كلمة "الطلاق" لم تعُد مفزعة كما في السابق، وباتت معهودة ومقبولة في المجتمع السوداني بعد أن كانت في ماضٍ ليس ببعيد تُقابل بحالة من الاستياء والحزن على نهاية ذلك الرباط المقدس. ومع تقدم الأعوام باتت نظرة المجتمع للطلاق كأحد الحلول التي لا بد منها، في وقت أعلنت فيه إحصائيات رسمية صادرة عن السلطة القضائية بالسودان إلى أن الفترة من (2016- 2020) شهدت ارتفاعًا كبيرًا في حالات الطلاق لـ(270,876) حالة في العام 2020، هذا عدا الحالات التي لم يتم حصرها لعدم وصولها إلى المحاكم. فيما كشفت إحصائيات جديدة صدرت الفترة الماضية عن وقوع ( 70) ألف حالة طلاق خلال 2021، أي بزيادة بلغت (10) آلاف.
وعلى إثر تلك الإحصائيات المثيرة للاهتمام، جلس "الترا سودان" إلى اختصاصيين في الشأن الأسري لمعرفة الأسباب التي أسهمت في ارتفاع معدلات الطلاق وإمكانية تجنبها في المستقبل، حيث عددوا أسباب الظاهرة وطرق فهمها والتعامل معها.
"الترا سودان" يتحدث لاختصاصيين عقب الاطلاع على إحصائيات جديدة تكشف عن ارتفاع كبير في معدلات الطلاق
وأكد المحامي محمد صالح المختص في قضايا المحاكم الشرعية، أن الضغوط الاقتصادية تمثل السبب الأكبر في ارتفاع حالات الطلاق التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أربعة أعوام، بجانب الغيرة الزوجية كما يقول لـ"الترا سودان"، في حديثه عن أسباب ارتفاع حالات الطلاق في السودان.
فيما أوضح صالح أن دور الإعلام في رفع وعي المرأة بأهمية اللجوء للمحاكم الأمر الذي كان لا يستحب في السابق في إطار المجتمع السوداني المغلق، مبينًا أن زواج الفتيات في سن مبكرة أدى إلى زيادة نسب الطلاق، بالإضافة إلى توقعات الطرفين بحياة تخالف الواقع المعاش.
ولفت صالح إلى أن اختفاء الجودية أو الإدارات الأهلية ساهم في انتشار حالات الطلاق في المجتمع السوداني، موضحًا أن الجودية كانت تلعب دورًا في حل كثير من المشاكل بين الزوجين، بجانب مجالس الصلح التي تكون في المحاكم تحت مسمى "القاضي الثالث" أو "المراقب"، هو شخص عمل في المحاكم الشرعية لفترة طويلة ما يؤهله ليكون مراقبًا لقضايا الطلاق بحكم فترة عمله في المحكمة الشرعية، ويلعب ذات دور الجودية.
وكشف صالح أن تعامل القضاء في المحاكم الشرعية بجانب القانون دون الاجتماعي ساهم في زيادة الطلاقات، لأن القضاة في السابق كانوا يقومون بحل المشاكل الزوجية كباحثين اجتماعيين أكثر من كونهم قانونيين.
من جهتها قالت اختصاصية الإرشاد الأسرى فاطمة الطيب، أن الطلاق المبكر الذي ينتج في السنين الأولي التي تكون (5ـ1) سنة للزواج، باتت ظاهرة مخيفة ترعب الأشخاص المقبلين على الزواج وتطرح الكثير من الأسئلة والاستفهامات، حيث أصبح في محيط كل شخص عدد من حالات الطلاق.
فيما أرجعت فاطمة الطيب الأسباب إلى قلة وعي الزوجين عند دخولهم القفص الذهبي، واعتمادهم على تجارب الآخرين، مما يؤدي إلى تكرار نفس السيناريو باختلاف الأشخاص، مشيرة إلى أن الخيانة الزوجية، حيث تقول إنه وفقًا لإحصائيات قامت بها، فإن من بين كل (10) نساء؛ ست منهن يتعرضن للخيانة، بجانب تدخل شخص من الطرفين في العلاقة الزوجية واتخاذ القرار، الأمر الذي يتسبب بعدم إحساس أحد الطرفين الخصوصية.
اختصاصية إرشاد أسري: مقياس اختيار الشريك بات أكثر سطحية
وتشير فاطمة إلى اصطدام أحد الزوجين بالواقع عكس ما كان يحمل في مخيلته من توقعات عن إمكانيات الشريك العاطفية والمادية، الأمر الذي يصيبه بحالة اكتئاب ما بعد الزواج لعدم وعيهم الكافي بالتعامل مع الحالة، فيما أوضحت أن مقياس اختيار الشريك بات أكثر سطحية، مقتصرًا على الشكل والمادة دون التفاصيل الأخرى.
وختمت اختصاصية الإرشاد الأسري حديثها بأن عملية بناء نسيج أسري قوي يحافظ على مفهوم الأسرة بدأ يفقد معانيه بسبب عدم معرفة كيفية إدارة العلاقة الزوجية وإدارة الخلافات، موضحة أننا نحتاج إلى تسليط الضوء على الإرشاد الأسري كما هو موجود في الدول الأخرى كـ(ماليزيا/ إندونيسيا ) وغيرها من الدول التي حاصرت شبح الطلاق بالتعليم.