أثار تسجيل صوتي جديد منسوب إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لوح فيه بإمكانية تشكيل حكومة في مناطق سيطرته حال مضى قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في تشكيل "حكومة حرب" – أثار ردود أفعال واسعة في أوساط السياسيين والناشطين، بين محذرٍ من عواقب تهديداته، وساخرٍ منه ومقللٍ من قدرته على تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قواته.
أثار تسجيل صوتي جديد منسوب إلى حميدتي ردود أفعال واسعة في أوساط السياسيين والناشطين، بين محذرٍ من عواقب تهديداته وساخرٍ منه
ويأتي تسجيل "حميدتي" بعد خمسة أشهر من اندلاع الحرب بين الدعم السريع والجيش في قلب العاصمة الخرطوم وأجزاء متفرقة من البلاد في منتصف نيسان/أبريل الماضي – يأتي ليعزز سردية الدعم السريع بأن الحرب أشعلها "فلول النظام البائد". إذ قال "حميدتي" في تسجيله: "ما حدث في 15 نيسان/أبريل الماضي هو حرب الفلول لقطع الطريق أمام العملية السياسية وعودة الحكم المدني الديمقراطي في السودان"، لافتًا إلى أن البرهان لديه "مخطط قديم مع الفلول" ليصبح رئيسًا ديكتاتوريًا للبلاد.
وشكك "حميدتي" في شرعية البرهان، قائلًا إنه لم تعد هناك حكومة شرعية في البلاد منذ انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وواصفًا ما حدث بعد 15 نيسان/أبريل الماضي بأنه "انهيار دستوري شامل" فقدت بموجبه حكومة الأمر الواقع شرعيتها تمامًا – على حد وصفه.
وحذر قائد الدعم السريع من محاولات من أسماهم "الفلول" إعلان حكومة في جزء من السودان ومن "استمرار البرهان في محاولات ادعاء شرعية زائفة"، قائلًا إن ذلك سيؤدي إلى تفكيك السودان. ولوّح "حميدتي" بإمكانية تشكيل حكومة موازية، قائلًا: "سنشرع فورًا في مشاورات واسعة لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرتنا الواسعة والممتدة تكون عاصمتها الخرطوم. ولن نسمح بخلق عاصمة بديلة".
وأثار التسجيل الصوتي المنسوب إلى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) موجة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي –ولا سيما فيسبوك– تباينت بين ساخرٍ ومقللٍ من خطورة التهديد، ومحذر من خطر تقسيم السودان على غرار السيناريو الليبي.
وأبرز المعلقين على تسجيل "حميدتي" كان العضو السابق بمجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي الذي حذر من الاستهوان بالحروب ومسبباتها، مذكرًا بأن ذلك "قاد إلى أسوأ صراع مسلح في تاريخ بلادنا"، ولافتًا إلى أن "تعمُّد التقليل من خطر التقسيم، سيقود إلى التشظي لا محالة". ودعا التعايشي إلى "مقاومة تشكيل حكومات مناطقية"، متهمًا "الفلول ومن يساندونهم" بالنشاط في تشكيلها، ولكنه قال إن مقاومة تشكيل مثل هذه الحكومات ليست كافية لمقاومة ما أسماها "التيارات الانفصالية" في البلاد.
ومضى نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والناطق الرسمي لآخر عملية سياسية في البلاد جمعت بين أطراف الحرب خالد عمر يوسف – مضى إلى التحذير من خطورة تصريحات قائد الدعم السريع. وقال إن البلاد تتجه نحو التقسيم بسرعة الصاروخ، بسبب "أطماع فلول النظام البائد في الاستيلاء على السلطة" – حسب وصفه.
أما الناطق الرسمي باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير جعفر حسن عثمان فعزف على نغمة الانقسام نفسها، وقال إن تشكيل حكومة في بورتسودان وأخرى في الخرطوم يعني فعليًا تقسيم السودان إلى دولتين. وناشد الطرفين –البرهان وحميدتي– بوقف أي خطوات تصعيدية والمضي نحو منبر جدة لتكملة اتفاق وقف إطلاق النار.
عضو مجلس السيادة السابق والقيادي في التجمع الاتحادي وقوى الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان مضى مذكّرًا بما مضى عندما حذروا من خطورة انقلاب العسكريين ومن قرع طبول الحرب لاحقًا فعدها بعض الناس محاولة لتمرير مشروع "الهبوط الناعم" عبر سياسية "حافة الهاوية".
