07-سبتمبر-2022
سمنار المركز العربي

جانب من سمنار "إعادة بناء الدولة السودانية وتحديات الإرث الاستعماري" في المركز العربي

بقاء السودان موحدًا أو مفككًا إلى دويلات مخاوف تتصاعد بقوة إلى السطح وأصبحت تشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي. وقد كان المركز العربي في الدوحة سباقًا إلى تنظيم محاضرات وسمنارات عن الشأن السوداني خاصة بعد ثورة ديسمبر.

في سمنار نظمه المركز العربي بالدوحة تحدث الباحث السياسي والأكاديمي الدكتور حامد التجاني عن الوضع في السودان منذ الاستعمار وفترة ما بعد الاستقلال، مرورًا بالثورات الشعبية حتى ثورة ديسمبر والأخطاء "الفادحة" باختيار أشخاص "لا يملكون تجارب سياسية" في السلطة الانتقالية.

د. حامد التجاني: السودان دولة بيروقراطية لا تقدم الخدمات للمواطنين وهي "ريعية مركزية" وتسيطر عليها "نخب متنيلة"

وفي الوقت نفسه، لم يتردد الباحث الأكاديمي والسياسي الدكتور حامد التجاني في إطلاق "تحذيرات جدية" من أن السودان أمامه "فرصة أخيرة قبل الانهيار" في التحول إلى دولة تنموية توفر الصحة والتعليم والمياه النظيفة والكهرباء للمواطن بالاعتماد على القطاع الزراعي والتعدين ونظام مالي فيدرالي يسمح للمحليات بمشاريع التنمية.

وأوضح التجاني في سمنار نظمه المركز العربي في الدوحة اليوم الأربعاء عن "إعادة بناء الدولة السودانية وتحديات الإرث الاستعماري" أن السودانيين خرجوا في ثلاث ثورات شعبية حصدت الأرواح، قائلًا إن الوقت قد حان لبناء الدولة التنموية والتخلص من "المركز الريعي ذات الإرث الاستعماري".

وأشار التجاني إلى أن السودان هيمنت عليه "نخب وبقايا الإرث الاستعماري"، ورثت مؤسسات الاستعمار فيما يعرف بـ"الحزام النيلي"، لافتًا إلى أنها تعتمد على موارد "الهامش" إلى جانب محاولة "نخب الهامش الطامح للتواجد في المركز". وأضاف: "أنا أطلق عليهم النخب المتنيلة".

وقال التجاني إن السودان دولة بيروقراطية لا تقدم الخدمات للمواطنين ولا توجد فيه "تقاليد سياسية راسخة" وهي "دولة قهرية ريعية" وتقوم على الثنائية، موضحًا ثنائية (الإسلامي والعلماني) و(الليبرالي والطائفي) و(العسكري والمدني).

https://t.me/ultrasudan

وأكد أن النخب تستحوذ على ما أسماه "العنف السياسي" في المركز الذي يستفيد من البيروقراطية ولا تستجيب الدولة السودانية لتطلعات الشعب لأنها عاجزة عن تقديم تنمية للمواطن في ظل صراع على الموارد بين النخب.

ورأى التجاني أن السودان بحاجة إلى إعلان دولة تنموية لأن البلد "يتآكل ويتجه إلى الانهيار والتفكك" ولا يمكن تقسيمه إلى (18) إقليمًا، مضيفًا: "يجب أن تكون ستة أقاليم لتقليص البيروقراطية وتقديم التنمية".

وحذر التجاني من هجرة السودانيين إلى مصر بـأعداد "كبيرة" وبصورة "مرعبة" فيما تتصارع النخب على الموارد. ولفت إلى أن الحركات المطلبية نشأت قبل خمسينات القرن الماضي في الشرق والغرب والجنوب، وتمثلت مطالبها -بحسب التجاني- في التنمية، وشطبت بواسطة "نخب المركز" وتحولت إلى حركات متمردة وهذه من "خيبات المركز" - على حد قوله.

وأضاف التجاني أن حكومة عبدالله حمدوك كررت نموذج حكومة الهيئات بعد ثورة أكتوبر، إذ سيطرت أحزاب صغيرة عليها وأبعدت الأحزاب الكبيرة والنتيجة كانت الإطاحة بالحكومة عبر الانقلاب العسكري. وتابع: "حكومة عبدالله حمدوك عينت وزراء لا يملكون أي تجربة سياسية والبعض منهم كان يعمل حارسًا أمنيًا خارج البلاد ووجد نفسه مسؤولًا في السلطة الانتقالية".

