برزت مخاوف في أوساط القوى الثورية بالسودان من ضياع أهداف الثورة وتسرب الإحباط بين الناشطين فيها، مما يهدد بردة إلى الوضع الذي كان ماثلاً قبل التغيير. ويتمسك المهتمون بإحداث التحول خلال الفترة الانتقالية بضرورة تحقيق أهداف الثورة والمتمثلة اختصاراً في الشعار (حرية، سلام وعدالة).
يشدد الثوار على تحقيق السلام كأولوية، ومحاسبة المفسدين من النظام المخلوع، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات في حق الشعب السوداني طوال عهد حكومة الرئيس المخلوع المشير عمر البشير
يشدد الثوار على تحقيق السلام كأولوية، ومحاسبة المفسدين من النظام المخلوع، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات في حق الشعب السوداني طوال عهد حكومة الرئيس المخلوع المشير عمر البشير، وخاصة الجرائم المتعلقة بأحداث فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران/يونيو الماضي، بما فيها المفقودون خلال تلك الأحداث، بالإضافة إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى الحاضنة القومية وإنهاء ما عرف بسياسة "التمكين" الذي اتبعها النظام البائد، بتسكين عناصره في الخدمة العامة، ليكون الولاء للتنظيم الحاكم وليس للدولة.
اقرأ/ي أيضًا: النائب العام: سنحقق تطلعات الشعب ونحاسب قتلة الشهداء "قريبًا"
مخاوف من الردة
يرى كثير من المراقبين أن النظام الذي أنهى الشعب السوداني حكمه بالثورة، يتربص بالثورة والحكومة التي نتجت عنها، ويتحكم في مفاصل الدولة، عبر المسؤولين التابعين له ويظهر الحكومة بمظهر الفاشلة، ليدب اليأس وسط مناصريها بما يمكنه من الالتفاف والعودة مجددًا إلى سدة الحكم، ويستدلون على ذلك باختلاق عناصر النظام المنتفض عليه، أزماتٍ مثل أزمة المواصلات العامة، والكهرباء والوقود وارتفاع الأسعار.
وترى المواطنة السودانية الداعمة للثورة، الناشطة نضال عثمان موسى، أن المخاوف كانت موجودة، وتمثلت في المخاوف من حماية القوات المسلحة للمعتصمين، مع توفر الثقة في أفراد منها، وأنه على مستوى قوى الحرية والتغيير "قحت" فإن الثائرات والثوار يعرفون ضعفها في كثير من المواقف التفاوضية والداعية استبطانًا وعلانية لـ"الهبوط الناعم"، وأنهم على الرغم من ذلك أصروا على الالتفاف حولها وتجمع المهنيين، باعتبارهم الممثل الوحيد المتاح لهم في هذه المرحلة.
وأوضحت نضال في إفادة لـ"الترا سودان"، أنه بعد فض الاعتصام ازدادت وتعمقت المخاوف أكثر نتيجة لما وصفته بالغدر من قبل الجيش السوداني، وتعاونه مع قوات الدعم السريع والأجهزة الأمنية، واعتبرت أن ذلك أدى إلى إضعاف القوة التفاوضية لـ"قحت" أكثر، بجانب غياب الشفافية في كثير من مراحل التفاوض بين (قحت وتجمع المهنيين والشارع السوداني) مما تسبب في تعميق الهوة وازدياد المخاوف.
ونوهت نضال إلى أنه بعد توقيع الاتفاق (الوثيقة الدستورية) تراجع تجمع المهنيين وعدد من مكونات (قحت) عن التزامهم بعدم المشاركة في الحكم، الأمر الذي رأت أنه زاد من أزمة الثقة بينها والجماهير، لتعود الشكوك من جديد حول رغبتهم في السلطة بعيدًا عن المواقف المبدئية، بالإضافة إلى ضعف العديد من القيادات التي تقدمت لشغل المناصب على مستوى الحكومة، وغياب الإجماع حولها وتحول الاختيار في كثير من تلك المناصب من مهني لمحاصصات حزبية.
ومضت نضال في تفسيرها للأوضاع وقالت "بعد تشكيل الحكومة لازمها البطء الشديد في اتخاذ الكثير من القرارات والتدابير التي تمثل القضايا العاجلة والملحة للشارع السوداني مثل (الشهداء والمفقودين ومجزرة فض الاعتصام والضائقة المعيشية الطاحنة)، وذلك بالتزامن مع غياب التواصل بين الحكومة والمواطن السوداني البسيط واكتفاء العديد من الوزراء بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي."
