07-سبتمبر-2022
مطعم "خسارة قرايتي"

أثار الاسم الجدل على مواقع التواصل (فيسبوك)

في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، افتتح ثلاثة شبان مطعمًا حمل اسم "خسارة قرايتي"، وتحول الاسم لمادة جاذبة للحديث وتبادل الآراء في منصات التواصل الاجتماعي، وفتح سؤال البطالة بين الشباب؛ فما هي القصة؟

أصحاب "خسارة قرايتي"

في حديثه مع "الترا سودان"، الشاب محمد جعفر إدريس (26 عامًا) أحد مؤسسي المطعم، قال إنه درس كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية قسم الإحصاء بجامعة وادي النيل، وعقب التخرج 2018 عمل في عدة أعمال حرة، مثل صناعة الخبز في الأفران وبيع الخضروات المتجول وعمليات البناء. يقول: "قدمت للعمل في مجالات كثيرة مثل التعدين والضرائب والجمارك، ولم أجد فرصة عمل".

أحد المؤسسين: منا من تخرج في كلية الهندسة بجامعة السودان، ومنا من تخرج في كلية الهندسة بجامعة وادي النيل

ويكمل محمد قوله، نحن ثلاثة شبان، منا من تخرج في كلية الهندسة بجامعة السودان، ومنا من تخرج في كلية الهندسة بجامعة وادي النيل، و"بعد طول انتظار من فترة التخرج، وعبر مشروع المطعم؛ حاولنا إيصال رسالة للشباب أن يبدأوا بأقل الأشياء. عند فتح المطعم كان من مجهودات خاصة وبمساعدة عدد من الأصدقاء". 

وأرسل محمد عبر "الترا سودان" رسالة للحكومة أن تستفيد من طاقات الشباب، مع مراعاة الوضع الاقتصادي، وأن تعمل الحكومة على إيجاد حلول، خاصة وأن الأسر استثمرت في تعليمهم.

هل يوجد حل؟

فتح شباب عطبرة سؤال البطالة لدى الشباب، ووضعوا الدولة أمام تحديات في توفير فرص العمل لمواكبة أعداد خريجي الجامعات.

وفي هذا الصدد يقول الخبير التربوي الهادي السيد عثمان، إن القضية لا تخص أبناء مدينة عطبرة، وإنما ظاهرة منتشرة في عموم مناطق السودان والأرياف. وضاف: "خرجت الجامعات السودانية المئات من حملة البكالوريوس الذين لم يجدوا وظائف، مما ثبط من عزيمة الشباب وقتل الروح فيهم، فلجأ كثير من الشباب إلى الأعمال الهامشية والهجرة خارج البلاد".

وأردف الهادي: "على سبيل المثال كان آخر تعيين للمعلمين في ولاية الجزيرة في العام 2013، بالرغم من أن الكثير من المدارس تعاني من نقص في المعلمين، وينطبق المثال على كثير من الوظائف"، حد قوله.

ويمضي بالقول: "وظيفة المعلم -على سبيل المثال- صار يهرب منها الناس لأن الراتب بالكاد يكفي لفتح بيت"، ويشير إلى أن ست الشاي يمكن أن تنتج في الأسبوع ما يكفي راتب موظف طوال الشهر. وزاد: "كثير من الناس سئموا الوظيفة والدراسة "القرو عملو شنو؟" وتحول الخريجون إلى أعمال أخرى، فأصيب الشباب بالإحباط مع عدم توفر وظائف كافية لاستيعابهم".

https://t.me/ultrasudan

واستطرد: "الغرض من التعليم ليس كسب المال، مع ذلك فالمادة هي عصب الحياة، لأن الإنسان في حاجة للأكل والمصاريف اليومية، وأدت جميع العوامل المذكورة لعزوف الشباب عن الزواج وتنامي ظاهرة الهجرة"، حد تعبيره.

