بالتزامن مع خطاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في قاعدة بحري العسكرية أمس الأحد، كانت المحكمة العليا تسلم قرارها إلى اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، حيث أفادت بحل اللجنة وإعادة "اتحاد الفلول".
في ذات الوقت كان البرهان يهاجم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في قاعدة بحري العسكرية، محذرًا من استخدام القوات المسلحة والتعويل عليها للوصول إلى السلطة ما دعا إلى ترك علامات استفهام، ووصف مراقبون خطاب قائد الجيش بـ"المتناقض" .
يقول متحدث تجمع المهنيين السودانيين إن خطاب البرهان بشأن المؤتمر الوطني وتهديده لا يعني طي العلاقة بين الطرفين
رغم أن خطاب البرهان كان يهدف لإرسال رسائل إلى عدة جهات داخلية وخارجية، جاء مفاجئًا هذه المرة على غير العادة، ونادرًا ما تحدث قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي بهذه اللهجة منتقدًا المؤتمر الوطني، بل ذهب إلى أبعد من ذلك وطالبه بالكف عن التفكير في العودة إلى السلطة، وإفساح المجال للسودانيين.
التحول في خطاب البرهان من مطلوبات المجتمع الدولي، وعلى ما يبدو مارست الرباعية الدولية ضغوطًا على العسكريين للقبول بالاتفاق مع قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" وتكوين حكومة مدنية.
بشكل حذر دون اندفاع، رحب متحدث قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" شهاب الطيب بخطاب البرهان، وتحديدًا فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، قائلًا إن هذه الأطراف ظلت تهدد بنسف أي اتفاق بين العسكريين و"الحرية والتغيير"، وتمادت لدرجة التظاهر قرب مقر بعثة يونيتامس.
في ذات الوقت يرى شهاب الطيب في حديث لـ"الترا سودان"، أن الأقوال تحتاج إلى أفعال، وفيما يتعلق بالعداء تجاه القوات المسلحة، ينوه متحدث "الحرية والتغيير" إلى أن السودانيين لا يستهدفون الجيش ولا القوات المسلحة، بل يرفضون استخدامها لصالح طموحات أشخاص وقيادات للوصول إلى السلطة.
في خطاب العمليات العسكرية بحري ربما أراد البرهان الوصول إلى قمة المناخ في شرم الشيخ اليوم الاثنين، وهو "يقدم السبت" كما يقول المثل، للمجتمع الدولي، فالقائد العسكري الذي استولى على السلطة منذ عام، هاجم الإسلاميين ثم حذرهم أنه مستعد للقتال حتى الموت إذا ما فكر أحد في "استهداف الجيش".
ويقول متحدث حزب البعث العربي الاشتراكي وعضو قوى الحرية والتغيير عادل خلف الله لـ"الترا سودان"، إنه فيما يتعلق بحديث البرهان عن استهداف الجيش، ينبغي أن يعلم أن السودانيين لا يكنون العداء للقوات المسلحة، بل يرفضون استخدامها مطية للوصول إلى السلطة من "أصحاب المغامرات".
ويرى عادل خلف الله أن الإصلاحات المطلوبة في القوات المسلحة وصولًا إلى جيش مهني وموحد، من المطالب المهمة التي ينبغي أن يعلم العسكريين أنها في مصلحة القوات المسلحة أولًا.
وأضاف: "فيما يتعلق بتحذيره للمدنيين من عدم المساس أو تفكيك الجيش؛ ليس هناك شخص يود أن يفكك القوات المسلحة، بل بالعكس السودانيون يتطلعون إلى بناء جيش موحد واحترافي وقوي ويحمي الديمقراطية والدستور، وأن تكون مهامه معروفة كجيوش العالم".
وحول تحذيره للإسلاميين والمؤتمر الوطني، يعتقد متحدث حزب البعث العربي الاشتراكي وأحد الأحزاب المشاركة في تحالف قوى الحرية والتغيير عادل خلف الله، أن الانقلاب الذي نفذه العسكريون في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 هو الذي أعاد الفلول إلى البنك المركزي، وإلغاء قرارات لجنة التفكيك وتجميد نشاطها، وإعادة الفلول إلى القضائية والنيابات.
وكان البرهان شدد في خطابه أمس الأحد بقاعدة بحري العسكرية التابعة للجيش، على أن القوات المسلحة لن تتبع وثيقة دستورية تقود إلى تفكيك الجيش. وهو تصريح يلقي بالكرة في ملعب قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" عما إذا كانت ستأخذ تصريح البرهان على محمل الجد، أم تكتيك يستبق المفاوضات بين الطرفين.