اقرأ/ي أيضًا: في يومها الثالث.. الشعبية-شمال تنسحب من مفاوضات السلام
وقرنت نضال بين ما ذكرته سابقًا والمخاوف مما عرف بـ"الدولة العميقة" وتغلغلها على كل مستويات المجتمع والمؤسسات السودانية، ورأت أن القضاء عليها يستوجب قرارات ثورية لا تنافي العدالة والديمقراطية بالضرورة، وذلك لأن المواطن السوداني عانى خلال الـ (٣٠) عامًا الماضية من منسوبي النظام وقهرهم وظلمهم، وتابعت "كان من المتوقع على الأقل أن تُرى العدالة تتحقق في توجيه التهم لهم ومحاكمتهم"
شجاعة وسرعة
وأشارت نضال إلى أنه ما زال هناك إيمان بقدرة الجماهير على نقد "قحت" ومكوناتها في كل المراحل لتصويب المسار، وأبانت أن المطلوب لتحقيق أهداف الثورة يتمثل في الشجاعة والسرعة في اتخاذ قرارات تمس حياة المواطنين المباشرة ومشاكلهم، على مستوى الصحة والتعليم والاقتصاد، بجانب الشفافية والتواصل بين الحكومة والشعب السوداني لخلق إحساس المشاركة المجتمعية في قضايا الوطن، وتفعيل التواصل بين الحكومة والأجسام الثورية المطلبية مثل لجان المقاومة وغيرها بعيدًا عن الانتهازية والتعامل معها كأدوات للكسب السياسي، ونبهت إلى أن تلك الأجسام كانت وستظل آلية للفعل الثوري، وتمسكت بأهمية استيعاب قدرات وتطلعات وأحلام الشرائح المكونة لتلك الأجسام، طبقًا لتعبيرها.
إنجاز المطلوبات
خاطب الوزير نصر الدين عبد الباري، المشاركين في الموكب وأبلغهم بأن التحقيق سيطال كل الانتهاكات بما فيها أحداث فض الاعتصام والمفقودين
بالمقابل تشدد الجماهير الفاعلة في الفعل الثوري على حماية مكتسبات الثورة وتحقيق مطلوباتها، وذلك بتسيير المواكب والمسيرات، ومن بين تلك الأنشطة الموكب الذي تم تسييره إلى مقر وزارة العدل بالخرطوم في 19 أيلول/سبتمبر الماضي، لمحاسبة رموز النظام السابق حيث خاطب الوزير نصر الدين عبد الباري، المشاركين في الموكب وأبلغهم بأن التحقيق سيطال كل الانتهاكات بما فيها أحداث فض الاعتصام والمفقودين الذين اعتبر أنه ارتكبت ضدهم جريمة دولية هي الإخفاء القسري.
اقرأ/ي أيضًا: "خطوة لإنهاء العزلة".. دبلوماسيون أمريكيون يفتحون حسابات بنكية في السودان
وما زالت قوى الثورة تشجع على الخروج في مواكب لإنجاز الأهداف، ومثال لذلك دعوة الحزب الشيوعي لتسيير موكب في 21 تشرين الأول/أكتوبر الجاري الذي يوافق اليوم الإثنين ، وذلك في يوم ذكرى الثورة التي أطاحت بالنظام العسكري الذي يقوده الفريق إبراهيم عبود، كما دعا تجمع المهنيين السودانيين للخروج في ذات التاريخ في مواكب سلمية وفعاليات لإحياء ذكرى ثورة تشرين الأول/أكتوبر في الأقاليم ومدن الخرطوم الثلاث - الخرطوم، بحري وأمدرمان، على أن يتم الإعلان عن مساراتها ونقاط التقائها لاحقًا بعد التشاور مع لجان المقاومة والقطاعات الشعبية المختلفة، بشعار (حل حزب المؤتمر الوطني وإقالة رموز النظام والوقوف في جبهة موحدة من أجل تصفية الفساد والإرهاب).
