08-مايو-2024
رجل مسلح يقف أمام نار مشتعلة في السودان

صاحبت حرب السودان جرائم وانتهاكات خطيرة بحق المدنيين (أرشيفية/غيتي)

أخذت مقاطع فيديو انتشرت خلال حرب السودان بين الجيش والدعم السريع، حيزًا كبيرًا من اهتمام الرأي العام كونها شكلت "صدمة نفسية" جراء تحول القتال إلى ساحة لإظهار سلوكيات متطرفة مثل ذبح الجنود وتقطيعهم إلى أشلاء.

مخاوف من تحول قتل الأسرى والتمثيل بالجثث إلى حالة عادية

الطرفان نالا نصيبًا من الاتهامات بارتكاب هذه الجرائم التي وصفها محامون بـ"المروعة" لمشاعر الإنسانية في العالم أجمع، ففي شهر حزيران/يونيو 2023 وأثناء اشتداد المعارك في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، انتشر مقطع فيديو عملية اغتيال والي الولاية خميس أبكر.

انتقام ممنهج

المعالجة النفسية مروة إبراهيم وصفت الجرائم مثل ذبح الجنود أو دفن الأحياء بـ"الانتقام الممنهج"، وعزتها إلى "الشخصية الحدية"، أي التي تكون خارج أرض الحدث شخصية طبيعية، ولكن سرعان ما تتبدل داخل موقع الحدث نتيجة حصولها على جرعات عالية من الرسائل السلبية من منطلق الطرفين المتنازعين.

وتقول مروة إبراهيم لـ"الترا سودان"، إن بعض المقاتلين "المرتزقة" قد يرتكبون مثل هذه الأفعال الانتقامية، أي الانتقام الممنهج بتقطيع جسد الأسير أو المواطن بدافع المال مقابل الالتزام بهذه المهام.

وتضيف بالقول: "مثل هؤلاء الأشخاص الذين يذبحون الشخص دون أن يقتلوه بشكل عادي، في هذه الحالة تتملكهم الرغبة الملحة في الانتقام، وتسيطر الأفكار السلبية على الأعصاب والخلايا، ويكون الشخص مهتمًا في كيفية التخلص من الشخص الذي أمامه بأبشع طريقة ممكنة".

وترى المعالجة النفسية مروة إبراهيم، أن تدفق الخطاب ذو الطابع الاجتماعي أو السياسي أو الإثني بشكل هائل على الأشخاص أو الجنود في ميدان المعركة ينمي دواخلهم رغبة الانتقام بطرق غير مألوفة ومخالفة لطبيعة البشر والإنسانية. وتقول إبراهيم إن هذه العناصر تشكل خطورة على المجتمعات نفسها عندما يعود هؤلاء المقاتلين من جبهات القتال، ما لم يخضعوا لبرنامج تأهيل نفسي مكثف مدعوم من الدولة والمؤسسة التي ينتمون إليها.

وأردفت: "الشخصية المضطربة ليست مثل شخصية المختل عقليًا، لأن الأول لا تظهر عليه علامات تدل على الجنون، بل يكون شخصًا طبيعيًا يخفي سلوكيات خطيرة وسيئة جدًا".

تقارير موثقة

وكان مفوض حقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة، تطرق ضمن تقرير قدمه إلى المجلس في آذار/مارس الماضي، إلى حادثة قطع رؤوس اثنين من المواطنين في شمال كردفان، قائلًا إن مكتبه تلقى هذه التقارير الموثقة.

فيما يعتقد عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري خلال الحرب - المحامي عثمان البصري، أن مقاطع الفيديو التي تظهر الانتهاكات المروعة مثل ذبح الرؤوس أو تقطيع الجسد إلى أشلاء، والتي أُرتكبت بحق المدنيين أو الأسرى من الجيش والدعم السريع، انتشرت على نطاق واسع وتكررت، ما يعني أنها ممنهجة من قبل الطرفين.

عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري: الرأي العام صُدم عندما شاهد مقطع فيديو التمثيل بجثة والي غرب دارفور خميس أبكر في الجنينة من قبل جنود الدعم السريع

وأوضح البصري لـ"الترا سودان"، أن الرأي العام صُدم عندما شاهد مقطع فيديو التمثيل بجثة والي غرب دارفور خميس أبكر في الجنينة من قبل جنود الدعم السريع، إلى جانب دفن الناس أحياء في منطقة "أردمتا" في نفس الولاية بواسطة عناصر الدعم السريع.

وفي نظر البصري انضمت عناصر من الجيش إلى مثل هذه الانتهاكات المروعة بانتشار مقطع فيديو يظهر قطع رؤوس اثنين من المواطنين قرب الأبيض قبل أشهر، بالإضافة إلى الفيديو الذي انتشر الأيام الماضية، رغم نفي الجيش ذلك، إلا أن أحد الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة الشنيعة كان يرتدي زي القوات المسلحة - يضيف البصري.

ويقول البصري إن هذه الجرائم تقود مرتكبيها إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأنها تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفقًا للمعاهدات الدولية واتفاقيات جنيف. وأوضح هذا الناشط أن لجنة تقصي الحقائق المكونة من مجلس حقوق الإنسان في جنيف، إذا وصلت البلاد ستشرع في التحقيق فورًا في هذه القضايا.

ويرى البصري أن الجيش والدعم السريع لا يرحبان بلجنة تقصي الحقائق في السودان لأنهما ارتكبا جرائم وانتهاكات خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عام في السودان. وأضاف: "لدي شكوك في زيارة لجنة تقصي الحقائق للسودان لأن الطرفين تجاوزا الحديث عنها إعلاميًا".

نفي واتهامات

ونفى الجيش في بيان رسمي، أمس الثلاثاء، واقعة فيديو تقطيع أشلاء جندي الدعم السريع، وأدان في ذات الوقت محتوى الفيديو صادم الذي يظهر شخصين يقومان بتقطيع جثة قتيل بزي قوات الدعم السريع وسط جمهرة من الناس وهم يهتفون ضد هذه القوات. وقالت القوات المسلحة في بيانها، إن إعلام "مليشيا آل دقلو الإرهابية" حاول إلصاق هذه الجريمة بالجيش السوداني.

بينما كان قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو قد سارع إلى إدانة مقطع الفيديو، واتهم القوات المسلحة بارتكاب هذه الجريمة.

ويقول المحلل السياسي والصحفي جميل الفاضل، لـ"الترا سودان"، إن هذه الجرائم الموثقة بواسطة مرتكبيها، الهدف منها إدخال الرعب في نفوس السودانيين، وإيصال رسائل أن من ليس معنا عليه أن يغادر البلاد وإلا سيكون مصيره الذبح والقتل بهذه الطريقة، أو البقاء منصاعًا لما يحدث.

محلل سياسي: الجيش مؤسسة وطنية لا يجب أن تصدر مثل هذه الأفعال من منسوبيها

ويرى الفاضل أن الجيش مؤسسة وطنية لا يجب أن تصدر مثل هذه الأفعال من منسوبيها. مشيرًا إلى أن هذه الجرائم قد تتحول مع مرور الوقت إلى "جرائم اعتيادية"  لن يندهش حيالها الرأي العام من كثرة التكرار، وتتسبب في حالة تنعدم فيها عملية التعايش السلمي بين المواطنين.

وأضاف: "الأصل في الجريمة هو الإخفاء، وطالما تعمد الشخص توثيق القتل بهذه الطريقة البشعة، هذا يعني أنه لا يستهدف الضحية، بل يستهدف الشعب السوداني حتى يتم إسكاته والقضاء في ذات الوقت على ثورة ديسمبر".

ووصف الفاضل الحالة التي وصلت إليها حرب السودان بـ"الجنونية"، ولطالما ظهرت مثل هذه الجرائم على طريقة المنظمات المتطرفة، محذرًا من أنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة.