قبل ساعاتٍ قليلة من التوقيع على اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية بعاصمة جنوب السودان جوبا، يُجيب عضو مجلس السيادة الانتقالي، الناطق باسم وفد الحكومة المفاوض، محمد حسن التعايشي، على جملة من الأسئلة عن الاتفاق، وما الجديد فيه من مكاسب للسودانيين. مع التطرق لبعض المخاوف فيه.
التعايشي: هذا الاتفاق حوّل فكرة تحقيق السلام إلى فكرة بناء اتفاق تنمية
-
تمّ التوقيع المبدئي على اتفاقية السلام، وكان من المتوقع أنْ يتم شرحه للسودانيين؛ لماذا لم يحدث ذلك بالقدر الذي يُعرّف السودانيين بالاتفاقية؟
اقرأ/ي أيضًا: حمدوك يصل جوبا ويتوقع حضور قادة الحركات المسلحة إلى الخرطوم قريبًا
- لطبيعة تركيبة هذه الاتفاقية، يحتاج الأمر إلى وقت، وإلى خطة إعلامية كبيرة من أجل تبصير المواطنين السودانيين بالمكاسب، أو الصورة العامة لهذه الاتفاقية. ليس من السهولة أن يتعرف السودانيون على اتفاقية السلام والمكاسب التي حققتها هذه الاتفاقية، إلا إذا اتفقنا على تصميم حملة وطنية كبيرة تُساهم فيها مؤسسات الحكومة الإعلامية، ومؤسسات الإعلام في القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني لإدارة عمل إعلامي ضخم يكون نتيجته التبصير بهذا الاتفاقية.
-
بشكلٍ مباشر، ما هي أبرز مكاسب هذه الاتفاقية؟
- أستطيع أن أجمل أهم المكاسب لهذه الاتفاقية في جملة من الموضوعات الأساسية، أولها أن هذا الاتفاق حوّل فكرة تحقيق السلام إلى فكرة بناء اتفاق تنمية. وفي مجمله هو اتفاق تنمية، عالج قضايا التنمية الاقتصادية وإزالة آثار الحرب وإزالة التشوهات في التنمية غير المتوازن التي لازمت السودان خلال فترة طويلة.
اتبع في الاتفاقية منهج سيطلع عليه السودانيون، وهو كيفية معالجة ذلك التفاوت التنموي، وتحديدًا في مناطق النزاع، تأسيسًا على فكرة الفقر وسط المجتمعات، وكيفية تحول هذه المجتمعات الأكثر فقرًا إلى مجتمعات تصل إلى مستوى معقول من الفقر مع الآخرين، وبالتالي واحدة من مكاسب هذه الاتفاقية أنها اتفاقية تنمية.
-
بجانب أنها كما أسميتها اتفاقية تنمية، هل من مكاسب أخرى؟
- هذه الاتفاقية عالجت كل القضايا المرتبطة بالتخلف الاقتصادي والتنموي، في مناطق السودان المختلفة. الأراضي، التنمية الاقتصادية، تنمية قطاعات مهملة مثل الرعاة والرُحّل. ثانيًا: الاتفاقية أقرت مبدأ قسمة الموارد في السودان، وهذه مبادئ تتوافق مع شروط الألفية المتوازنة. وبناء على ذلك تم الاتفاق على مؤسسات وهياكل هي التي تحول قسمة الموارد إلى أمر مستدام غير مرتبط بفترة زمنية معينة. ثالثًا، هذه الاتفاقية اتفاقية حقوق أقرت جميع الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية، والمنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. الحقوق الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالنازحين وعودتهم إلى مناطقهم. الحقوق المرتبطة بالأرض على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. والحقوق المرتبطة بالعدالة الانتقالية، والمهجرين من مناطق في شمال السودان مثل السدود.
