22-يناير-2021

عضو مجلس السيادة وقائد ميليشا الدعم السريع (السوداني)

يستغرب العديد من المراقبين للشأن السوداني حالة الولع التي تعتري عضو مجلس السيادة وقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بالحديث إلى الحشود عن ما يعتبره زلة ومنقصة في حق أعضاء الحكومة التي هو جزء منها، حالة أصبحت ملازمة للرجل في حله وترحاله، ما من حشد التقاه إلا وتحدث إليه سلبًا عن أشخاص لا يجرؤ أو يتحمس لتسميتهم بأسمائهم حتى يعلمهم الناس، لكنك تجده أشد حماسًا لنشر الغسيل القذر لهؤلاء السياسيين المفترضين.

عقب مأساة اغتيال الشهيد بهاء نوري التزم حميدتي الصمت ولم يفتح الله عليه بحرف واحد، ضربت عليه الذلة والمسكنة وباء بغضب من الشعب

الجنرال في عزلته

في بداية الانقلاب الفاشل للجنة الأمنية للمخلوع البشير، وعقب مجزرة فض الاعتصام في 3 حزيران/ يونيو 2019، انتشى دقلو بحجم الحشود من المواطنين المدفوعة بالخوف أو الطمع، التي كان يخاطبها، لكن عقب فشل الانقلاب وتغليب الثوار لكفة موازين القوى، حُجمت أنشطة دقلو الجماهيرية بشكل كبير، وزاد من عزلته كم الجرائم الدموية التي ترتكبها ميليشياته وآخرها جريمة اغتيال الشهيد بهاء نوري تحت التعذيب في بيوت الأشباح التي تديرها استخبارات الدعم السريع سيئة السمعة.

اقرأ/ي أيضًا: لجنة تفكيك التمكين تتهم النائب العام بإعاقة عملها

فجرت حادثة الاغتيال البشع للشهيد بهاء نوري، براكين الغضب في نفوس السودانيين، وأعادت صورة جرائم مليشيات دقلو بدءً بدارفور وليس انتهاء بمجزرة فض الاعتصام، فالتزم الرجل الصمت ولم يفتح الله عليه بحرف واحد، ضربت عليه الذلة والمسكنة وباء بغضب من الشعب، فازداد عزلة على عزلته السابقة، ولأنه يبدو عليه عدم القدرة على التعلم من تجاربه القريبة، استغل مناسبة تخريج فوج من ميليشياته ليخرج على الناس بحديث جديد مشابه لما يتفوه به دومًا من هجاء شركائه في الحكم، متحدثًا عن سياسيين اثنين، يقول إنهم أتيا إليه يخطبان وده قبيل سقوط رئيسه المخلوع، ظنًا منه أن ذلك ينتقص من قيمتهما أو يصمهما بالخيانة.

سوء تقدير وطوية

ليس وحده سوء تقدير وتدبير الأمور هو ما يحمل دقلو على الاعتقاد بأن حديثه عن محاولة السياسيين المعارضين آنذاك تحييده في المعركة ضد المخلوع البشير أمر خارج عن العرف والمألوف ويدخل في باب الذم والانتقاص من قدر أولئك السياسيين.

وسوء تقدير دقلو للأمور هو كذلك نابع عن جهل بالتاريخ والتجارب، فالقوى السياسية المعارضة في لحظات احتدام معاركها ضد النظم الديكتاتورية، وفي خضم ثوراتها، لا تقتصر محاولاتها لتيسير سقوط النظام على الحديث إلى قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية فقط من أجل تحييدهم أو استمالتهم إلى صفها، بل إن الأمر يصل بها في كثير من الأحيان إلى تقديم مخارج آمنة للديكتاتور نفسه والحلقة المقربة من رموز نظامه، وأمامنا تجارب في هذا الأمر ليست بعيدة جرت في بلدان أمريكا اللاتينية تضمنت توفير المخارج الأمن للديكتاتور المذعور من ثورة الشعب، والذي يُخشى أن يحمله ذعره على المزيد من الإصرار في التمسك بالسلطة بما يتسبب في زيادة تكلفة التغيير، هنا يقدم مفاوضون من قادة الأحزاب السياسية المعارضة أو المقربة من السلطة الفرصة للجنرال لمغادرة البلاد مع عائلته ووعود غير مؤكدة بعدم الملاحقة القانونية، وقد ساهم هذا المسلك الوعر في سياسة انتقال السلطة، في توفير نوافير الدماء التي كانت يمكن أن تدفع حال تمسك الديكتاتور بكرسيه ولم يجد مخرجًا من ورطته.

