25-يوليو-2023
نازحون سودانيون

(Getty)

قد يبدو لك للوهلة الأولى عزيزي القارئ أن النزوح يحمل أوجهًا مختلفة؛ فالنازح الذي استأجر عقارًا مفروشًا بما يقارب الـ(1,000) دولار في الشهر، معاناته لا تشبه النازح الذي اتخذ من ركن صغير في أحد الفصول الدراسية التي حُوِّلت إلى دور إيواء للنازحين. لكنهما متشابهان تمامًا، بداية من استيقاظهما على سقف مختلف لم يعتادا أن يستيقظا تحته، سقوف منازلهما التي لا فرق إن كانت مزينة بالزخارف والأضواء أو معروشة بالقش والحصير، مرورًا بتفاصيل يومهما التي تبدلت بشكل كامل بين ليلة وضحاها. فالأمر أشبه بمن سقط في بئرٍ عميق ولا يعرف كيف يمكنه أن يطفو على السطح، ومع غياب العمل والأمل يصبح النازحون جميعهم سواء.

أثبتت دراسات علمية أن للنزوح آثار خطيرة على الصحة النفسية والعقلية وذلك بجانب التفكك الاجتماعي الذي يتعرض له الشخص بعد أن يفقد أصدقاءه وأقاربه وربما عددًا من أفراد أسرته

فقد أثبتت دراسات علمية أن للنزوح آثار خطيرة على الصحة النفسية والعقلية، وذلك بجانب التفكك الاجتماعي الذي يتعرض له الشخص بعد أن يفقد أصدقاءه وأقاربه وربما عددًا من أفراد أسرته. والجدير بالذكر أن جميع هذه الآثار لا تفرق بين الطبقات الاجتماعية التي ينحدر منها النازح، فالجميع هنا سيشعرون بالاكتئاب والصدمة النفسية على فقدان حياتهم السابقة وممتلكاتهم، والجميع يتقاسمون نفس المخاوف من المستقبل المجهول والحاضر الذي بات علقمًا.

ويعاني ملايين السودانيين من ويلات النزوح في مختلف الولايات، ويأتي ذلك على شاكلة إيجارات مرتفعة، ارتفاع أسعار المواد التموينية، ازدحام دور الإيواء، أو حتى مضايقات لفظية يتعرض لها النازحون في المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بأهالي المنطقة التي نزحوا إليها،  ففي مثل هذه الأيام تضج خطب الجمعة بمواعظ مختلفة عن البلاء الذي حل بأهالي الخرطوم، والذي كانوا هم سببًا فيه ببعدهم عن الله. وليس ذلك فحسب، بل يكثر الحديث عن ظاهرة بائعات الشاي التي يقول الإمام أنها إحدى الظواهر الدخيلة عليهم والتي جاء بها النازحون معهم ليقوموا بإفساد شباب المنطقة وتعليمهم شرب المخدرات، الأمر الذي سبب إحباطًا كبيرًا في صفوف المصلين ممن نزحوا من الخرطوم.

وفي ذات السياق حدثني أحد الأصدقاء والذي نزح إلى إحدى الولايات السودانية، أن أحد مواطني المنطقة وصف نازحي الخرطوم الذين حلو ضيوفًا على منطقتهم في "فيسبوك" "بمطاريد حميدتي"، في محاولة منه لإطلاق نكتة سخيفة لم تفلح في إضحاك أحد. فيما أكد أنه قد نشب خلاف كبير في الحي الذي يسكن فيه، وتبين فيما بعد أن سبب الخلاف كان يدور حول اغتنام الإغاثة التي استهدفت النازحين، مؤكدًا أنه تم تسجيلهم هو وأسرته فيها، ولكن لم يرو منها شيئًا. الأمر الذي ينعكس سلبًا على النازحين بدور الإيواء، والتي يتكفل بها الخيرون في تلك المنطقة، من توفير الماء والغذاء والدواء.

https://t.me/ultrasudan

ويحتاج النازحون إلى أن يقدم لهم الدعم النفسي العاطفي، وتوفير بيئة داعمة لهم بصورة تجعلهم يندمجون في المجتمع. وهذا يحتم على المنظمات والمجموعات المستنيرة عمل منابر توعوية للأهالي الأصليين وإرشادهم للطرق الناجعة في تخفيف وطأة النزوح على النازحين. وبدلًا من استخدام المساجد كمنابر للحديث عن المساوئ التي جاء بها النازحون لهذه المناطق، يجب استخدامها في التوعية بتقليل أسعار الإيجارات للحد الذي كان سائدًا قبل اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم وغيرها من الولايات المتضررة في غرب السودان. وعدم التفريق بين النازحين حسب أوضاعهم المادية، فليس كل من يريد استئجار منزل لأسرته يصنف على أنه من أثرياء الخرطوم، فالكثير من الأهالي يعتقدون أن هؤلاء المستأجرين لديهم من كنوز الحياة ما يكفي لدفع المليارات حتى تنتهي هذه المحنة التي لا يتمنون أن تكون لها نهاية.