ثلاثة أعوام مرت، على إعلان تعيين "عبد الله حمدوك" رئيسًا للوزراء في 14 أيلول/ سبتمبر 2019، المجلس التشريعي الذي كان من المُقرر الإعلان عن تشكيله في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، خلال ثلاثة أشهر من انطلاق الحكم الانتقالي، وفقا للوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، ما زال غائبًا عن المشهد السياسي السوداني، إذ لم يُعلن عن تشكيله حتى اليوم، وفي وقت ضربت الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية فيه وعودًا متكررة باستكمال هياكل الحكم، تحوم اتهامات لقوى الحرية والتغيير وحكومة الانتقال بتحميل الشعب السوداني ضرائب خلافات التحالف وإخفاقاته الداخلية.
مخاوف تلوح في الأفق نتاج غياب وضعف تمثيل قوى الثورة في خارطة الحكم الانتقالي
ويكشف التقرير التالي الذي أعده "الترا سودان"، عن مخاوف تلوح في الأفق اليوم، نتاج غياب وضعف تمثيل قوى الثورة في خارطة الحكم الانتقالي، مما اعتبره البعض اختطافًا للديمقراطية وعثرة في طريقها. تتعدد وجهات النظر حول أسباب وتبعات الفراغ التشريعي في السودان، ويحاول التقرير، الإجابة عن هذه التساؤلات.
مخاوف وتحذيرات
يرى الصحفي والمحلل السياسي وائل محجوب، في الإرجاء المتكرر لتشكيل المجلس؛ وضعًا خطيرًا يُهدد الديمقراطية وينتقص منها. ويضيف وائل: "إن غياب المجلس التشريعي جرد القوى الثورية من منصة مهمة لمحاسبة ومساءلة الحكومة، وغيابه أتاح مساحة تمرير مجموعة من القضايا دون مساءلة أو محاسبة لمُتخذيها".
اقرأ/ي أيضًا: الأمة القومي: تجميد المجلس المركزي ليس انقلابًا والمبادرة ستطرح على العسكريين
ونصت الوثيقة الدستورية للحكم الانتقالي في السودان، على أن "يُشكل المجلس التشريعي ويباشر مهامه في فترة لا تتجاوز تسعين يومًا من تاريخ التوقيع على هذه الوثيقة".
وحذر محجوب، في حديث لـ"الترا سودان"، مما أسماه "استمراء" مجلسي السيادة والوزراء، تمرير عدد كبير من القوانين دون أن "تخضع للمراجعة البرلمانية المطلوبة". ووصف الوضع بأنه "وضع خطر يسلب البرلمان دوره الأساسي، كون أنه الجهة التي تُجيز وتمرر التشريعات".
ويتابع: "إن غياب المجلس التشريعي ترك الساحة للحكومة لتفعل ما تُريد"، وأردف وائل: "كثير من قرارات المسؤولين كانت ستخضع لاستدعاءات واستجوابات ومحاسبة قد تصل إلى سحب الثقة من الوزير المعني أو الحكومة بحسب سلطات المجلس التشريعي".
ويعلق وائل حول التطبيع السوداني الإسرائيلي في غياب المجلس التشريعي قائلًا: "كان من الممكن أن يتعرض كل من تورط في هذا القرار، لملاحقات قانونية في حال وجود برلمان يمثل الثورة". وزاد "الحكومة تجاهلت قانون مقاطعة إسرائيل لسنة 1958".
وتخوف الكاتب والمحلل السياسي من تبعات تجاهل مؤسسية اتخاذ القرارات عبر استكمال هياكل السلطة، مشيرًا إلى أن "غياب المجلس يساعد في الإفلات من العقاب بالنسبة للجهاز التنفيذي والمجلس السيادي".
وفي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، أجاز مجلس شركاء الفترة الانتقالية، مصفوفة لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية، وحددت المصفوفة 25 شباط/فبراير الماضي موعدًا لتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، إلا أن أطراف الوثيقة الدستورية فشلوا في الالتزام بالموعد المضروب، وإلى الآن ظل الفشل في تشكيل التشريعي صفة ملازمة لأطراف الوثيقة.
