20-يوليو-2020

سد النهضة (فيسبوك)

في كثيرٍ من المرات، تشتدُ التوترات بين إثيوبيا ومصر، بسبب سد النهضة، كلٌ يبحثُ عن مكاسبه، وعن ما يُزيحُ مخاوفه. فأين هي مكاسب السودان ومخاوفه؟ هذا السؤال يُجيب عليه عبد المنعم أبو إدريس، المهتم بشئون القرن الإفريقي، والمختص في قضايا سد النهضة والمياه، وصاحب كتاب "مدخلٌ إلى القرن الإفريقي".

أبو إدريس: موقف السودان بشأن سد النهضة لم يتغير لأنه ظلّ مبنيًا على الآراء الفنية، وحسابات مكاسب وخسائر السودان من السد

  • المحرر: هناك أحاديث تتردّد بشأن تغيّرٍ طرأ على مواقف السودان بشأن سد النهضة.. هل صحيح أن هناك تغيّرٌ في موقف السودان، طوال فترة المفاوضات بشأن سد النهضة؟

- الموقف السوداني لم يحدث فيه تغيير؛ بشأن سد النهضة. لأنه ظلّ موقف مبني على الآراء الفنية، وحسابات مكاسب وخسائر السودان من السد. اللحظة الوحيدة التي حدث فيها موقف سياسي، عندما صرّح الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير، في زيارةٍ لولاية القضارف بشرق السودان، في العام 2015، أثناء تدشين الخط الناقل للكهرباء بين السودان وإثيوبيا. أعلن البشير –وقتها- بأنّ السودان يُؤيدُ بناء سد النهضة. لكني أعتقد أنّ موقف السودان ظلّ ثابتًا، يُريد الاطمئنان على مخاوفه، كما يُريد أنْ يُعظّم مكاسبه من سد النهضة.

اقرأ/ي أيضًا: التضخم يسجل رقمًا قياسيًا.. والإحصاء يعزو الارتفاع إلى شح الوقود والحبوب

  • المحرر: الآن صار سد النهضة في حُكمِ الواقع.. كيف سيتعامل السودان مع هذا الواقع؟ أعني الطريقة الأمثل في الفترة المقبلة، حال وصول الملف من واشنطن إلى جنوب إفريقيا، وربما إلى مجلس الأمن؟

- السودان سيظلُ مصرًا على أنْ يُدار الأمر بالحوار للوصول إلى توافقٍ، لأنّ المسافة ما بين إثيوبيا والسودان ليستْ بعيدة. القضية بالنسبة للسودان مرتبطة بكمية تصريف المياه من سد النهضة، حتى يطمئن على سلامة تشغيل سد الروصيرص. الآن الذي تعرضه إثيوبيا (350) مليار متر مكعب في الساعة، والسودان يطلب (250) مليار متر مكعب. عبر التفاوض يُمكن أنْ تُجسّر هذه الهوّة.

الخبير بالقرن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس

النقطة الأخرى أنّ السودان يُريد اتفاقيةً دوليةً، وليس قواعد إرشادية، وإثيوبيا في القمة الإفريقية المصغّرة؛ رضخت لقضية أنْ تكون اتفاقيةً دوليةً. لذلك السودان سيظلُ مصرًا على التفاوض. وبالحسابات، فإنّ الإيجابيات من سد النهضة أكثر من السلبيات، فقط يحتاج السودان للاطمئنان على سلامة سد الروصيرص وتشغيله.

  • المحرر: بالضبط، وعبر معادلاتٍ بسيطةٍ ومباشرة: أين هي المخاوف السودانية من سد النهضة؟ وماهي المخاطر المحتملة؟ وماهي المصالح؟

- المخاوف السودانية ترتبطُ أساسًا بسلامة وتشغيل سد الروصيرص، لأنّ سد الروصيرص يبتعدُ مسافة حوالي (100) ميلو مترٍ من سد النهضة. وإذا لم يتم الاتفاق على كمية تصريف المياه التي من قُدرة سد الروصيرص على تحمّلها وتصريفها، يُمكن أنْ يُصبح سد الروصيرص مهدَّدًا في سلامته. ويُمكن أنْ تُواجهه مشاكل في التشغيل. لأنّ سد الروصيرص، يُنتج نسبةً كبيرةً من الكهرباء السودانية، ويعتمدُ عليه السودان في مشاريع الري.

وإذا حدث إشكال في سلامة وتشغيل سد الروصيرص يُمكن أن ينعكس على سلامة وتشغيل سد سنار. وبذلك يفقد السودان السدين الرئيسين اللذين يعتمدُ عليهما في مشروعاته. لذلك فإنّ المخاوف السودانية أساسًا مرتبطة بسلامة وتشغيل سد الروصيرص.

  • المحرر: إلى أي مدى احتمال انهيار السد وارد؟ وماهي أضرارهُ على السودان بشكلٍ واضحٍ ومباشر؟ وإلى أي مدى وضع الخبراء والمسؤولون السودانيون هذا الاحتمال في الحُسبان؟

- مخاوف انهيار سد النهضة –برأيي- يُحاول بها البعض أنْ يُشيع جوًا من التخوّف، وليس هناك أي وجهة نظرٍ علمية تُشير إلى أنّ سد النهضة، سينهار. أغلب الجيولوجيين؛ يتحدثون عن أنّ المنطقة التي أُنشيء فيها سد النهضة، وطبيعة الصخور التي فيها ليستْ مهددةً بالزلازل. والمنطقة النشطة للزلازل والبراكين في إثيوبيا تبعد حوالي (650) كيلو متر، وهذه مسافة بعيدة جدًا. عليه يُصبح احتمال التأثيرات الطبيعية ضعيفة جدًا.

