10-نوفمبر-2019

(جيل جديد)

حث الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، الشاعر عالم عباس، الفاعلين الثقافيين في الوسط السوداني على فرض خططهم للعمل الثقافي على الحكومة، عوضًا عن انتظار الخطط لتهبط عليهم منها، معتبرًا أن الدولة لا تصنع الثقافة، بل يصنعها الفاعلون الثقافيون، مشيرًا إلى عدم وجود خطة للعمل الثقافي لدى الحكومة حتى الآن. وشدد عباس على أهمية إشراك كل الفعالين في أنجاز مثل هذه الخطط. ودعا عالم عباس خلال حديثه الثلاثاء الماضي، في ندوة السياسات الثقافية في السودان وطموحات الثورة، ضمن المنتدى الشهري الذي تنظمه مؤسسة "جيل جديد الثقافية، ومنظمة عديلة"، إلى استمرار مثل هذه المنتديات واللقاءات، وإشراك جميع أصحاب الفعل الثقافي بخلفياتهم المتنوعة والمتعددة، عبر هذه المنتديات واللقاءات، لوضع الخطط القصيرة المدى والوسيطة والخطط الاستراتيجية بعيدة المدى.

يتفق النور والفاروق على ضرورة التفكير في الثقافة لا بوصفها الآداب والفنون فقط، وإنما في معناها الأنثروبولوجي، بوصفها الطريقة التي تعيش بها الجماعة

وعلى النقيض من حديث الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، عالم عباس، يرى كل من الكاتب والصحفي عمر الفاروق نور الدائم، وأستاذ الفلسفة بجامعة النيلين، البروفيسور هشام عمر النور، أن هناك أعباء كبيرة تقع على عاتق الدولة فيما يخص السياسيات الثقافية في مختلف مستويات عملها.

اقرأ/ي أيضًا: معرض الخرطوم للكتاب.. قلة في الإصدارات الجديدة وضعف في الإقبال

يتفق النور والفاروق اللذان تحدثا في المنتدى، على ضرورة التفكير في الثقافة لا بوصفها الآداب والفنون فقط، وإنما في معناها الأنثروبولوجي، بوصفها الطريقة التي تعيش بها الجماعة، دون أن يعني ذلك إهمال الآداب والفنون، ولكن الأخيرة هي تعبير عن حياة الجماعة اليومية، ويتفقان كذلك في الاستناد على هذين المعنيين في معالجة مسألة السياسات الثقافية.

واعتبر الفاروق أن إيلاء موضوع الثقافة بكافة أنشطتها ومفاهيمها الأهمية الكافية هو الطريق لتحقيق انتصار السلام في البلاد. وفي ذات الاتجاه يرى بروفيسور النور أن مفتاح استدامة الثورة السودانية، ومفتاح استدامة الديمقراطية في البلاد وترسيخها يكمن في السياسات الثقافية التي ستنتهجها الحكومة.

وشدد الفاروق على أهمية البدء بتخصيص برامج ثقافية حقيقية على شاشة تلفزيون الدولة، والإذاعة الرسمية "راديو أم درمان"، بالإضافة إلى إنشاء إذاعة أو إذاعات "أف أم" متخصصة في الثقافة، وإنشاء مجلة ثقافية شهرية يتم توزيعها على أوسع نطاق بالبلاد، ونشر وطباعة الكتب التي تعنى بالتنوع الثقافي. وأضاف: "يقع على عاتق وزارة الثقافة إحياء النشاط الثقافي وتحويله لأسلوب حياة، وذلك بإعادة إحياء أو تأسيس مؤسسة الدولة للسينما، إعادة إحياء المسارح". ومن زاوية أخرى أشار الفاروق إلى أهمية وضع مادة جديدة في المناهج المدرسية بغرض التعريف بتاريخ السودان المتعدد وجغرافيته وثقافاته وأديانه، في إطار تربوي يتيح للتلاميذ معرفة بعضهم البعض منذ وقت مبكر. واستعادة الأنشطة الثقافية اللاصفية التي كانت موجودة سابقًا في المدارس، مثل المسرح المدرسي والمكتبة والجمعيات الأدبية وتدريس الفنون، وعلى المستوى الجامعي نبه الفاروق إلى أهمية إنشاء كليات للكتابة الإبداعية والنقدية، تُسهم في تجويد الإبداع المكتوب وإثرائه بالمعرفة.

