12-أكتوبر-2022
أعلام سودانية في احتجاجات الخرطوم

تستمر الاحتجاجات في ظل تباين الرؤى بين قوى المعارضة (AFP)

دخلت البلاد ومنذ الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في حالة اختناق سياسي حاد عقب انقلاب القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان. وتوالت بعدها وتعددت المبادرات لحل الأزمة السياسية، وجمع الفرقاء السياسيين على رأي واحد، للخروج من الأزمة الاقتصادية والأمنية التي ضربت البلاد، والتي نتجت عن تدهور الوضع السياسي.

لم تنجح أي من المبادرات إلا في تشتيت وتمترس القوى السياسية حول مبادراتها، أو المبادرات التي تتماشى مع أجندتها

ولكن لم تنجح أي من المبادرات إلا في تشتيت وتمترس القوى السياسية حول مبادراتها، أو المبادرات التي تتماشى مع أجندتها. ومع استمرار الحراك الثوري في الشارع بلا انقطاع، في ظل تصاعد التعقيدات السياسية والتدهور المستمر للاقتصاد المحلي، فتحسن الوضع السياسي والخروج من "المأزق" الحالي يحتاج لإصلاحات دستورية واتفاقيات "فوق دستورية"، بعد حوار جامع وشامل بين جميع الفرقاء والقوى السياسية - وفقًا لخبراء ومحللين سياسيين تحدثوا لـ"الترا سودان".

تقدم سيواجه بالمعارضة

ويرى الخبير والمحلل السياسي د. عبد الله رزق، أن المبادرات السياسية الداخلية والخارجية تكاثرت في سبيل حل الأزمة السياسية في البلاد، بعد الفترة التي تلت انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وتابع رزق لـ" الترا سودان": "استهدفت جميع المبادرات حل الأزمة بإيجاد مخرج من الحالة الانقلابية، ومحاولة احتواء الخلافات وسط القوى السياسية باعتبار أن وحدة قوى الثورة بالتحديد والخروج من الأزمة السياسية أمران متلازمان".

وأكمل: "عملت هذه المبادرات طوال الـ(12) شهرًا الماضية، بالتوازي مع النشاط السياسي للقوى المعارضة في الشارع عبر شتى أشكال النضال الشعبي، ما ظهر كوجود سباق بين المبادرات في المشهد السياسي، بوصف المبادرات كنشاط سياسي فوقي تقوم به قوى اجتماعية وسياسية وحكومات وقوى خارجية.. ويجري سباقها مع الحراك الجاري في الشارع والذي تقوده المعارضة التي تمتلك رؤيتها الخاصة للخروج من الأزمة السياسية، وذلك عبر إسقاط الانقلاب الذي أتى تحت اسم "تصحيح المسار""، كما يقول.

وأرجع رزق فشل المبادرات في اختراق الوضع القائم بعد مرور ما يقارب العام على الانقلاب؛ نتيجة لـ"تمترس" القوى السياسية وتعنت الأطراف المعنية بالتسوية على مواقفها، قائلًا إن في مقدمة هذه القوى يقبع المجلس العسكري وائتلاف الحرية والتغيير المجلس المركزي المتخذ موقفًا مناوئًا للعسكر، بجانب لجان المقاومة والحزب الشيوعي والمتخذة لمواقف مغايرة و"متشددة"، على حد وصفه.

ويقول رزق: "المواقف المتباعدة ساهمت في عدم وصول المبادرات لنتائج"، ومضى مضيفًا: "فشل القوى الثورية والديمقراطية في إسقاط النظام الانقلابي لمدة (12) شهرًا، هو ما رجح كفة المبادرات، خصوصًا مبادرة "يونيتامس" بقيادة المبعوث الأممي فولكر بيرتس، والتي تجد الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وكافة حلفائها من الاتحاد الأوروبي والترويكا والسعودية والإمارات، والتي اتضح أخيرًا أن بعض مجهوداتها قد تكللت بالنجاح حسب الإفادات التي أدلت بها الآلية الثلاثية أمس".

وأوضح رزق أن الآلية الثلاثية أفادت بعد عقدها اجتماعًا مع القائد الأعلى لقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وجود تقدم ومسار واضح نحو التسوية. لافتًا إلى أنه نفس حديث القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان الذي أدلى به في كدباس في نفس اليوم، حيث نوه البرهان لوجود تقدم باتجاه الانفراج، وهي أول إشارة لنجاح المساعي السلمية نحو التسوية.

ولفت رزق إلى أن وجود تقدم في طريق التسوية لا يعني أنها لن تواجه بالمعارضة، وغالبًا هذه المساعي قد وفقت في تأييد قطاع من القوى السياسية في الدخول والمشاركة في التسوية، والتي تعارضها جهات أخرى كالمجلس المركزي ولجان المقاومة والقوى الأخرى، ما يعني أن مشروع التسوية المعروضة حاليًا سيجد دعمًا خارجيًا كبيرًا، ويعتمد على مدى "الاستقطاب" في الساحة الديمقراطية - بحسب تعبيره.

