يشعر حامد الذي يعيش في قرية تقع شمال محلية "ود الماحي" في إقليم النيل الأزرق بالقلق من أن بعض المجموعات القبلية قد تهاجم البلدة الصغيرة في أي وقت، ولذلك يرى أنه يتعين على السكان اليقظة للدفاع عن أنفسهم.
ناشط: حكومة النيل الأزرق عاجزة عن إيقاف العنف وعن حل الأزمة نهائيًا عبر المصالحة وعاجزة عن توسيع رقعة الأمن
وحذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة الشهر الماضي من أن النازحين في مخيمات داخل مدينة "الدمازين" يشعرون بفقدان الأمان جراء المخاوف من تجدد موجات العنف القبلي.
وتقدر الأمم المتحدة عدد النازحين بسبب موجات العنف في إقليم النيل الأزرق بأكثر من (80) ألف شخص، فيما قُتل نحو (142) شخصًا.
وهناك تباين في الروايات حول "جوهر الخلاف" الذي أدى إلى العنف القبلي بين مجموعات من "الفونج" و"الهوسا" منذ تموز/يوليو الماضي، فبينما يقول سكان محليون بالنيل الأزرق إن العنف بدأ على خلفية مقتل مزارع من "الفونج"، يقول آخرون إن السبب الأساسي هو إقدام "الهوسا" على إقامة إمارة جديدة في الولاية الواقعة جنوبي البلاد، وبالنسبة إلى بعض المجموعات تعد إمارة جديدة محل رفض.
ويحمّل الناشط في قضايا إقليم النيل الأزرق التوم جنجاري حكومة الإقليم مسؤولية تجدد أعمال العنف قبل أسبوعين التي أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وبدء حركة نزوح عالية من محلية "ود الماحي" وتحديدًا من القريتين (6) و(7) التابعتين إداريًا للمحلية - بدء حركة النزوح العالية نحو مدينة "الدمازين" عاصمة الإقليم.
ويوضح جنجاري لـ"الترا سودان" كيف أن الصراع مثل كرة الثلج تتدحرج يوميًا لدرجة أن سكان الولاية يشعرون بأن العنف قد يندلع "في أي وقت من دون مقدمات".
ويبيّن جنجاري أن النزوح لم يتوقف من محلية "ود الماحي" إلى "الدمازين". ويشير إلى أن أغلبهم من قبيلة "الهوسا". ويقول إن حكومة الإقليم عاجزة عن فعل أي شيء حيال هذا العنف.
وبعد أكثر من ثلاثة شهور ما يزال إقليم النيل الأزرق يواجه شبح عودة العنف الأهلي في ظل شعور عام بين السكان بأن الحكومة المركزية لم تبذل جهودًا كافية لتوقيع مصالحة بين المجموعات القبلية.
وقال حامد وهو من سكان القرية (7) بمحلية "ود الماحي" لـ"الترا سودان" إن الوضع في القرى التابعة للمحلية وكأنها "فوق بركان مشتعل" قد ينفجر في أي لحظة.
مواطن: نشهد يوميًا حركة نزوح ويغادر الآلاف إلى سنار والدمازين والجزيرة والعاصمة للنجاة من المحرقة
وأضاف حامد: "نشهد يوميًا حركة نزوح، ونرى الآلاف يغادرون إلى سنار والدمازين والجزيرة والعاصمة مفضلين النجاة من هذه المحرقة".
في مدينة الدمازين عاصمة الإقليم ثمة انتشار للقوات المشتركة التي تضم الجيش والدعم السريع والشرطة تجوب الشوارع الرئيسية منذ تموز/يوليو الماضي، لكن هذه الإجراءات الأمنية تنخفض خارج المدينة على ما يقول سكان محليون.
ويشير الناشط في قضايا النيل الأزرق التوم جنجاري إلى أن القوات المشتركة غير مخولة بفض النزاعات إلى جانب البيروقراطية التي قال إنها تقيّد تحركاتها لإطفاء النزاعات أو هجمات مفاجئة للمجموعات القبلية.
وفي شاحنة قديمة وصلت إلى الدمازين، يقول حامد إنه ساعد جيرانه على شحن الأمتعة الخفيفة من قرية تقع في محلية "ود الماحي" لأنهم يودون النجاة من العنف جراء تصاعد القلق من تجدد العنف، خاصةً مع تأثير الإشاعات المتزايدة في المجتمعات.
وحامد ناشط طوعي يحاول أن يقلل من "آثار العنف" منذ ثلاثة أشهر ورغم أنه يشعر باليأس في بعض الأحيان إلا أنه يقول إن "السلام سيعم يومًا هذا الإقليم".
ويمثل التعايش السلمي في النيل الأزرق في هذا الوقت "نسبة ضئيلة" من الاهتمام بين المجموعات القبلية في هذا الإقليم في نظر حامد لأن الجميع يسألون "متى يتوقف هذا العنف" ولا شيء يلوح في الأفق رسميًا أو شعبيًا.
وبعيدًا عن السعي لتحقيق العدالة في الوقت الحالي، يقول الناشط التوم جنجاري إن الأولوية للوضع الأمني وبث الطمأنينة بين السكان من عدم تجدد العنف مرة أخرى.
في شوارع جنوب الخرطوم تشاهد عشرات الأطفال وهم يعملون في غسيل السيارات وتلميع الأحذية، وسأل مراسل "الترا سودان" أحد الأطفال عن كيفية وصولهم إلى العاصمة، فأجاب: "نصحتنا أمهاتنا بالفرار من العنف منذ الوهلة الأولى، ونقيم في مجموعات في أحياء تقع في أطراف العاصمة".
أثناء فرار عمر (16 عامًا) من منطقة "الروصيرص" في تموز/يوليو الماضي مع بداية موجات العنف في الإقليم قال إنه لم ينظر خلفه ليرى ما حدث، ترك والدته وشقيقاته في مخيم مؤقت بمدينة "الدمازين" وجاء إلى الخرطوم.
طبيب بمستشفى الدمازين: الوضع في الإقليم يُنذر بخطر شديد ويتوقع السكان المحليون عودة العنف في أي وقت
تعد "موجات العنف" في إقليم النيل الأزرق من "القضايا المنسية" بحسب الطبيب عمر شول الذي عالج مئات المصابين في مستشفى "الدمازين" في الشهور الماضية وعايش العنف في أرجاء المدينة.
ويرى هذا الطبيب في حديث لـ"الترا سودان" أن الوضع في الإقليم "يُنذر بخطر شديد"، قائلًا إن العنف لم يبتعد منذ ثلاثة أشهر ويتوقع السكان المحليون عودته في أي وقت. وأردف: "قد تتحول القضية إلى مسألة معقدة مع مرور الوقت وقد يصعب تداركها لاحقًا".