ووصف التجاني رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بالشخص الذي يعمل من الظل ولا يملك قدرة على المواجهة واتخاذ القرارات وقال إنه "لم يكن في مستوى حكومة الثورة".

وعاد التجاني حامد بالتاريخ السوداني إلى نشأة الدولة السودانية، وقال إنها جاءت نتيجة تكوين ثلاث ممالك وهي "علوة" و"نوباتيا" و"المقرة"، وهي التي تمثل الحضارة النوبية الكوشية، قائلًا إن "الحضارة انتقلت من السودان إلى مصر وليس العكس".

وصفَ عبدالله حمدوك بالشخص الذي يعمل من الظل ولا يملك القدرة على المواجهة واتخاذ القرارات

إلى جانب ممالك كوش في منطقة كرمة شمالي السودان، كانت هناك مملكة "تقلي" في النيل الأزرق ومملكة "الشلك" في جنوب السودان ومملكة "الفونج" في الشرق على البحر الأحمر ومملكة "دارفور" غربًا – وفقًا للتجاني.

وقال التجاني إن الاستعمار ركز السلطة في "الحزام النيلي" مع منح الإدارات الأهلية هامش السودان للسيطرة على القبائل، واصفًا سلوك نخب المركز بأنه "سلوك استعماري". وأضاف: "الأقاليم السودانية في الوقت الحالي تم تقسيمها إثنيًا وهي قابلة للتوسع إلى الضعف من (18) إلى (36) إقليم".

وترحّم التجاني على شهداء ثورة ديسمبر وقال إن تجربة لجان المقاومة "تجربة كبيرة" وستكون لها مستقبل في الشأن السياسي في السودان. وقال إن حمدوك فوت "فرصة تاريخية" بعدم الاستعانة بلجان المقاومة، مضيفًا أنه كان يجب أن يشركها حتى في تعيين الوزراء.

كما تطرق حامد التجاني إلى "نموذج دولة أمراء الحرب"، وقال إن السودان ينطبق عليه هذا النموذج تمامًا في ظل سيطرة المليشيات المسلحة وقادتها على شركات تنقيب الذهب وتسليح القبائل.

وقال إن بعض الحركات المتمردة تزعم تمثيلها للمجتمعات المهمشة، لكنها في الغالب يمكن أن تكون مثالًا لـ"الجريمة المنظمة" بالاستحواذ على الموارد وخلق زعماء سياسيين لديهم القدرة على التعبئة في الحروب. وأضاف: "يصعد أمراء الحروب في المشهد السياسي في الدولة، وبينما تنحاز إليهم بعض النخب تنزوي بعض النخب وتختار العزلة. وتابع قائلًا: "في السودان نجد قائد مليشيات مسلحة ورجل أعمال ولديه ثروات مالية طائلة ولديه تعاملات مع الأجانب".

وقال التجاني إن "ظاهرة أمراء الحروب متفشية في السودان" ويجب التركيز على المجتمع المدني لتحقيق التحول الديمقراطي وتحقيق الدولة التنموية.

وأشار حامد التجاني الباحث في المركز العربي إلى أن الخطأ الذي وقعت فيه ثورة ديسمبر، هو تعيين سياسيين تعلموا السياسة من مواقع التواصل الاجتماعي في المناصب العليا – على حد تعبيره.

وعن اتفاق جوبا لسلام السودان، قال الدكتور حامد التجاني إنه "اتفاق جيد" لأنه أوقف الحرب، لكنه استدرك قائلًا إن سلوك قادة الحركات المسلحة أصبح يؤدي إلى "تنفير الناس من التبشير بالسلام"، مضيفًا أن قادة الحركات استحوذوا على الوظائف لأنفسهم والمقربين لهم.

وفيما يتعلق بالتنمية، حذر التجاني من تزايد الهجرات من الريف إلى الخرطوم، موضحًا أن ثلث سكان البلاد يعيشون في العاصمة، وقائلًا إنه "خلل واضح في بلد شاسع مثل السودان".

التجاني: الخطأ الذي وقعت فيه ثورة ديسمبر هو تعيين سياسيين تعلموا السياسة من مواقع التواصل الاجتماعي في المناصب العليا

وتمسك التجاني بضرورة إقامة النظام الفيدرالي في السودان وتوزيع الموارد بصورة عادلة، وقال إن الهامش "ليس فقيرًا" ولكن تذهب موارده إلى المركز. وأضاف أن النظام الديمقراطي كفيل بحماية النظام الفيدرالي مما أسماها "التهديدات الإثنية".