توافق تدريجي بين المبادرات المطروحة

من جانبه أشار المحلل السياسي الفاتح محجوب، إلى أن المبادرات السياسية المتعددة دليل على الحيوية السياسية، وقوة الرغبة في البحث عن حل سياسي لأزمة الحكم.

ونوه محجوب إلى نجاح المبادرات السياسية في إقامة تكتلات خلف كل مبادرة، ومضى في حديثه لـ"الترا سودان": "نجح الإعلان الدستوري في جمع قوى إعلان الحرية والتغيير-المجلس المركزي- وحزب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وجماعة أنصار السنة"، مشيرًا إلى أن رفض اجتماع المجلس المركزي لانضمام الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السنة هو ما جعل الاتحادي الأصل يوقع مع مبادرة الترتيبات الدستورية الخاصة بالتوافق الوطني وإعلانها السياسي، بينما ما يزال الشعبي محتارًا. في ذات الأثناء؛ بدأ إقليم شرق السودان في حراك نشط بقيادة القيادي السابق في المؤتمر الوطني المحلول محمد طاهر إيلا، في محاولة لوضع الشرق في قمة أجندة أي مبادرة سياسية - على حد قوله.

https://t.me/ultrasudan

ومضى محجوب قائلًا: "بما أن السياسة فن الممكن، فالغالب أن يتم وبشكل تدريجي توافق بين المبادرات السياسية المختلفة لتقديم مبادرة موحدة، تشتمل على ما هو متفق عليه مع نقاط توفق بين ما هو مختلف عليه".

مشيرًا إلى أن الحل السياسي قد يأتي عبر محاولة دمج تلك المبادرات، وقد يأتي عبر وساطة سياسية تقرب بين التكتلات السياسية التي التفت حول كل مبادرة على حِده، وقال: "من المؤكد أن الجميع بات واثقًا من صعوبة أن يحكم البلاد وحده في الفترة الانتقالية، وأن المرونة مطلوبة من الجميع كما قال المبعوث البريطاني في لقائه مع قيادات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي".

الحوار الجامع للخروج من "المأزق"

في السياق؛ الباحث في العلوم السياسية والمتخصص بالشأن الأفريقي د.محمد تورشين، يرى أن المبادرات المتعددة هي "سلبية" أكثر من تقديمها لأي أي فائدة.

وتابع تورشين في حديث خاص لـ"الترا سودان": "أي طرف يطرح مبادرة بمعنى أنه موجود ولديه تصور ورؤية من شأنها حل الأزمة السياسية، أو الإشكالية الماثلة، وبالتالي يضع القوى السياسية كلها في عصف ذهني جديد، وتفكير جديد في قبول المبادرة أو رفضها أو ما شابه ذلك، ما من شأنه تشتيت الجهد".

وقال تورشين: "لا أعلم لما لم تتوحد جميع المبادرات وتجمع وتتفق على مبادرة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ودعمها وتصويبها وتوجيهها"، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن من "حرب مبادرات" مقصود منه استنزاف الوقت وكسب التأييد الذي سيسمح بشكل أو بآخر بدعم المجموعات الانقلابية والجماعات التي تساند وتدعم الانقلاب للبحث أو الخروج من "مأزق الانقلاب"، على حد قوله.

باحث في العلوم السياسية والمتخصص: جميع المبادرات الحالية لم تحقق أي شيء، ولن تحقق شيئًا، وإنما ستعقد المشهد السياسي أكثر

ومضى تورشين: "في تقديري جميع المبادرات الحالية لم تحقق أي شيء، ولن تحقق شيئًا، وإنما ستعقد المشهد السياسي أكثر"، وقال: "إن الاتجاه المفترض أن تسير القوى السياسية فيه هو تقديم تنازلات وإدارة حوار حقيقي شامل لا يستثني أحدً، ولا بد أن يسبق الحوار صياغة وتقديم المبادرات للرأي العام والإعلام"، مشيرًا إلى أن عدم إقبال القوى السياسية على هذه الخطوة سيضمن استمرارية  الأزمة، وإن استطاعت المجموعة الانقلابية تشكيل حكومة، أو حتى تغيرت الحكومة وجاءت بعدها حكومة جديدة، فلن يكون هناك حوارًا حقيقيًا ما لم تكن هنالك وثائق فوق دستورية ودستور مجمع عليه في القضايا الخلافية. وستستمر الأزمة؛ وأُس الأزمة الذي فشلنا فيه كسودانيين هو أننا لم نتناول القضايا العامة والجوهرية أو نحلها بشكل جذري، بوصفها قضايا إجماع أو وفاق من غالبية الشعب - وفقًا لتورشين.