على بعد (70) كيلومترًا شمالي العاصمة الخرطوم تقع شركة مصفاة الخرطوم المحدودة الشهيرة بمصفاة الجيلي. وهي أكبر مصفاة للمواد البترولية في البلاد بقدرة تصل إلى (100) ألف برميل في اليوم الواحد، فيما ترتبط بخط أنابيب للتصدير يربط المصفاة بميناء بشائر شرقي السودان، ويصل طوله إلى (1610) كيلومترًا ليكون بذلك أطول خط أنابيب للبترول في أفريقيا. ويغذي خط أنابيب مصفاة الجيلي خطي مدينتني ود مدني وعطبرة، وبحسب تقارير أنه وحتى أيلول/سبتمبر الماضي ظلت تعمل مصفاة الجيلي بأقل من طاقتها، حيث تراجعت بشكل مريع حتى وصلت لأن تعمل بنسبة (15)% من طاقتها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع في أسعار المحروقات بالبلاد.
تأسست شركة مصفاة الخرطوم في العام 1997 فيما زاولت نشاطها بعد ثلاث سنوات من تأسيسها
فيما أكد بيان للقوات المسلحة أن قوات الدعم السريع قامت أمس الأول باستهداف مصفاة الجيلي، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها للحرق والتدمير، ولكنها كانت القاضية بحسب البيان الذي أكد أن المصفاة تعرضت للإهلاك التام. وجدير بالذكر أن القوات المتنازعة في السودان تبادلت الاتهامات فيما بينها بخصوص الهجمات التي كانت تنفذ على المصفاة. وكانت المصفاة قبل اندلاع الحرب في الخرطوم منتصف أبريل/نيسان الماضي تغطي نحو (75)% من احتياجات السودان من البنزين، وحوالي (50)% من الغازولين. فيما يغطي السودان العجز من خلال الاستيراد الذي توقف الآن نتيجة لشح الموارد بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
وتأسست شركة مصفاة الخرطوم في العام 1997 فيما زاولت نشاطها بعد ثلاث سنوات من تأسيسها. وتتبع ملكية المصفاة مناصفة بين وزارة الطاقة والتعدين السودانية وشركة البترول الوطنية والصينية.
اتهامات متبادلة
ومنذ أن تعرضت مصفاة الخرطوم للقصف والتدمير، تبادل كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات حول المسؤولية عن دمار المصفاة. وفي بيان صدر عن الجيش السوداني مساء الأحد المنصرم، أكد فيه على ضرورة تصنيف ما أسماها "ميليشيا آل دقلو الإرهابية" كمنظمة كمنظمة إرهابية من قبل المنظمات الدولية، وذلك على خلفية تدمير ما تبقى من مصفاة الجيلي والمستودعات الملحقة بها. وقال الجيش إن التدمير يأتي استمرارًا لنهج قوات الدعم السريع في تدمير منشآت البلاد الحيوية. مشيرًا إلى أن الحرب التي تخوضها قوات الدعم السريع هي ضد المواطن السوداني - حسب ما ورد في البيان.
وبحسب وكالات أنباء، أكدت قوات الدعم السريع أن الجيش السوداني قام بقصف مصفاة الجيلي للمرة الخامسة على التوالي. وخلال هذه المرات الخمس تبادل كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات، وحمل كل منهما الطرف الآخر مسؤولية انهيار المنشأة جراء القصف المتتالي عليها.
أزمة اقتصادية
يقول الكاتب الصحفي إدريس عبدالله لـ"الترا سودان" إن خروج مصفاة الجيلي عن الخدمة سيزيد من معاناة الشعب السوداني. مؤكدًا أن المواطنين كانوا يعانون من شح المحروقات وغلاء أسعارها منذ اندلاع الحرب، وتعرض المصفاة للضرر الجزئي جراء الهجمات المتتالية عليها، حيث أصبحت لا تتراءى لهم إلا من خلال السوق السوداء. وخروج المصفاة من الخدمة -والحديث لإدريس- سيؤثر بشكل كبير على الولايات التي لم تتأثر بالحرب، والتي تحتاج إلى الوقود خاصة في قطاع النقل من أجل توفير البضائغ الغذائية. وأضاف: "قطاع الزراعة في البلاد سيتأثر بسبب شح الوقود أو ازدياد أسعاره، الأمر الذي ينذر بندرة غذائية قادمة في الطريق".
ويؤكد إدريس أن الضرر سيكون بالغًا أيضًا على دولة جنوب السودان، والتي تعتمد على مصفاة الخرطوم في تصدير البترول عبر ميناء بشائر. وأشار عبدالله إلى أن دولة جنوب السودان يقوم (70)% من اقتصادها على البترول، مما سيحتم عليها إيجاد بديل آخر غير السودان لتصدير نفطها، الأمر الذي سيفقد البلاد أحد مواردها، وذلك على خلفية اتفاق نيفاشا الذي نص على اقتسام عائدات النفط المنتجة في دولة جنوب السودان. وأكد عبدالله أنه وبتدمير مصفاة الخرطوم سيكون السودان مقبلًا على مجاعة ما لم يعالج الأمر بشكل سريع.
أضرار بيئية
تقع مصفاة الخرطوم في مدينة الجيلي والتي بها عدد مقدر من السكان قبل اندلاع الحربن وسيحدث التدمير العشوائي الذي واجهته المنشأة أضرار بيئية جسيمة بحسب الخبيرة في مجال البيئة نهلة محمد، والتي أكدت في حديث لها مع "الترا سودان" أن التدمير من شأنه أن يتسبب في تسريب غازات سامة وجسيمات ضارة إلى الهواء، والذي يؤثر بشكل سلبي على جودته، الأمر الذي سيضر بالإنسان والحياة البرية بشكل عام في المناطق المحيطة.
وجدير بالذكر أن المياه والتربة يصنفان من العناصر التي من شأنها أن تتضرر من التسريبات الكيميائية، وتؤكد الخبيرة نهلة محمد أن تسرب مثل هذه المواد إلى المياه سيضر بالكائنات المائية المتواجدة في المنطقة. أما بالنسبة لتعرض التربة لمثل هذه المواد فستنعكس آثارة بشكل واضح على النباتات والزراعة بشكل عام، وربما سيكون هنالك تأثيرات على المدى الطويل. الأمر الذي يحتم على ضرورة العمل بشكل فوري باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة من أجل التقليل من التأثيرات البيئية الناجمة عن تدمير المنشأة البترولية الأولى في السودان جراء الحرب الدائرة في البلاد.
منذ اندلاع الحرب في السودان فقدت البلاد أكثر من (120) مرفقًا من مرافق الدولة المهمة
ومنذ اندلاع الحرب في السودان فقدت البلاد أكثر من (120) مرفقًا من مرافق الدولة المهمة، من ضمنها جسور ومؤسسات حيوية، الأمر الذي أفقد البلاد جزءا كبيرًا من بنيتها التحتية الأساسية.