لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع المعيشي في السودان في الآونة الأخيرة، في ظل ارتفاع مفرط لأسعار السلع الاستهلاكية والخدمات والنقل، ويحذر اقتصاديون من أن ملايين المواطنين على أعتاب الانزلاق إلى "الفقر المُدقع".
و خسر الجنيه نقاط قليلة حصل عليها العام الماضي، مستفيدًا من مساعدات اقتصادية دولية عززت تواجده في نطاق (445) جنيهًا للدولار الأمريكي، بينما يقترب اليوم من حاجز الـ(600) جنيهًا.
يقول متعاملون إن تجار العملة عادوا أكثرة قوة في المضاربات
ويقول متعاملون في النقد الأجنبي، إن الإجراءات التي نفذتها الحكومة الانتقالية التي أطاح بها قائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، جعلت العديد من تجار العملة خارج السوق الموازي، بفعل استقرار العملة الوطنية طيلة تسعة أشهر، خلال العام الماضي لكن في الشهرين الأخيرين، عادوا بشكل غير مسبوق.
كانت الصرافات تبيع النقد الأجنبي للمواطنين، متأثرة بوفرة الدولار الأمريكي لدى البنك المركزي، إذ بلغت الاحتياطات حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي (1.6) مليار دولار.
ويقول مسؤول سابق في البنك المركزي غادر منصبه عقب إجراءات قائد الجيش في تصريح لـ"الترا سودان" إن الاحتياطات كانت ستقفز إلى (2.5) مليار دولار في العام 2023 كل هذه التوقعات دمرت تمامًا.
ورغم محاولات حكومة تصريف الأعمال ولجنة الطوارئ الاقتصادية، التي حصلت على صلاحيات كبيرة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، بتتبع الخلل في الأروقة الاقتصادية إلا أن سعر الصرف وزيادة أسعار السلع والخدمات والنقل، تنعكس بشدة على حياة السودانيين اليومية.
وقال بدر الدين خلف المحلل في اقتصاديات النقل في حديث لـ"الترا سودان"، إن أسعار الوقود في السودان، لا تتناسب مع دخل الفرد ولا يمكن مقارنة الوضع هنا بدول الخليج، أو حتى دول الجوار.
وأوضح خلف أن الحكومة المؤقتة، زادت أسعار الوقود دون مراعاة للطبقات الفقيرة، التي تعاني من آثارها مضيفًا أن: "الفقر يُلاحظ بوضوح في المجتمع".
وتابع: "تقدمت غرف النقل والشحن بمذكرات لزيادة رسوم النقل، والتذاكر رغم أن الأسعار حاليًا مرتفعة للغاية، ما يعني أنه مع اقتراب موسم العيد ستكون الأسعار خرافية".
وأضاف: "سعر تذكرة سفر من العاصمة الخرطوم إلى مدينة الأبيض، حوالي (15) ألف جنيه ما يعادل (9) دولارات، وهي تكلفة مرتفعة جدًا إذا ما قورنت بأقل دولة".
بينما يرى عوض، العامل في متجر لبيع السلع بالتجزئة في السوق المحلي، جنوب العاصمة في حديث لـ"الترا سودان" أن تكلفة النقل، أحيانًا تعادل 30% من قيمة السلع المنقولة، في تطور خطير لتكلفة النقل مؤخرًا.
وقال حسين إن نتيجة الغلاء، عزوف المواطنين عن شراء الاحتياجات، وحدوث الركود، وأردف: "حتى عندما تعلن عن تخفيضات للتخلص، من بعض السلع لن تجد مشتريًا".
لجأ المواطنون إلى التقشف والتخلي عن الرفاهيات وطلب سيارات الأجرة
ومع استمرار موجة الغلاء طبقًا لإفادات المواطنين، يلجأ العديد إلى إجراءات تقشفية بالتخلي عن النزهة والترفيه، وصرف النظر عن الانتقال من منطقة إلى أخرى عبر سيارات الأجرة.
ويؤكد عبد الله عبد القادر، والذي يقطن شمال العاصمة في حديث لـ"الترا سودان"، أن الحياة الاقتصادية تحولت إلى جحيم، لا يمكن شراء وجبتين خلال اليوم.
وقال هذا الشاب الذي يعمل في مجال اكسسوارات الهواتف، إنه ينفق (250) ألف جنيه شهريًا في تسيير أموره عائلته، وأحيانًا تسأل نفسك متى تنتهي هذه الأزمة يقول عبد القادر.
ويأمل السودان في الحصول على ملياري دولار من البنك الدولي، وعقب الإطاحة بالحكومة المدنية توقفت هذه الإجراءات، فيما يسعى قادة الجيش إلى إبرام اتفاق مع قوى مدنية، للعودة إلى مسار المساعدات الاقتصادية المدعومة دوليًا.