حُمَّيات تشبه وباء "حمى الضنك" تفتك بالمواطنين في مدينة كسلا وأريافها، بالولاية الواقعة شرق البلاد، وتتزايد الإصابات وسط النازحين المقيمين في مراكز الإيواء بسبب تراجع صحة البيئة، وعدم مكافحة النواقل، وتدهور الوضع المعيشي، ونقص الرعاية الصحية، وفق إفادات متطوعين ومختصين.
وصلت كسلا إلى مرحلة وصفها بأنها منطقة مستوطنة بالحُمَّيات
منذ سنوات، وصلت كسلا إلى مرحلة وصفها بأنها منطقة مستوطنة بالحُمَّيات. خلال بعض الفترات، تصدرت اهتمامات الرأي العام على الشبكات الاجتماعية، خاصة في العام 2017، وبلغت ذروتها خلال هذا العام. ويعزو العاملون في القطاع الصحي انتشار الحُمَّيات في كسلا، والقضارف، والخرطوم إلى غزارة الأمطار، ونقص الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والحرب.
تجري وزارة الصحة السودانية برامج مستمرة بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية بالصحة والمجتمعات لمكافحة الوباء. في ذات الوقت، تشكو الوزارة من نقص التمويل الحكومي مع تعثر الاقتصاد خلال الحرب منذ أكثر من عام ونصف.
حميات قاتلة
لمعرفة أعراض الحُمَّيات المنتشرة في كسلا، وفق إفادات أطباء وعمال إنسانيين، سأل مراسل "الترا سودان" أحد عاملي المختبر بمركز طبي خاص وسط المدينة، فأجمل الأعراض في الشعور بالحمى، والفتور، والتعب، وعدم القدرة على ممارسة النشاط المعتاد، وفي مرحلة ما، تنتقل إلى غياب المصاب عن الوعي كليًا، وتسبب الوفاة.
طبيب: الناس أصبحوا يتعاملون مع الوباء باكتساب بعض الخبرات مثل تناول الفواكه، خاصة "الجريب فروت" أو العصائر، وذلك لتعزيز مناعة الجسم
يقول أمجد، الذي استشفى من حمى الضنك بمدينة كسلا، لـ"الترا سودان": إن الناس أصبحوا يتعاملون مع الوباء باكتساب بعض الخبرات مثل تناول الفواكه، خاصة "الجريب فروت" أو العصائر، وذلك لتعزيز مناعة الجسم لمقاومة الحمى حتى لا تنتقل إلى مرحلة الغيبوبة، وفقدان الوعي، والنزيف الداخلي.
وحسب أمجد، يمكن ارتداء ملابس واقية من البعوض الناقل للحمى لتجنب اللسعات. ورغم ذلك، لا يمكن أن تكون هذه التدابير كافية لمنع الوباء عن المئات، كما يحدث الآن في كسلا، حيث ارتفعت الشكوى من الحُمَّيات خلال الأسبوعين الأخيرين على نحو غير مسبوق.
حملات محلية
على الشبكات الاجتماعية، خاصة "فيسبوك"، أطلق ناشطون ومتطوعون حملات لمكافحة البعوض الناقل للحُمَّيات المنتشرة في كسلا. كما دعت وزارة الصحة على حسابها في "فيسبوك" إلى تخصيص يوم الجمعة للنظافة، ثم أرفقت جملة أخرى، وقالت: "عشان البعوض يقيف".
تضع نسرين، وهي متطوعة، عددًا من الأسباب التي أدت إلى ظهور الحُمَّيات، منها عدم الوقاية المبكرة بالحملات أثناء فصل الخريف في كسلا، خاصة مع موسم الأمطار التي هطلت بمعدلات عالية، إلى جانب الضغط المتزايد على المدينة جراء نزوح عشرات الآلاف إليها، وغياب الأجهزة الحكومية المساعدة، عدا وزارة الصحة الاتحادية التي تعمل بجهود كبيرة لمكافحة الحُمَّيات والوبائيات. ومع ذلك، فإنها "تظل قطرة في محيط من الوبائيات"، تضيف هذه المتطوعة.