في الجانب الآخر، قلل يوسف مورو وهو من شباب الإسلاميين وأحد الناشطين في مجموعة "الإحياء والتجديد" – قلل من خطورة الموقف. وأكد أن "حكومة الضرار" التي ينوي "حميدتي" تشكيلها ليس لها أساس موضوعي، نافيًا أي تشابه بين الحالتين السودانية والليبية.
أما الناطق الرسمي السابق باسم مبادرة الشيخ الطيب الجد والقيادي الإسلامي الشاب هشام عثمان الشواني فعدّ خطاب "حميدتي" تفعيلًا للخطة الاحتياطية (خطة التهديد بالتقسيم) بعد فشل الخطة الأساسية. وأكد أنها خطة "فاشلة تمامًا" وستساهم في توحيد السودانيين لأنهم تضرروا جميعًا من "المليشيا".
ومن جانبه، علق رئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول على "خطاب حميدتي" قائلًا إنه لا يملك مقومات تكوين حكومة، مستبعدًا أن يورط أي سياسي نفسه بالعمل مع الدعم السريع وتحمل "الكلفة العالية لممارساتها السابقة واللاحقة". وعد حديث بعض السياسيين عن حكومة موازية في سياق "المناورة والضغط على القوات المسلحة" لتغيير موقفها وإلحاقهم بالترتيبات الجارية لتشكيل الحكومة.
وعلى الضفة الأخرى، مضى الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني وعضو المكتب السياسي للحزب نور الدين بابكر إلى التذكير بأن الحروب تنتهي بالسلام أو الانقسامات أو بكليهما معًا، وبأن تاريخ السودان الحديث مع الانقسامات لم يجف حبره بعد، قائلًا إن دعاوى تشكيل حكومة موازية هي وصفة مثالية للتقسيم.
الصحافي ورئيس مجلس الصحافة والمطبوعات في عهد الحكومة الانتقالية المنقلب عليها حسام حيدر لم يُخفِ امتعاضه من سؤال المتسائلين عن كيفية إيقاف الحرب، وعده "منطق العاجزين عن الوقوف ضد الحرب"، قائلًا: "معروف كيف تنتهي الحروب، وفي السودان أنهيت حروب باتفقيات سلام من 1972 وحتى 2020".
ولكن الصحافي السوداني محمد حامد جمعة نوار عدّ خطاب "حميدتي" دليلًا على حصول الرجل على "ضوء أخضر" لتشكيل حكومة باعتراف دولي وإقليمي، مستبعدًا أن يكون لموقف "حميدتي" صلة بإعلان البرهان حكومة من شرق السودان.
الناشط السياسي السوداني حسن مصطفى حذر من "السيناريو الليبي" ومن إمكانية تقسيم السودان.
فيما قلل الناشط السياسي والباحث الاقتصادي محمد المصباح من خطورة تلويح قائد الدعم السريع "حميدتي" بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قواته. وأشار إلى صعوبة إعلان حكومة كهذه من دون اعتراف دولي وقبول خارجي وداخلي في مناطق عمقها الاجتماعي، مستبعدًا اعتراف المجتمع الدولي بحكومة تشكلها "حركة جهوية متهمة بجرائم تطهير عرقي" لتفتح بابًا لتنازع الشرعية في بلد مثل السودان.
أما الناشط السياسي حليم عباس فعد اختيار "حميدتي" للخرطوم عاصمةً لحكومته المتوقع تشكيلها – عد هذا الاختيار أكبر دليل على "غباء هذه الخطوة وعدم جديتها". وتساءل حليم: "كيف يمكن أن تشكل حكومة في مدينة هي ساحة عمليات عسكرية يحاصرها الجيش؟"
أما الناشط علي عزت فيرى أن تكوين حكومة في البحر الأحمر هو تأكيد للهزيمة العسكرية في الخرطوم، واعتراف بعدم قدرة القوات المسلحة على استردادها قريبًا أو بعيدًا.
تثير خطابات "حميدتي" زوابع من التحليلات والمساجلات، وغالبًا ما تحظى بنصيب وافر من السخرية، ولكنها لا تعدم من يتعامل معها بجدية صارمة، ولا سيما بعد حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل الماضي التي أكدت أن لا حدود لجرأة الرجل ولا سقف لطموحه السياسي.