مبررات الائتلاف الحاكم وغياب الإرادة السياسية
المحامي والقيادي السابق بقوى الحرية والتغيير حاتم الوسيلة السنهوري، من جانبه تساءل حول الأسباب الحقيقية لـ"التباطؤ في تشكيل المجلس التشريعي وفق السقف الزمني المُحدد". وأردف: "ما هو مصير مجموعة القوانين التي أجيزت دون سند قانوني، في ظل غياب البرلمان الممثل لقوى الثورة؟".
ويعتقد السنهوري، أن الحكومة والائتلاف الحاكم في السودان، يعانيان من غياب الإرادة السياسية وضعف الاستقرار السياسي، ويُضيف: "الحرية والتغيير أصبحت قلة من الأحزاب، اختطفت سُدة الحكم، ويبدو أنه ليس من أولوياتها اليوم استكمال هياكل الحكم".
ومنذ تعيين الحكومة في أيلول/سبتمبر 2019، أجازت الحكومة الانتقالية (26) قانونًا بواسطة اجتماع مجلسي السيادة والوزراء الذي أطلق عليه اسم "الجسم التشريعي المؤقت". ما اعتبره مراقبون "تلاعُبًا بمكتسبات الثورة والتفاف على الدور التشريعي في إجازة القوانين خلال الفترة الانتقالية".
واستنكر السنهوري غياب تمثيل "القوى الثورية والكيانات المطلبية من لجان مقاومة ونقابات وتنظيمات نسوية وشبابية" في المجلس التشريعي وفق التصور الحالي لتحالف الحرية والتغيير وتابع" رفض تحالف الحرية والتغيير، الاعتراف بقيادة تجمع المهنيين المُنتخبة"، وعلق: " هذا إجراء غير سليم يفتقد للديمقراطية، ولا يوافق إرادة التجمع وعضويته".
من جهته، أعلن عضو المجلس المركزي للائتلاف الحاكم "الحرية والتغيير"، أحمد حضرة، عن تخلف خمس ولايات في تسليم قوائم ممثليها في المجلس التشريعي الانتقالي بحسب الموعد الزمني المحدد لها.
ولفت حضرة، في تقرير نشره "الترا سودان"، في وقت سابق، أن الولايات الخمس التي لم تدفع بقوائهما ليست المتخلفة وحدها، إنما كتل الحرية والتغيير هي الأخرى لم تسلم لجنة التشريعي قوائمها بصورة نهائية، مؤكدًا عدم قدرتهم على تحديد سقف زمني للفراغ من عملهم حول التشريعي تمهيدًا لإعلان تشكيله.
اقرأ/ي أيضًا: معضلة اختيار النائب العام ورئيس القضاء.. هل من أمل لتحقيق العدالة؟
ويرهن القانوني حاتم الوسيلة، نجاح الانتقال الديمقراطي باستكمال تشكيل مؤسسات الدولة، وأضاف "لا يمكن تحقيق الانتقال دون استكمال هياكله"، وزاد "نحتاج لبرلمان ذو سمة رقابية يُشكل من مكونات ساهمت بفعالية في ثورة ديسمبر المجيدة".
قانوني: الحكومة السودانية يجب أن تعمل بشكل عاجل على استكمال هياكل الحكم الانتقالي
وتابع، إن من واجبات الجهاز التنفيذي اليوم تشكيل مجلس تشريعي يتضمن "قوى ثورية حقيقية هدفها استكمال الثورة"، وأن يتعامل مع أبعاد القضية بشفافية، وزاد "مللنا من أن تصدر القرارات من وراء الناس".
وختم بالقول: "الحكومة السودانية يجب أن تعمل بشكل عاجل على استكمال هياكل الحكم الانتقالي، وتشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية دون تسويف أو تماطل".
اقرأ/ي أيضًا