وعلق متحدث قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" شهاب الطيب على هذا التصريح قائلًا إن البرهان أكد وجود تفاهمات مع الحرية والتغيير، ولم يذكر "مفاوضات"، ما يعني أن الحديث يعد تكتيكًا أكثر من كونه تعنتًا أو إغلاقًا للباب.
وعلى الرغم من أن متحدث "قحت" وضع هذا التصريح في خانة التكتيك قبل الانتقال إلى "غرف التفاوض"، إلا أن هناك مخاوف مرتفعة بين السودانيين من إطالة أمد تعدد الجيوش، وظاهرة المليشيات المسلحة التي تهدد الأمن والسلم. وهذه القضية كونها تساهم مباشرة فى تفكك البلد، فإنها قد تجعل خيار الديمقراطية "ترفًا لا يمكن تحقيقه".
وعلى مشارف العام الثاني للانقلاب العسكري، يفضل بعض السودانيين الفرار بأنفسهم من هذا البلد في خيار الهجرة نحو الأصقاع البعيدة، أو دول الجوار عقب تحطم الآمال بعد الإطاحة بالحكومة الانتقالية.
ويعتبر متحدث تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي في تصريحات لـ"الترا سودان"، خطاب البرهان رسائل إلى جهتين: الأولى للإسلاميين بالداخل والثانية للمجتمع الدولي، ولدى هذا المتحدث قناعة راسخة أن النظام القديم ما زال موجودًا في كواليس السلطة ويدير المشهد.
مضى وليد علي إلى أبعد من ذلك، وسمى الاتفاق بين العسكريين و"الحرية والتغيير" على أنه اتفاق بين النظام القديم و"قحت"، من أجل الوصول إلى تسوية تبقي على غالبية الأموال لدى النظام البائد، إلى جانب الإفلات من العدالة.
وأضاف: "إذا كنت تبحث عن تسوية عليك أن تنسى العدالة، والحديث عنها في هذه الحالة هو نوع من ذر الرماد في العيون".
لكن متحدث "الحرية والتغيير" شهاب الطيب يظهر تفاؤلًا بشأن العدالة، ويدافع عن فرص التسوية السياسية مع العسكريين، ويعتقد أن العملية السياسية التي أطلقها التحالف تهدف إلى "إنهاء الانقلاب" وتكوين جيش قومي ومهني وتطبيق العدالة وتشكيل حكومة لديها القدرة على السيطرة على المال العام عبر صلاحيات دستورية.
ولم يتطرق البرهان في خطابه عن العدالة بشكل مباشر، لكنه حذر وهو يتحدث بـ"العامية السودانية" في مثل هذه المناسبات كما درج القادة السودانيين قائلًا: "أي زول يهبش عسكري ولا ضباط لو جات حكومة أو ما جات ما حنسمح ليهو". في هذه الجزئية ربما حذر البرهان من الملاحقة القضائية بشأن الانتهاكات التي وقعت بعد الانقلاب العسكري، وهذا البند تحديدًا ظل مطروحًا في غرف المحادثات غير الرسمية بين العسكريين و"الحرية والتغيير".
وذكر وزير التجارة الأسبق وعضو وفد التفاوض في "الحرية والتغيير" مع العسكريين في 2019 مدني عباس مدني، في مقابلة إذاعية الأسبوع الماضي، أن العفو المقصود عن العسكريين ليس فيما يتعلق بالجرائم والانتهاكات، بل المسؤولية في الانقلاب العسكري.
ود الفكي: السلطة المدنية القادمة ستجري جراحة عميقة في القضائية
وذهب القيادي في قوى الحرية والتغيير ورئيس لجنة التفكيك "المجمدة" محمد الفكي سليمان في ندوة عقدت بمنطقة السروراب في ريفي أم درمان مساء السبت - ذهب في ذات المنحى قائلًا إن السلطة المدنية ستجري جراحة عميقة في السلطة القضائية لتحقيق العدالة.
بالمقابل يدفع متحدث تجمع المهنيين السودانيين الذي يتخذ موقفًا راديكاليًا من التسوية مع العسكريين، بمبررات يعتقد أنها منطقية، ويقول إن العدالة لا تطبق في حالة الاتفاق السياسي، فلا يمكن أن تقود إلى السجن جنرالًا وقعت معه على وثيقة دستورية اتفقتما على إكمال الفترة الانتقالية.