خرجت حشود ضخمة بالأمس في العاصمة الخرطوم للتظاهر ضد الحكم العسكري والمطالبة بالسلطة المدنية، وتمكنت من كسر الإجراءات الأمنية المشددة في التقاطعات الرئيسية التي انتشرت فيها القوات الأمنية منذ وقت مبكر خاصةً في العاصمة الخرطوم.
ملأت الحشود شوارع الخرطوم وكسرت الطوق الأمني مرتين متتاليتين
وجاءت الاحتجاجات استجابةً لدعوات لجان المقاومة للتظاهر في الذكرى الثالثة لـ"مليونية 30 يونيو 2019" التي أتت هذه المرة في ظلّ انقلاب عسكري من الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قبل ثمانية أشهر؛ حيث يُطالب مؤيدو التظاهرات بإسقاط الانقلاب العسكري وتأسيس سلطة مدنية.
وفي وقت مبكر من صباح الأمس انتشرت قوات أمنية في التقاطعات الرئيسية في الخرطوم وعملت على منع التجمعات، لكن تمكّن المحتجون على الرغم من ذلك من الوصول إلى الوِجهات المعلنة سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة، واستطاعوا كسر الطوق الأمني خاصةً في شارع "كترينا" بضاحية الخرطوم 2 القريب من شارع القصر الرئاسي.
التكتيكات الأمنية كانت تهدف إلى منع تجمع المتظاهرين في النقاط المعلنة من لجان المقاومة، لكن ضخامة الحشود أجبرت قوات الأمن على التراجع والتحصن في محيط القصر الرئاسي؛ حيث تمكن عشرات الآلاف من المتظاهرين من الوصول إلى شارع القصر.
أطلقت القوات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق المتظاهرين، ومع مرور الوقت أطلقت الرصاص الحي في محطة شروني لتفريق عشرات الآلاف من المحتجين. ورصد "الترا سودان" نقل عشرات المصابين إلى مستشفى الجودة القريب من مركز الاحتجاجات.
واستبقت السلطات التظاهرات بقطع خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية منذ الصباح، كما طالت القطوعات الشبكة الأرضية للإنترنت.
وتظاهر عشرات الآلاف في شوارع العاصمة الخرطوم مطالبين بإبعاد العسكريين عن السلطة وبانصرافهم إلى مهامهم العسكرية، كما طالبوا بالعدالة ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات التي أودت بحياة عشرات المتظاهرين خلال الأشهر الماضية.
قال عثمان (33 عامًا) لـ"الترا سودان" إن الاستجابة الواسعة لـ"مليونية 30 يونيو" تعني عدم رضا السودانيين عن حكم العسكر خاصةً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية، مضيفًا أن الحشود الضخمة التي خرجت اليوم تريد السلطة المدنية الكاملة مع انصراف الجيش إلى المهام العسكرية – على حد قوله.
في شارع كترينا بضاحية الخرطوم 2؛ حيث وصلت الحشود الضخمة، جرَتْ عمليات كرٍّ وفرّ بين القوات الأمنية والمحتجين قبل أن تتمكن الحشود من كسر الطوق الأمني مرتين متتاليتين.
وركّزت القوات الأمنية اهتمامها على محيط القصر وانتشرت بكثافة عالية في تقاطع شارعي السيد عبدالرحمن والقصر لساعات طويلة لمنع وصول الحشود إلى القصر الرئاسي.
وذكرت سوسن (26 عامًا) لـ"الترا سودان" أنه في حال وصول هذه الحشود إلى القصر فسيتم إعلان الاعتصام إلى حين إسقاط الانقلاب، مشيرةً إلى أن التفاوض والشراكة مع العسكريين "لم تعد ذات جدوى" – على حد تعبيرها.
وارتفعت حالة الغضب وسط مؤيدي التظاهرات بعد ثمانية أشهر من الإجراءات العسكرية التي أعلنها قائد الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث لم يعد بالإمكان تشكيل حكومة، كما خسر السودان برامج إعفاء الديون التي ابتدرها مع البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
ويضع فاروق (40 عامًا) سيناريوهات للتعامل مع الحكم العسكري وإنهائه بالتظاهرات المستمرة، ويشير إلى صعوبة الوصول إلى القصر، قائلًا "يجب البحث عن بدائل مثل شارع المطار ونقل هذه الحشود إلى هناك".
ويرى فاروق أن الوصول إلى القصر ليس هدفًا بل وسيلة، لأن الرسالة وصلت إلى المجتمع الدولي برفض الشعب السوداني للانقلاب العسكري وسعيه إلى الحكم المدني.
جاءت التظاهرات بالتزامن مع تفاهمات بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين لم تتوصّل بعْد إلى شيء بسبب مطالب الشراكة التي يطرحها العسكريون
وجاءت التظاهرات الواسعة اليوم بالتزامن مع تفاهمات بين قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي) والعسكريين لم تتوصّل بعْد إلى شيء بسبب مطالب الشراكة التي يطرحها العسكريون.
كما أن مقتل ثمانية متظاهرين على الأقل في تظاهرات الأمس قد يقلل من فرص نجاح التفاهمات بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) التي تتعرض لضغوط أميركية للتوقيع على اتفاق مع الجيش تتشكل بموجبه حكومة مدنية ذات مصداقية.
