جاء الإعلان عن "اعتصام الجودة" في أعقاب استشهاد ابن الديوم الشرقية محمد أحمد الشهير بـ"سيزار" في مواكب "مليونية 30 يونيو". شكّل الاعتصام المفاجئ بادرةً سرعان ما احتذت بها مناطق أخرى؛ فانطلقت اعتصامات في عدد من مناطق الخرطوم تنادي بإسقاط الحكم العسكري وبسلطة مدنية كاملة.
كنّ أربع فتيات، يجلسن بالقرب من إحدى "بائعات الشاي" في ساحة الاعتصام. قالت إحداهن: "هل تذكرين كيف غدرت بنا القوات الأمنية في 26 مايو الماضي عند وصول الموكب إلى محطة الغالي متجهًا نحو القصر؟
عندما تجوب أرجاء الاعتصام تتخيل أنك تُعيد مشاهد من اعتصام القيادة العامة للجيش (نيسان/ أبريل 2019 – حزيران/ يونيو من نفس العام) الذي أدى إلى الإطاحة بنظام البشير في 2019؛ من مظاهر ثورية ونقاشات المعتصمين في الهم الوطني المشترك وحلمهم بوطن يسع الجميع.
(1)
وقفت؛ التفت إليها الرجل الذي كان يجلس بجوارها، فبادرته بالسؤال: "تذكر يا أستاذ حسين أيام كنا نخرج في المواكب في زمن حكم الإنقاذ، عندما كان الموكب لا يتعدى الـ(18 - 22) شخصًا، وتحاصرنا قوات مكافحة الشغب وتنهال علينا بالضرب؟" قال حسين للشاب الذي بجواره: "طبعًا أستاذة لميس من أوائل المحاربين في مجال القانون عندما كنا أجسامًا عديدة تساعد الثوار منذ عام 2013 إلا أننا كمحامين وبعد صدور قانون الطوارئ وارتفاع وتيرة الانتهاكات والتهم الكيدية، كان لا بد لنا من تكوين مجموعات ضغط في كل السودان".
أدرك الشاب أنه أمام قانوني، فبادره بسؤال: "ما رأيك يا أستاذ في خطاب البرهان؟" ليأتيه الرد: "أتقصد خطاب البشير في 2019؟"
(2)
قالها بصوتٍ عالٍ "الله ينتقم منهم!" فاتحنا في الحديث حول تعذيب الثائر سيف الإسلام الذي اعتقلته السلطات في أيار/ مايو الماضي وتدهورت حالته الصحية إلى حد أن أطلقت مجموعة "محامي الطوارئ" مناشدةً بخصوص حالته. قاطعه صديقه قائلًا: "تم اتهامه بالإتلاف الجنائي، وفي كل مرة يتغيب المتحري عن الجلسة حتى يُطيل مكوثَه في المعتقل ويتيح للشرطة فرصة تعذيبه أكثر، ولذلك يجب أن نعمل على التذكير بهاشتاق #انقذوا_سيف_الإسلام_وباقي_الرفاق". صمت برهةً وأضاف: "القوات الأمنية تعتقد أن استخدام العنف مع الثوار في سجونها سيخيفنا، إنهم لم يفهموا الأمر حتى عندما استطعنا إزاحة حاوياتهم من أمام الكباري التي كانوا يعتبرونها سدًا منيعًا". رد عليه صديقه: "آه وين يا!".
(3)
كنّ أربع فتيات، يجلسن بالقرب من إحدى "بائعات الشاي" في ساحة الاعتصام. قالت إحداهن: "هل تذكرين يا سهى كيف غدرت بنا القوات الأمنية في 26 مايو الماضي عندما وصل الموكب إلى محطة الغالي متجهًا نحو القصر، فجاءت مدرّعة (بمبان) وبدأت القوات الأمنية بضربنا من الخلف". قاطعتها إحداهن ضاحكةً: "ظننت أننا سنموت في تلك الحظة"، ثم التفتت إلى صديقتها التي كانت تدفع ثمن القهوة التي شربنها متسائلةً: "أين كنتِ أنتِ وقتها؟" فردت صحابتها بأنها كانت تختبئ خلف صندوقٍ لبيع الثلج. فقالت لها صديقتها ضاحكةً: "لا تقولي لي صندوق الثلج الخشبي!" وأردفت قائلةً: "الصندوق مقاسك!" (وضحكن جميعًا).
(4)
"هناك هاشتاق في تويتر يقول إن اعتصام الجودة غير آمن للنساء"، بهذه الجملة بدأت الحديث مع صديقتها الطبيبة التي كانت تقوم بتنظيف جرحٍ لأحد الثوار بالعيادة الخارجية في الاعتصام. وزادت: "هناك فتيات تعرضن للضرب والطرد من الاعتصام بسبب ملابسهن". واصلت الطبيبة عملها وقد تقطب وجهها، وبعد الانتهاء من تضميد جراح مريضها، استدارت نحو محدثتها وواجهتها بأسئلةٍ مستنكِرة: "ليت الشاب السوداني ينشغل بإصلاح نفسه بدلًا عن ممارسة الوصاية على غيره، ألا تكفينا الوصاية التي يمارسها علينا الجيش! ماذا يريدون منا؟ أنحارب المجتمع أم نحارب العسكر؟".