاشتباكات التي لم تجد غير أحياء المدن والقرى والحلال الآمنة ميدانًا لها، في ظل أوضاع معيشية تمثل "عاصفة مثالية" تعصف بإنسان السودان الذي تقطعت به السبل بين الموت بالحرب أو بالحياة القاتلة.