فيما تقول طبيبة بمستشفى كسلا العام: إن الحُمَّيات تفتك بالأشخاص الذين لا يتخذون تدابير عالية لتفادي البعوض الناقل، مثل الإقامة في الأسواق أو المجمعات العامة أو المدارس، لأن النواقل تنطلق من بيئة خصبة جدًا في هذه المواقع.
وترى هذه الطبيبة، مع عدم الإشارة إلى اسمها لأنها غير مخول لها بالتصريح، أن الناس يجب أن ينخرطوا في حملات شعبية لمكافحة الوبائيات. خاصة أن البعوض يحتاج إلى جهود تشاركية بين المجتمع والحكومة، من خلال دعم الأخيرة بالمعدات، والمبيدات، وأدوات النظافة، وإشراك الشبان والفتيات والرجال في الأحياء والأسواق للعمل أسبوعيًا للتخلص من الحشائش، والمياه الراكدة، والنفايات.
وتشير إلى أن المصابين يواجهون مشكلة مركبة، الأولى أعراض الحمى، والثانية عدم الحصول على الغذاء المناسب لمقاومة المرض بتعزيز المناعة. وكلما كانت المجتمعات تعاني من نقص الغذاء، كلما حاصرتها الأوبئة. هذه قاعدة ثابتة وفق هذه الطبيبة.
تقارير مخيفة
تواصل مراسل "الترا سودان" مع مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية، الفاضل محمود، حول الوبائيات التي ضربت بعض المدن، من بينها كسلا وسنار، خاصة الكوليرا والحُمَّيات. رفض التعليق على السؤال ونصح بمتابعة التقارير اليومية الصادرة عن المركز القومي للطوارئ المعني بنشر الإحصائيات للإصابات.
الأربعاء الماضي، الموافق 9 تشرين الأول/أكتوبر 2024، قالت شبكة أطباء السودان: إن فريقًا من الشبكة في إقليم شرق السودان تابع بقلق تزايد حالات الإصابة بحمى الضنك في ولاية كسلا، مع مضاعفة الحالات يوميًا في المستشفى الحكومي العام بالمدينة، خاصة بين النازحين.
وحذرت شبكة الأطباء من أن انتشار الحُمَّيات ينذر بكارثة إنسانية في ولاية كسلا، سيما مع انتشار وباء الكوليرا، وشددت على ضرورة التدخل الحكومي العاجل لتوفير المعينات الطبية للمستشفيات وتجهيزها لاستقبال الحالات الواردة بسبب الحُمَّيات.
وزارة الصحة: عدد الإصابات التراكمية بلغ (1329) إصابة
ولم تتردد شبكة أطباء السودان في إطلاق نداء عاجل للمنظمات الدولية والإقليمية والسلطات المحلية لتدارك الأزمة الصحية قبل توسع نطاق الانتشار، ودعت إلى إكمال النواقص في أقسام الطوارئ.
فيما ذكر مركز عمليات الطوارئ، الذي يتشكل من مجموعة مؤسسات حكومية أبرزها وزارة الصحة السودانية، أن عدد الإصابات التراكمية بلغ (1329) إصابة، مع تسجيل (16) إصابة جديدة، وبلغت الوفيات أربع حالات في (17) محلية بخمس ولايات.
علاجات مسكنة
بينما يرى الطبيب الصيدلاني هيثم محمد عبد الرحمن أن الحُمَّيات تُعالج عن طريق السوائل وتعزيز مناعة المصاب، ولا توجد أدوية بعينها يمكن للأطباء وصفها للمصاب. لذلك من الأفضل تحسين حياة المجتمعات للحصول على المأوى المناسب والغذاء المناسب. وفي ذات الوقت، يجب على الأجهزة الحكومية والمجتمعات أن تعمل معًا لمكافحة الوبائيات، لأنها تنتشر نتيجة تراجع صحة البيئة في كثير من الأحيان، خاصة الكوليرا والحُمَّيات والملاريا.
وخلال الحرب، وصل إلى مدينة كسلا عشرات الآلاف من النازحين، ويقيم الغالبية في مراكز الإيواء، وجرى تحويل المدارس في الأحياء إلى مراكز أيضًا. كما أن الحرب انعكست على الاقتصاد بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وتدني سعر صرف الجنيه السوداني، وعدم انتظام صرف الأجور في القطاع العام، وفقدان الوظائف في القطاع الخاص.