لو عادت الشهور قليلًا إلى الوراء لقرر عمال الموانئ في بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق البلاد، إعادة النظر في تلبية دعوات الإغلاق التي شلت الموانئ لـ(45) يومًا.
لم يكن الإغلاق الذي نُفذ داخل موانئ بورتسودان في الفترة بين منتصف أيلول/سبتمبر وحتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي مجرد إغلاق، بل أن هذه المؤسسات الاقتصادية الحيوية تُعاني اليوم من انخفاض واردات التجارة الدولية والعابرة والقادمة إلى الأرصفة طبقًا لشهادات موظفين في هيئة الموانئ.
في رصيف كان يعج بحركة البضائع المستوردة، وشاحنات ناقلة إلى المدن والعاصمة؛ أصبحت اليوم تواجه قلة الحركة والسبب أن بعض الشركات قررت عدم المخاطرة في التعامل مع موانئ تدخل في اضطرابات بين الفينة والأخرى.
متعامل جمركي لـ"الترا سودان": بعض المصدرين وجدوا موانئ أخرى في دول الجوار أقل تكلفة وأكثر حيوية
ويوضح عبد الرحمن وهو متعامل جمركي لـ"الترا سودان"، أن الوضع لم يكن كما كان قبل أيلول/سبتمبر من العام المنصرم، لأن الإغلاق أثر على حركة الواردات والصادرات أيضًا باعتبار أن بعض المصدرين وجدوا موانئ أخرى في دول الجوار أقل تكلفة وأكثر حيوية.
وفي أيلول/سبتمبر العام الماضي أعلن مجلس نظارات البجا إغلاق موانئ بورتسودان، احتجاجًا على توقيع مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا، ورهن فك الإغلاق بإلغاء المسار.
وتزامن الإغلاق مع الإجراءات العسكرية التي أعلنها قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والتي أطاح بموجبها بالحكومة المدنية التي واجهت صعوبات في إنهاء الإغلاق لجهة تحالف زعيم تنسيقية نظارات البجا محمد الأمين ترك مع العسكريين، حيث طالب علنًا بالحكم العسكري في خطابات جماهيرية أثناء فترة إغلاق الموانئ. وقبل إلغاء مسار الشرق أعلن ترك إنهاء الإغلاق بشكل مفاجئ في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استجابة لمناشدات العسكريين.
بعض الأطراف المحلية بولاية البحر الأحمر شككت في وجود دوافع إقليمية أدت إلى إغلاق الموانئ لإلحاق الخسائر وإيصاله مرحلة الخصخصة وهي عملية ترفضها النقابات العمالية.
وقبل شهرين زار بورتسودان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، ووجه بإعمال إصلاحات في الموانئ لتسريع العمل. هذه التطورات دعت زعيم تنسيقية نظارات البجا محمد الأمين ترك، إلى مناشدة الشركات بالشحن والعمل وتفعيل حركة الصادر والوارد.
ويُقلل الرئيس السابق لنقابة عمال هيئة الموانئ البحرية إبراهيم الشربيني، من الإجراءات الحكومية الأخيرة، وقال إن المشاكل واضحة في الموانئ، فهي تحتاج إلى تشغيل ثماني رافعات جسرية، وحاليًا تعمل ثلاثة فقط.
ويرى الشربيني في حديث لـ"الترا سودان"، أن الوضع في الموانئ يحتاج إلى خطط مسؤولة وليس تصريحات استهلاكية، مشيرًا إلى أن الموانئ مرافق استراتيجية يجب أن تحظى باهتمام الدولة من أعلى المستويات لأنها تساهم في الاقتصاد بمئات الملايين من الدولارات سنويًا.
أدى استخدام الموانئ كـ"كرت سياسي" بواسطة بعض المجموعات الأهلية في شرق السودان إلى معرفة أهمية الموانئ في إنعاش الاقتصاد وخفض كلفة السلع، لكن هذه الأزمة لم يستفق منها المسؤولون الحكوميون حتى الآن في نظر بدر خلف الله خبير الموانئ.
في مدينة بورتسودان، تأثرت الأسواق بالأزمة التي تعاني منها الموانئ، ولم يعد الوضع كما كان قبل أيلول/سبتمبر، ويلاحظ بوضوح الوضع المعيشي الذي انعكس على المواطنين.
خبير قد تنخفض إيرادات موانئ بورتسودان إلى النصف متأثرة بإغلاق سبتمبر
ويقول خبير الموانئ بدر خلف الله لـ"الترا سودان"، إن استخدام الموانئ في المناورات السياسية، خطأ فادح وكان ينبغي للدولة نفسها أن لا تسمح بذلك لأن ما فات لا يعوض إلا عبر معالجات جذرية وإصلاحات عميقة لا تزال الحكومة تواجه صعوبة في إعادة الأمور إلى نصابها.
ويضيف: "إذا كانت إيرادات الموانئ نصف مليار دولار سنويًان ستنخفض بنسبة (40)% هذا العام، وربما تتلاشى خلال العامين القادمين إذا لم تتم إصلاحات. وهي مرهونة بحكومة مدنية لديها القدرة على ذلك".