هذه الاتفاقية بجانب أنها اتفاقية تنمية هي كذلك اتفاقية حقوق، ومعظم الحقوق التي أقرتها هذه الاتفاقية هي عبارة عن حقوق مهضومة. وهضم الحقوق واحدة من الأسباب الأساسية التي قادت إلى الحرب منذ العام 1955.
رابعًا: هذه الاتفاقية هي اتفاقية بناء على أسس الدولة بإقرارها نظام الحكم الفيدرالي، وعمدت على تقسيم إداري للسودان إلى ثمانية أقاليم. ونصت على سلطات الأقاليم الثمانية، وأقرت إقامة مؤتمر للحكم والإدارة يُفصّل في مستويات الحكم وهياكل الحكم، وطبيعة سلطات الحكم بما في ذلك سلطات الحكم المحلية.
هذه الاتفاقية أقرت الهيكل للسودان الديمقراطي، وأقرت جميع الأجندة التي تصلح لأن تكون أجندة بناء المشروع الوطني، مثل قضايا محاربة العنصرية، والنازحين والبناء الوطني والهوية وعلاقة الدين بالدولة وبناء وإصلاح المؤسسة العسكرية وغيرها.
-
إلى أي مدى تعتقد بأنّ اعتماد المسارات الجغرافية في التفاوض خصم منه، بالمقارنة لو تمّ التفاوض مع المجموعات المسلحة، أو قضاياها؟
- أولًا، تقسيم الاتفاق إلى مسارات بسبب مستويين: المستوى الأول مستوى المسارات وهو الذي يتم فيه مناقشة الإشكالات التي سببتها الحرب في مناطق دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. والإشكالات التي أفرزتها الإدارة غير الرشيدة للموارد، والمشاركة غير العادلة للسلطة في مناطق مثل شرق السودان.
المسارات أقرها مبدأ إهمال القضايا التي يفترض مناقشتها من الحكومة الوطنية في مناطق سودانية كثيرة، مثل قضايا اللغات والتعدد اللغوي، والسدود والتهجير والأراضي وغيرها. هذه القضايا من ناحية مبدئية إقرار المسارات لمعالجة هذه، لطبيعة القضايا في إطارها ذو الطابع الخاص، لكنها في ذات الوقت، الاتفاقية أقرت القضايا القومية التي يناقش فيها كل المسارات. وهذه القضايا التي تخص كل السودان، ومرتبطة بجذور المشاكل التي قادت إلى الحرب.
المسارات بالأساس مرتبطة بإفرازات الحرب، وبالتالي يجب أن يُفهم المنهج للمسارات على أساس أنه منهج قسم قضايا البلاد إلى مستويين: مستوى القضايا القومية، التي تُناقش فيها كل القضايا. ومستوى القضايا ذات الخصوصية.
بالمناسبة المسارات لم تهمل القضايا القومية، والقضايا القومية لم تهمل قضايا المسارات، لكن هناك سبب سياسي للمسارات. المسارات ليست المنهج الوحيد لمعالجة هذه القضايا، يمكن معالجتها بمنهج غير المسارات، لكن هناك سبب سياسي، وهو طبيعة تركيبة قوى الكفاح المسلح، والتحالفات للجبهة الثورية، هي التي جعلت من موضوع المسارات الطريق الوحيد الذي تستطيع أن تعالج فيه تناقضات القوى المكونة لعملية السلام من ناحية، وطبيعة تعدد القضايا المطروحة مثل قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق في منبر واحد، وقضايا دارفور وشرق السودان في منبر واحد.
-
تُريد القول بأنّ السبب في المسارات سياسي، وليس سببًا آخر؟
- المسارات لها أسباب سياسية، ولها أسبابها الأخرى. المسارات منهج يُوصلنا لاتفاق سلام يكون عالجنا فيه قضايا الحرب والسلام.