أبو إدريس: إثيوبيا صرفت على السد حوالي 6 مليارات دولار، وهو مبلغٌ ضخم بالنسبة للاقتصاد الإثيوبي لن تغامر به لو كان السد في منطقة زلازل

الأمر الثاني هو طبيعة السد، تمّ تركيب أجهزة قياس حركة السد، وهي أجهزة متقدمة جدًا. الأمر الثالث هو الشركات، فالشركتين الكبيرتان اللتان تعملان في السد لهما سمعتهما في العالم، وخاصة في بناء السدود منذ عشرات السنوات، لذلك لا أعتقد أنهما يُمكن أنْ تُغامرا بإنشاء سد في منطقةٍ مهددةٍ. الأمر الرابع أنّ إثيوبيا صرفت على هذا السد حوالي 6 مليارات دولار، وهو مبلغٌ ضخم بالنسبة للاقتصاد الإثيوبي، ولا أعتقد أنّ إثيوبيا ستُغامر بضياع مثل هذا المبلغ.

اقرأ/ي أيضًا: رواتب القطاع العام.. أجور باهظة يلتهمها التضخم

إضافة إلى ذلك، عندما قام الفريق الدولي الوطني بإبداء بعض الملاحظات حول أساسات وحول السد الرُكامي والتُرابي بطول 5 كيلو مترات، قامت إثيوبيا بإجراء التعديلات، وكلّفتها مليار دولار.

  • المحرر: من السيناريوهات التي يطرحها متابعون ومهتمون، سيناريو الدخول في المواجهة والحرب بين إثيوبيا ومصر.. هل هذا السيناريو راجح بالنسبة لك؟ وأين سيكون السودان حال تحوّل سيناريو المواجهة والحرب إلى واقع؟

- لا أعتقد أنّ الأمر سيذهب إلى حد المواجهة المباشرة. صحيح ستكون هناك بعض التصريحات من أجهزة الإعلام لخلق ضغطٍ في غُرف التفاوض. لكن القضية ستُحسم عبر التفاوض. وبرأيي فإنّ التصريحات التي تصدرُ من مصر، ليست تلويحاتٍ حقيقيةٍ؛ بل لخلق ضغطٍ داخل غُرف التفاوض، لذلك أعتقد أنّ خيار الحرب غير واردٍ تمامًا.

  • المحرر: بحسب متابعتك، هل ظلتْ مصالح السودان الوطنية المتمثّلة في أمن السودان المائي مغلّبة لدى المسؤولين والمفاوضين السودانيين؟ هذا بالطبع بالنظر إلى الاتجاهات التي تقول بأنّ السودان قدّم تنازلاتٍ ظلمته مائيًا هو ودول حوض النيل في اتفاقية 1959.

- المفاوض السوداني ظلّ منذ بداية التفاوض خلال كل هذه السنوات يُغلّب المصلحة الوطنية، لأنّ هذا السد سيُمكّن السودان من استغلال كامل حصته من مياه النيل. السودانُ لديه من حصته حوالي 6 مليارات مترًا مكعب سنويًا، لا يتم استغلالها، لأنّه ليس لديه المواعين الكافية لاستغلالها، ولا يستطيع خزنها في خزّاناته. كانت هذه الكمية تذهب إلى مصر لتخزينها في بُحيرة السد العالي. الآن بعد قيام سد النهضة، السودان يستطيع استغلال هذه الكمية لأنّه يُمكن تخزينها في خزّان سد النهضة واستغلالها فيما بعد.

إحدى سلبيات السد هي أنّ السودان سيفقد بعض المساحات التي تُروى فيضيًا، لكن يُمكن تعويضها من خلال استخدام مضخّات المياه

الأمر الثاني هو أنّ سد النهضة، سيُقلّل من نسبة الإطماء في السدود السودانية، ونسبة الإطماء في قنوات الري، في المشروعات السودانية. هذه لديها إيجابيات وسلبيات. الإيجابي فيها أنّه سيُقلّل تكلفة الري في مشروعات الري السودانية، وسيُقلل عملية تأهيل سدود السودان، بعد كل موسم أمطار، وما يجلب لها من كمية الطمي. وربما يُحوّج السودان استخدام مُخصّباتٍ كيميائية. الأمر الثاني أنّ جريان النهر سيكون في مستوى ثابتْ، ولن يحدث فيه تذبذب.

السلبيات هي أنّ السودان سيفقد بعض المساحات التي تُروى بالري الفيضي، لكن هذه المساحات يُمكن تعويضها من خلال استخدام مضخّات المياه، التي يُمكن أنْ تعمل طوال السنة.

اقرأ/ي أيضًا

زيادة كبيرة في أسعار الصحف السودانية مع استمرار سوء أوضاع الصحفيين

حوار| المستشار الاقتصادي لحمدوك يجيب على أسئلة ما بعد مؤتمر شركاء السودان