04-مارس-2020

ضباط 28 رمضان (Sudaneseonline(

قال عنهم الرئيس المخلوع عمر البشير أنهم كانو "خيرة القوات المسلحة، ولم نحس بالطمأنينة إلا بعد أن أعدمناهم" وذلك في اجتماع لمجلس شورى حزب المؤتمر الوطني المحلول، سُربت مقاطع منه بعد الثورة، فمن هم ضباط 28 رمضان؟ 

رغم كثرة المجازر والمذابح في عهد نظام البشير، إلا أن قضية ضباط رمضان ظلت حية في الذاكرة السودانية لعدة أسباب منها، توقيت تنفيذ الإعدامات في آخر أيام شهر رمضان

التكريم بعد ثلاثين عامًا

في الأسبوع الماضي أكد الناطق الرسمي للقوات المسلحة العميد "عامر محمد الحسن" أنه قد تمت إعادة شهداء 28 رمضان والبالغ عددههم 29 ضابطًا من رتب مختلفة، من الفريق حتى النقيب، إلى الخدمة، وترقيتهم ومن ثم احالتهم للمعاش ، بعد اعتبارهم شهداء، وادخالهم منظومة معاشات القوات المسلحة حسب رتبهم الجديدة واعتبار خدمتهم 15عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش يطرد "بطل الثورة" من الخدمة 

قصة الضباط وإعدامهم 

مباشرة بعد انقلاب الجبهة الإسلامية على حكومة الصادق المهدي المنتخبة في الثلاثين من حزيران يونيو 1989، حصلت محاولات لمقاومة الانقلاب من القوات المسلحة، أبرزها كان مقاومة الفريق أول فتحي محمد علي القائد العام للجيش حينها الذي رفض الاستسلام للانقلاب، ودخل مع الانقلابيين في اشتباك بالسلاح الشخصي. والمحاولة الانقلابية في 20 آذار/مارس 1990.

لكن محاولة انقلاب 28 رمضان الموافق 23 نيسان/أبريل 1990 ، كانت أقوى مقاومة تعرض لها انقلاب البشير من داخل الجيش. حيث اتفق 29 ضابطًا من كبار قادة القوات المسلحة على أن استلام الجبهة الإسلامية للحكم في السودان سيكون "كارثة ينبغي مواجهتها"*، فشرعوا في التخطيط لتحرك عسكري أسموه "حركة الخلاص الوطني" قالوا أن هدفه إعادة الحكومة المنتخبة، رغم أن بعض الضباط المشتركين في التحرك قد عرفوا بميول حزبية لأحزاب غير ديمقراطية، وبالتحديد حزب البعث العربي الاشتراكي فرع السودان.

يحمل صورة أحد الضحايا (Facebook)

انقلاب سيئ التخطيط 

فشلت الحركة الانقلابية وانهارت سريعًا جدًا، بعد استسلام قادتها، وتعود الأسباب الرئيسية لفشل الانقلاب لسوء التخطيط، حيث أهمل الانقلابيون عدة مواضيع مثل: عدم التنسيق مع المكونات المدنية، وعدم تجهيز شبكة اتصالات فعالة، وفشل البعض في الاستيلاء على وحداتهم ومواقعهم المتفق عليها، خاصة مبنى الإذاعة والتلفزيون، بالإضافة إلى تخاذل مشترك في المحاولة الانقلابية ووشاية البعض قبل لحظة الصفر.

وساطة سوار الدهب

رغم أوجه القصور أعلاه، إلا أن الانقلابيين استطاعوا السيطرة على معظم الوحدات العسكرية بالعاصمة، خاصة وحدة سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة بالخرطوم، التي كان قائدها اللواء عبد القادر الكدرو مشتركًا في الانقلاب. تلقى الكدرو اتصالا عبر اللاسلكي من العميد كرار الذي طعنه موالون للجبهة الاسلامية بالسونكي، يدعوه لعدم الاستسلام وقيادة حرب مدن ضد تنظيم الجبهة الاسلامية. لكن ظهرت وساطة من شخصية عسكرية تحظى باحترام كبير هي المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي تعهد للانقلابيين بمحاكمة عادلة حال استسلامهم، وهو ما وافق عليه الكدرو الذي فضل تجنيب المدنيين اشتباكات داخل المدينة. وبعد ثلاثين عامًا تم استدعاء موقف الكدرو ومقارنته بحرب المدن التي أطلقتها هيئة العمليات بجهاز الأمن بسبب مطالب باستحقاقات مالية.