رؤية اقتصادية

تطرح الدولة عبر مسؤوليها ومنابرها قضية الشباب، وتعد البطالة من أهم القضايا التي تسعى الدولة لمعالجتها، مع ذلك تبقى الحلول حبيسة الأدراج والغرف المغلقة، والحديث عن أدوار الشباب سراب يبدده الواقع الأليم.

يرى الخبير الاقتصادي صدقي كبلو، أن السياسة التعليمية لا تنتج خطة لتخريج من يحتاجهم السوق المحلي من الكفاءات، وبالتالي تضخم عدد الخريجين وقلّ الفنيون. مشددًا على أهمية طرح القضية لأنها مرتبطة بالتنمية والنهضة، لذلك وجب الاهتمام باختيار التعليم الأنسب من المرحلة الأولية والعامة، مع التركيز على البيئة المحلية. وضرب كبلو مثالًا بابن الراعي الذي يتعلم خبرات الزراعة والرعي من الأهل، وعند التعليم الأكاديمي يعطى خبرات جديدة لا تساعده في البيئة المحلية.

ونوه كبلو لمسؤولية الدولة في التوظيف والتشغيل مثل الخدمة المدنية وإنشاء مشاريع تنموية، واتخاذ السياسات المناسبة لنمو القطاع الخاص في مجال الزراعة والصناعة. ويشير إلى أن جميع الحكومات منذ ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1964 بدأت بالتملص من مسؤولية تشغيل الخريجين.

ويعود كبلو بالذاكرة لفترة الستينات من القرن الماضي، حيث كان الطلاب يجدون العمل قبيل التخرج في البنوك والمشاريع التي نشأت حينها، نظرًا لطلب السوق للوظائف.

ويؤكد كبلو أن القضية لها ارتباط بـ"اقتصاد السوق الحر"، حيث تتخلى الدولة عن المسؤولية التنموية وتتركها للسوق المحلي والأجنبي، ولا تتخذ من الوسائل الكافية لجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى تقلص الطلب على الخريجين والفنيين.

ويشير الخبير الاقتصادي صدقي كبلو إلى أن الحكومات منذ العهد الثاني في حكومة الراحل نميري 1978 اتخذت سياسة معادية للتعليم الفني والتقني، وعملت على تصفيته وتحويله إلى تعليم اكاديمي. وقال إن نسبة المهندس الأكاديمي للفني حول العالم هي واحد إلى ثمانية، بمعنى أن كل مهندس اكاديمي يقابله ثمانية مهندسين تقنيين.

الوضع الاقتصادي والحكومة الانتقالية

بعد ثورة ديسمبر المجيدة، تفاءل الشباب بالعهد الجديد، فهل اتخذت الحكومة الانتقالية الفائتة ما يكفي من السياسات لتحقيق آمال الشباب؟

يجيب كبلو على السؤال، بأنهم تقدموا بمقترح لوزير المالية الأسبق محمد البدوي، حينما بدأ الحديث عن زيادة المرتبات، بأن يستعيض عن الفكرة بزيادة تعيين الخريجين في مجالات الخدمات التربوية، وتعيين خريجي التربية لوجود نقص في عدد المعلمين، وتوظيف خريجي المجالات الصحية لوجود نقص في المستشفيات العامة. لكن وبحسب كبلو، اختار وزير المالية الأسبق زيادة مرتبات العاملين في الدولة من أجل الكسب السياسي، وبالتالي زاد التضخم.

خبير اقتصادي:  اختار وزير المالية الأسبق زيادة مرتبات العاملين في الدولة من أجل الكسب السياسي، وبالتالي زاد التضخم

وطالب كبلو الدولة بالبدء بتعيين الخريجين في مجالات التعليم والصحة والهندسة المدنية. يقول: "من يرى الفيضانات الأخيرة يشعر أن الدولة تخلو من أي مهندس مدني".

تباينت الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي وأقوال الخبراء في تناول أسم "خسارة قرايتي"، وبالتأكيد لن تحل هذه الآراء قضية شباب عطبرة، لكنها تعطي الأمل في لفت نظر الدولة لقضايا الشباب.