على بعد (400) كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم تتعرض مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان لحصار عسكري، جراء انتشار قوات الدعم السريع في الممرات المؤدية إلى المدينة الواقعة على مناطق إستراتيجية تربط وسط السودان بإقليم دارفور.
مواطن لـ"الترا سودان": الحرب فاقمت معاناة أربعة ملايين شخص في الأبيض، ولم يجد غالبية السكان مفرًا من البقاء في منازلهم مع صعوبة تدبير نفقات السفر
وقال نزار (33 عامًا) وهو ناشط طوعي في حديث لـ"الترا سودان" إن الأبيض تواجه "أزمة إنسانية غير مسبوقة"، لأنها محاصرة ولا يسمح بالدخول إليها أو وصول سلاسل الإمداد الغذائي والأدوية – بحسب نزار.
والأبيض ضمن المدن التي دخلت دائرة الحرب بين الجيش والدعم السريع منذ اليوم الأول في منتصف نيسان/أبريل الماضي، وعانت من الأزمات الإنسانية، وظلت خارج شبكة الكهرباء منذ نحو أسبوعين.
وقالت مزاهر التي تعمل في منظمة محلية هناك في حديث لـ"الترا سودان" إن الوضع الأمني في الأبيض يتدهور منذ بداية القتال بين الجيش والدعم السريع، فيما شهدت بعض المواقع الحيوية أعمال نهب آخرها نهب مستودعات الأمم المتحدة والتي كانت تكفي لمساعدة أربعة ملايين شخص. وأضافت: "من نهبوا المستودعات نظموا سوقًا في الأبيض يطلق عليه شعبيًا (سوق لحظة)، وتباع فيها المواد المنهوبة علنًا".
والأبيض هي ثاني مدن السودان التي بها مصفاة للنفط بعد الخرطوم، وتمثل نقطة رئيسية لتجارة المحاصيل والماشية والمنتجات الشعبية.
ورغم المحاولات المتكررة لقوات الدعم السريع، لم تتمكن من الاستيلاء على هذه المدينة التي تعد عاصمة ولاية شمال كردفان.
ويعتمد الجيش على "قوات الهجانة" ذائعة الصيت منذ سنين ضمن وحدات القوات المسلحة في حماية هذه الولاية من الوقوع تحت قبضة قوات الدعم السريع التي نفذت عدة هجمات الشهر الماضي على المدينة وبعض القرى المحيطة بها.
ومع دخول الجيش والدعم السريع في هدنة ابتداءً من صباح اليوم 10 حزيران/يونيو الجاري، ستكون الأبيض ضمن المدن المشمولة بهذه الهدنة.
وأعربت مشكاة التي تقيم في وسط الأبيض في حديث لـ"الترا سودان" عن أملها في أن تسمح الهدنة بإصلاح الخط الناقل للكهرباء إلى المدينة، وقالت: "لا ندري إن كان الفريق الفني سيتمكن من التحرك في الساعات المقبلة أم لا".
وتقول مشكاة إن الوضع الإنساني في ولاية شمال كردفان والعاصمة الأبيض "حرج للغاية"، إذ نفدت إمدادات الدواء وسلاسل الأغذية في المحال التجارية والمخازن، لأن عاصمة الولاية التي تغذي حتى تلك القرى والمحليات بالسلع "معزولة عن بقية مناطق البلاد" بفعل العمليات العسكرية.
ولا يمكن التنبؤ بمستقبل هذه المدينة إذا استمرت الحرب؛ فخلال الأيام الماضية فضل العديد من المدنيين المغادرة إلى ولايات أكثر أمانًا وإلى مصر وجنوب السودان.
يقول فخر الدين أحمد إن الحرب فاقمت معاناة أربعة ملايين شخص بمدينة الأبيض، ولم يجد غالبية السكان مفرًا من البقاء في منازلهم مع صعوبة تدبير نفقات السفر إلى الولايات أو دول الجوار. وتابع: "الحرب آخر ما تحتاج إليه هذه الولاية التي تواجه في الأصل مشاكل في مياه الشرب والخدمات الأساسية".
وشهدت الأبيض حراكًا مدنيًا واسعًا قبل الإطاحة بالرئيس عمر البشير في العام 2019 وبعدها، وفي العام نفسه فتح جنود من الدعم السريع النار على مواكب الطلاب وسط المدينة، أدت إلى مقتل خمسة طلاب، وهي قضية شغلت الرأي العام السوداني في تموز/يوليو 2019.
تقول نادين التي فرت من الحرب في العاصمة الخرطوم إلى مدينة الأبيض: "نزحت من حرب إلى حرب. وإذا لم تتوقف فسندفع ثمنًا باهظًا، خاصةً إذا لم أتمكن من المغادرة خارج البلاد".
ترى هذه الفتاة التي كانت تعمل مع ناشطي المقاومة في الأبيض والخرطوم إن "الحرب ليست منطقية إذا جرى تقييمها من ناحية واحدة فقط؛ لأنها صراع على السلطة لا الحكم المدني والديمقراطية".
وتتحسر نادين (30 عامًا) على وقوف المجتمع الدولي متفرجًا على المدنيين وعدم تقديمه يد العون لتعزيز الديمقراطية، وتقول إنه حتى في هذه الحرب ما يزال بعيدًا عن "التدخل المؤثر" – على حد قولها.
والخطر لم يكن بمعزل عن مرضى الفشل الكلى لأن المراكز الصحية لم تتمكن من توفير المعينات الطبية وطاقة التشغيل، ولذلك تقول نادين إن العشرات من مرضى الكلى سيواجهون الموت إذا لم تصل مساعدات إلى المدينة. وأردفت: "تلقينا معلومات عن وفاة بعض مرضى الكلى بسبب توقف الغسيل".