اقرأ/ي أيضًا: تورط الجيش السوداني في حرب اليمن.. دوافع خفية لاستمرار "المغامرة"

محاكمة الثلاثين دقيقة

لم يلتزم انقلابيو الإنقاذ بما اتفقوا عليه عبر الوسيط  سوار الذهب مع انقلابيي الخلاص الوطني، من محاكمة عادلة يكون بوسعهم الدفاع عن أنفسهم فيها. وفور اعتقال جميع الضباط المشتركين في الانقلاب، شُكلت محكمة عسكرية طارئة، ذكر بعض الروايات أنه مدة المخاكمة كانت 30 دقيقة وكانت من سؤال واحد "هل شاركت في العملية الانقلابية؟" وأجاب جميع الضباط بنعم، وبعدها يصدر عليهم مباشرة الحكم بالإعدام رميًا بالرصاص. سيق الضباط بعدها إلى منطقة خلوية في ريف أمدرمان، وهناك نفذ في حقهم حكم الإعدام بواسطة كوادر مدنية تنتمي لتنظيم الجبهة الإسلامية. ونسبة لكون المنفذين للحكم غير محترفين كانت إصابات بعض الضباط غير قاتلة، وتم إلقاؤهم في خندق واحد وأهيل عليهم التراب وبعضهم كان لا يزال حيًا، كما أكدت عدة روايات.

 



القضية التي لم تمت

رغم كثرة المجازر والمذابح في عهد نظام البشير، إلا أن قضية "ضباط رمضان" ظلت حية في الذاكرة السودانية لعدة أسباب منها، توقيت تنفيذ الإعدامات في آخر أيام شهر رمضان، والشعبية العالية التي كان يتمتع بها الضباط في الجيش نسبة لكونهم كما تقول سيرهم الذاتية من أكفأ الضباط، ويبدو أنهم عولوا كثيرًا على شعبيتهم داخل الجيش أثناء تنفيذ الانقلاب وكان هذا أحد أسباب فشله. أيضًا من أسباب خلود ذكرى ضباط رمضان كونهم فضلوا الاستسلام ومواجهة مصيرهم على إشعال حرب مدن وحرب داخل القوات المسلحة كانت الكفة فيها تميل لصالحهم؛ بسبب نجاحهم في السيطرة على وحدات عسكرية ضاربة، أيضًا لعبت أسر الضباط وزملاؤهم والمعارضة السودانية المدنية متمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي دورًا كبيرًا في تخليد ذكراهم.

سرت شائعة أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان كان ضمن المشتركين في المحاولة الانقلابية لضباط رمضان، وهو الأمر الذي لم يؤكده أي من المعاصرين للحدث

بعد الثورة

كانت قضية شهداء رمضان من أول القضايا التي أثيرت بعد الثورة، لتحديد مكان دفنهم وتسليم رفاتهم لأهاليهم، وأيضًا لمراجعة اجراءات المحاكمة نفسها وملابسات تنفيذ الحكم. سرت شائعة أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان كان ضمن المشتركين في المحاولة الانقلابية لضباط رمضان، وهو الأمر الذي لم يؤكده أي من المعاصرين للحدث، خاصة أنه كان ضابطًا صغيرًا حينها، لكن رجح بعض قدامى العسكريين أن يكون من المتعاطفين مع الحركة، التي تعاطف معها كثير من العسكريين نظرًا لمكانة قادتها، ثم بعد إعدامهم، حيث لم يش ضباط رمضان بأي مشترك في الانقلاب أو متعاطف معه من الذين لم يتم القبض عليه سواء من العسكريين أو من المدنيين.

أعلن الجيش قبل فترة العثور على الموقع الذي تم فيه دفن جثامين الضباط غربي أمدرمان. وكانت لجنة قد شكلت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 للتحقيق حول ملابسات إعدام الضباط وتحديد مكان دفنهم، وهو الأمر الذي ظلت تطالب به أسرهم، منذ إعدامهم في نيسان/أبريل 1990.

 


* "كارثة ينبغي مقاومتها" الجملة للعقيد عبد المنعم كرار أحد المشاركين في انقلاب رمضان. من كتاب "مجزرة رمضان" التوثيقي عن تفاصيل الانقلاب والإعدامات، أصدرته أسر الضباط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة: طموح الجيش بالسلطة أخطر ما يهدد المرحلة الانتقالية في السودان

الجيش السوداني يؤيد لقاء البرهان-نتنياهو.. والحكومة: "خرق للوثيقة الدستورية"