على طاولة بلاستيكية في باحة منزلها بحي الامتداد جنوبي العاصمة الخرطوم تضع "مودة" علبة أدوية باهظة الثمن لضبط السكر في الدم، حصلت عليها بشق الأنفس بعد أن أنفقت (25) ألف جنيه - ما يعادل (35) دولارًا أمريكيًا.
تقول هذه السيدة لـ"الترا سودان": إن "أسعار الأدوية في السودان تشعرنا بالقلق لأنها ضرورية فأنا مريضة بالسكري وعليّ أن أشتري الأنسولين المخلوط إلى جانب الفيتامينات".
تقول مريضة تتعافى من السرطان إنها خاضت معركتها بصعوبة مع تخلي الدولة عن دعم الأدوية والرعاية
الدخل المالي لهذه العائلة أقل من المتوسط وهي تعاني شهريًا من توفير أدوية السكر للأم التي تدير المنزل وتتابع أمور أفراد العائلة.
سابقًا كان ابنها يوفر الأدوية من عائدات عمله في تجارة الأطعمة. اليوم وبعد عام، طال الركود الأعمال الصغيرة وحطم آمال الطبقة الوسطى جراء تمدد رقعة الفقر بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والفراغ الحكومي.
يستورد السودان سنويًا أدوية بقيمة (300) مليون دولار، وقد يزيد عن هذا المعدل في ظل زيادة مخيفة في نسبة المرضى بسبب الوبائيات المنتشرة في ثماني ولايات.
اتحاد الصيادلة في السودان حذر من تداعيات ارتفاع أسعار الأدوية في ظل رغبة الدولة في الخروج من دعم الأدوية دون مراعاة لتدهور العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي.
"إنها تخلت عنا ونحن في غرفة العناية الفائقة" تقول ماريا التي خاضت معركة مع مرض السرطان. بالنسبة إلى هذه السيدة، فإن المرض لا يؤثر في الشخص بقدر تأثير انعدام الأدوية أو ارتفاع أسعارها.
تضيف ماريا لـ"الترا سودان" وهي تجلس في فناء مستشفى حكومي وسط العاصمة في انتظار دورها في قائمة "الجرعات": "أنا منهكة بسبب مصاريف الترحيل والأدوية ومتابعة الجرعات، لكن الخبر الجيد أنني قد انتصر هذا على المرض اللعين".
حتى نسلط الضوء على معاناة ملايين السودانيين مع أسعار الأدوية وندرتها لا بد من الإشارة إلى أن خطة حكومية في العام 2020 بالتزامن مع فيروس كورونا، ركزت على دعم الإنتاج المحلي للأدوية، ومع ذلك تلاشت هذه الخطط اليوم جراء ارتفاع مدخلات الإنتاج وتعدد الرسوم الحكومية.
يرى مسؤول عن قسم الإعلام والعلاقات في مصنع للأدوية شمالي العاصمة السودانية في حديث لـ"الترا سودان" أن الخطة الحكومية في 2020 كانت "بمثابة استفاقة"، لكنها سرعان ما خمدت.
ويشرح هذا المسؤول الذي اشترط حجب اسمه أسباب أخرى لارتفاع الأدوية من بينها رغبة بعض الأطراف في الحصول على أرباح "هائلة جدًا" والتربح ثلاثة أضعاف سعر الدواء في بلد المنشأ. وأضاف: "كان يمكن صناعة (60%) من الأدوية للاستخدام المحلي وبيعها بسعر زهيد جدًا إذا تركت الدولة هذا القطاع دون ضرائب مثقلة في الكهرباء ومدخلات الإنتاج".
ولم يتمكن مراسل "الترا سودان" من الحصول على تعليق من وزارة الصحة أو وزارة المالية وهما معنيتان بالإشراف على اقتصاديات الأدوية وتوفير الدعم الحكومي.
ويقول مصطفى بشير وهو صيدلاني ومستثمر في الاستيراد لـ"الترا سودان" إن العوامل المؤثرة على أسعار الأدوية كثيرة من بينها الاضطراب في مؤسسات الدولة منذ عام وغياب النظام المتبع في "الدعم الحكومي" لفترات طويلة.
علاوةً على ذلك -بحسب بشير- فإن القوة الشرائية للأدوية تراجعت عما كانت عليه لأن مئات الآلاف من المواطنين لا يمكنهم شراء الأدوية بأسعارها الحالية ما يعني خروج قطاعات صيدلانية من السوق.
صيدلاني لـ"الترا سودان": إذا لم ينتعش الجنيه السوداني لا يمكن خفض أسعار الأدوية ولو بعد مائة عام
ويشير مصطفى بشير إلى أن "الحل الجذري" لأسعار الأدوية التي لا تنفصل عن الأزمة الاقتصادية وضعف مؤسسات الدولة هو استقرار الاقتصادي الكلي مع رقابة حكومية فعالة على الاستيراد والإنتاج المحلي للأدوية. وتابع: "إذا لم ينتعش الجنيه السوداني لا يمكن خفض أسعار الأدوية ولو بعد مائة عام".