-
الاتفاقية سينتج عنها إعادة هيكلة للحكومة ومجلسها السيادي، وصولًا إلى المجلس التشريعي الانتقالي نفسه؛ ما الذي عالجته الاتفاقية ولم يكن موجودًا في الوثيقة الدستورية؟
- هنا الموضوع له علاقة باتفاقية السلام والوثيقة الدستورية. الوثيقة الدستورية نفسها لم تُهمل هذه العلاقة، نصت على أن تُضمن اتفاقية السلام في الوثيقة الدستورية. صحيح أن الوثيقة الدستورية نصت على تضمين اتفاقية السلام، وفقًا لأحكام الوثيقة نفسها. لكنها في ذات الوقت لم تهمل أن هناك اتفاق سلام سيأتي لاحقًا، وهذه الاتفاقية يجب أن يتم تضمينها في الوثيقة الدستورية.
الوثيقة الدستورية كذلك، نصت على مبادئ أساسية وهي وجوب البحث عن أسباب السلام، ومنها مخاطبة جذور الأزمة ومعالجة إفرازات الحرب في مناطق النازحين واللاجئين وغيرها. بالإضافة إلى مبادئ أخرى يمكن الرجوع إليها في الفقرة الخاصة بالسلام.
الوثيقة الدستورية في الكثير من الأحيان، وبالذات في السياقات التي لديها علاقة بنظام الحكم سكتت عن ذلك. مثلًا، هل يكون الحكم في السودان فيدرالي أم مركزي؟ وهل مستويات الحكم الفيدرالي أو المركزي ستكون ولايات أم أقاليم؟ الوثيقة الدستورية لم تُحدد هياكل الحكم الولائي، ولغت دستور 2005، الذي نص على سلطات الولايات، لكنها لم تضمن سلطات الولايات في الوثيقة الدستورية. اتفاقية السلام عالجت كل هذه القضايا، وبالتالي أصبحت القضايا التي عالجتها الاتفاقية؛ تضمن في الوثيقة الدستورية، ولذلك القضايا التي تُركت فيها ولم تتم الإجابة عليها، أجابت عليها اتفاقية السلام.
-
ما هي التعديلات التي ستطرأ بشكل مباشر على هياكل الحكم، عقب التوقيع على الاتفاقية؟
- في قضية المشاركة في السلطة، الوثيقة الدستورية قامت على أساس المشاركة بين الحرية والتغيير، وبين المكون العسكري. وأقر طرف ثالث جزء منه عضو في الحرية والتغيير، وجزء آخر ليس عضوًا في الحرية والتغيير. وبالتالي أسميناهم أطراف السلام، وهي أطراف شملت مجموعات أكبر من الجبهة الثورية، ومجموعات لم تكن جزءًا من الحرية والتغيير.
اقرأ/ي أيضًا: "أوتشا": 80% من الأطفال في مناطق الفيضانات فقدوا الوثائق الرسمية
مشاركة هؤلاء الناس اقتضى في المجلس السيادي أن يحدث تعديل بدلًا من 11 عضوًا، سيكونوا: 14 عضوًا بإضافة ثلاثة أعضاء. الوثيقة الدستورية سيحدث لها موائمة بينها وبين اتفاقية السلام. وإذا حدث أي تعارض بينهما تُغيّر الوثيقة الدستورية بالطريقة التي أقرتها الوثيقة الدستورية نفسها، لكي تُضمّن اتفاقية السلام.
عضو مجلس السيادة: تعديل الوثيقة الدستورية لا يعني خرقها. فهي ليست وثيقة صماء
-
ألا يُعد ذلك خرقًا؟
- لا يُعد خرقًا، الخرق أن تمارس فعل يُخالف ما نصت عليه الوثيقة الدستورية. أما مسألة تعديل الوثيقة الدستورية لا يعني خرقها. فهي ليست وثيقة صماء، لكنها مرنة إذا رأى الأطراف أن يُعدلوها بالطريقة التي أقرتها الوثيقة نفسها، وعليه هناك فرق كبير بين الخرق، وبين التعديل. ما سيتم ليس خرقًا، وإنما تعديل.
اقرأ/ي أيضًا