وأشار تجمع المهنيين في بيان صدر في 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، أن ذكرى ثورة أكتوبر تطل مع تعيين رئيس للقضاء والنيابة العامة والخطوات الحثيثة لتثبيت أقدام الدولة المدنية وتحقيق العدل والسير في طريق أهداف الثورة وإزالة مظاهر التمكين.
وبدورها أطلقت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي نداءً، لجماهير الشعب السوداني للمشاركة في مليونية 21 تشرين الأول/أكتوبر، احتفالًا بالذكرى (55) لتلك الثورة، والمطالبة بتحقيق شعارات الثورة الحالية واستكمالها مثل: "تفكيك التمكين من مفاصل الدولة والإعلام وتكوين لجنة التحقيق المستقلة الدولية في فض الاعتصام ومتابعة المفقودين والقصاص للشهداء، وحل المليشيات واستعادة الأموال المنهوبة وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتحقيق السيادة الوطنية بالخروج من محور حرب اليمن وسحب القوات السودانية منها، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وتحقيق السلام العادل والشامل بمخاطبة جذور المشكلة".
وحددت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في بيان صدر عن سكرتاريتها في 12 من الشهر الجاري، وجهة المسيرة إلى مجلس الوزراء، ورأى الحزب أن من حق الجماهير المشاركة في هذه المناسبة الاحتفال بأكتوبر بمختلف الأشكال مع التعهد بسلمية وجماهيرية الموكب، وشدد على أهمية العمل الجماعي من أجل مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.
رؤية مختلفة
وفي سياق ذي صلة دفع حزب الأمة القومي برؤية مغايرة، وانتقد تسيير مليونية 21 تشرين الأول/أكتوبر، وأشار في بيان اليوم السبت إلى التمسك بأهداف ثورة ديسمبر والمتمثلة في إزالة التمکین، وفتح مسارات الحریة والسلام والعدالة، وتشكيل مؤسسات الحکم الانتقالي الذي يحقق أهداف الثورة ويعبر بها نحو ديمقراطية متوازنة مستدامة، ورأى أن إحیاء ذکری ثورة أكتوبر هذا العام يستدعي الاحتفاء بالتغییر الکبیر والتحول العظیم من نظام سلطوي دموي إلى رحاب انتقال ديمقراطي مستدام، يستفيد من عثرات الماضي، ويصير نبراسًا لكل الشعوب الحية المقهورة في العالم، طبقًا للبيان، واعتبر أن الواجب الوطني یفرض حمایة مؤسسات الحکم الانتقالي، مما وصفها بمخططات الردة السیاسیة والاختطاف والتي تسعی لاستغلال هذه المناسبة لإثارة البلبلة والفوضى بالدعوة إلى تسییر مليونية في ٢١ تشرين الأول/أكتوبر بحثًا عن منافذ تقویض الحكومة الانتقالية، وشدد الحزب على أن المعني باتخاذ القرار حول البرامج الجماهيرية هو المجلس المركزي لقوی الحریة والتغییر والذي لم یدع إلی أية مليونية، وأعلن رفضه لتلك الدعوة وناشد الجماهير بتفویت الفرصة علی من أطلق عليهم دعاة الفتنة والفوضى، ودعا في الوقت ذاته لتنظیم احتفالات تلیق بذکری أكتوبر، وتفتح الباب أمام دعم عملیة انتقال سلسة وآمنة تحقق العبور التاریخي بالمحافظة علی مقاصد الثورة وشحذ الهمم لبناء الوطن، حسب البيان، وهو ما فسره المراقبون بوجود خلاف داخل قوى الحرية والتغيير بدعوة بعض مكوناتها لتسيير المليونية فيما ترفض مكونات أخرى.
اعتبر "حزب الأمة" أن الواجب الوطني یفرض حمایة مؤسسات الحکم الانتقالي، مما وصفها بمخططات "الردة السیاسیة والاختطاف"
ومن ناحيتها أصدرت لجان المقاومة بولاية الخرطوم بيانات يوم أمس الأحد، حددت فيها مسارات المواكب وبرنامجها، واتفقت اللجان في بياناتها على جملة مطالب منها حل حزب المؤتمر الوطني وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ووقف الانتهاكات في دارفور، ومحاكمة المتورطين في قضايا الشهداء والجرحى، والكشف عن مصير المفقودين وهيكلة مؤسسات الدولة والتعامل بجدية مع ملف السلام.
اقرأ/ي أيضًا