اقرأ/ي أيضًا: تكريم فيلم من جنوب السودان في مهرجان "سيليكون فالي" للأفلام الأفريقية

وفي ذات السياق أشار النور إلى مهمة محددة اعتبرها ذات أولوية قصوى للثورة السودانية في مرحلتها الراهنة، يجب إنجازها خلال الفترة الانتقالية وهي الاستبداد والفساد، وأضاف: "أول ما تقع هذه المهمة، تقع واضعي على السياسات الثقافية، لأن تصفية الاستبداد تعني في الأساس تصفية ثقافة الاستبداد، وهو يقوم على ميثولوجيا وتصور أسطوري للأشياء، وترسيخ الاستنارة، وهي المهمة الثقافية الأولى. ويضيف النور "لا نعني بالاستنارة هنا استنارة القرن الثامن عشر، وإنما استنارة القرن الحادي والعشرين، التي تقوم على نقد ما بعد الحداثة، ونقد العقلانية الأحادية، التي ارتكزت على  العلم، حتى حولته إلى ميثولوجيا جديدة، وتجاوزها إلى عقلانية متعددة. والعلم أحد مرتكزاتها هذه العقلانية المتعددة. وما يتبع ذلك التجاوز من تناول للقضايا مثل علاقة الدين بالدولة، وثقافة السلام ومفهوم الاعتراف بالآخر، والتسامح بمعناه الإيجابي التحرري. ثم قضية الهوية التي يجب أن نعيد صياغتها وفقًا لرموز جديدة، وإعادة بناء التراث وفقًا لمصالح جديدة، عن طريق سياسات ثقافية تعترف بالقراءات المختلفة للتراث، وتسهم في تحويل التنافر في التراث إلى طاقة إيجابية خلاقة".

وفي السياق أشار النور إلى أن نقطة الضعف الأساسية في الثورة السودانية التي شهد بها العالم أجمع، تكمن في الفارق الكبير بين المستوى السياسي والمستوى الثقافي لها، معتبرًا أن المشكلات التي قامت الثورة السودانية لمعالجتها، أصبح هنالك شبه اتفاق واجماع عليها، وهذا عين المشكلة، لأننا أصبحنا ننظر لمشكلاتنا على نحو معتاد، مستخدمين طرائق تفكير معتادة منذ أربعينات القرن الماضي، وهنا يكمن الفارق الكبير بين المستوى السياسي والمستوى الثقافي للثورة، فعلى المستوى السياسي لدينا قدرة وجرأة على التجديد والمبادرة، أما على المستوى الثقافي فمازالت الأسس التي نتبعها في النظر إلى مشكلاتنا هي نفس الأسس القائمة منذ أربعينات القرن الماضي، بوصفها وقائع ثابتة. فيجب النظر إلى مشكلاتنا بطريقة جديدة، لا بوصفها وقائع ثابتة، ولكن بوصفها عمليات قابلة لتفسيرات متعددة، وتعبر عن صراع سياسي واجتماعي، وبالتالي تعبر عن مصالح مختلفة.

استعرض بروفيسور النور في تناوله للسياسات الثقافية بوصفها التدابير والبرامج والمؤسسات والأدوات التي تنتج الثقافة، تقرير اليونسكو الصادر في العام 2018

واستعرض بروفيسور النور في تناوله للسياسات الثقافية بوصفها التدابير والبرامج والمؤسسات والأدوات التي تنتج الثقافة، تقرير اليونسكو الصادر في العام 2018، بعنوان إعادة صياغة السياسات الثقافية، بغرض تحديد أهداف اتفاقية حماية وتطوير التعبير عن التنوع الثقافي، الاتفاقية والتي وقع السودان عليها من بين 147 دولة.

ويشير النور إلى أن التقرير اشتمل على أربعة مؤشرات، لأربعة أدوات أساسية لتحقيق أهداف الاتفاقية هي دعم وتطوير النظم المستدامة لحكم الثقافة وتحقيق توازن في تدفق المنتوجات والخدمات الثقافية والثقافة جزء من أنظمة التنمية المستدامة وتطوير حقوق الانسان والحريات الأساسية، ويرى النور أن هذه الأدوات على الرغم من عالميتها إلا أنها، وثيقة الصلة بواقعنا المحلي، ويمكن استخدامها كأدوات معينة في انتهاج سياسات ثقافية تعبر عن روح الثورة الداعية للحرية والسلام والعدالة.

 

اقرأ/ي أيضًا

النجاة من الغابة النرويجية

السينما.. وجه من وجوه المقاومة