والحال كذلك، ليست القوى السياسية التي ذهبت إلى دقلو لتدعوه إلى الحياد بأكثر منه حوجة لأن يكون محايدًا في معركة المستبد الخاسرة أمام تيار الثورة الجارف، فقد كان دقلو في أمس الحوجة لمثل هذا النوع من العروض، فهو بتاريخه الدموي ووقوفه على رأس زبانية وجلادي النظام الوحشيين، كان يحتاج إلى من سبهم وذم صنيعهم الآن أكثر من حوجة متسول معوز لا يجد لقمة يسد بها رمقه، إذًا فهو الجهل بالتجارب وتصاريف الأمور ما يحمله على اعتبار الأمر من الفظائع التي يجب أن يزم بها فاعلها.

كان حميدتي وما يزال في المعسكر المعادي للثورة، وسيظل كذلك لعدم قدرته على التعلم من تجاربه أو تجارب الغير

لكن بخلاف الجهل، فإن ما يحمل دقلو إلى إدخال خطوة تحييده بواسطة السياسيين في باب الخيانة هو سوء طويته، ونظرته إلى ذاته حتى هذه اللحظة على أنه ما يزال في المعسكر المعادي للثورة، وهو بالفعل كذلك، فهو معادٍ للثورة وأهدافها في نظر جميع الثوار، لكن ماله على الرغم من ادعاءاته الزائفة ليس بمقدوره أن يصدق نفسه؟ فينظر إلى محاولاته تحييده على أنها خيانة للثورة ومذمة لمن يقوم بها؟ والجواب هو أنه كان وما يزال حتى اليوم في المعسكر المعادي للثورة، وسيظل كذلك لعدم قدرته على التعلم من تجارب الغير أو حتى من تجاربه هو الخاصة القريبة العهد.

تكتيكات وعقلية قائد المليشيا

شاهد آخر على عدم دراية دقلو بشؤون السياسة والحكم، هو عدم قدرته على الاستثمار في موقفه شبه الحيادي في الساعات الأخيرة من عمر النظام البائد، لم يجن الرجل أي فائدة تذكر من ذلك الموقف، بل ظل مرارًا وتكرارًا يتكلف الخسائر تلو الأخرى كلما أصر على التورط في الشأن السياسي العام بعقلية قائد المليشيا، ظانًا منه أنه بذلك سيكتسب صورة البطل والمنقذ بينما ستنظر الجماهير إلى شركائه في الحكم على أنهم فاشلين، بينما الحقيقة التي لا يرغب الرجل في إدراكها هي أن تكتيكاته التي يتبعها في تبييض صورته مقابل تسويد صورة شركائه في الحكومة بواسطة الروايات غير الموثقة التي يستمر في بثها دون ملل، صارت مكشوفة للقاصي والداني، بل وصارت تجلب عليه نقمة وغضب الرأي العام، وتزيد من قوة وجدية مطالبات الشعب بتحجيم دور قواته وتسريع دمجها والتحقيق في امبراطوريته التي بناها بممارسات جميعها يدخل في طائلة الجرائم التي يعاقب عليها القانون.

إن مستشاري دقلو لا يكتفون فقط بجعله يتنكب السبيل بمناسبة وبغير مناسبة، وإنما يسوقونه إلى لعبة نهاياتها أقل ما توصف بأنها كارثية ومدمرة له، فكلما توغل الرجل في طريق لعبته المكشوفة بإظهار مواطن ضعف شركائه وخائضًا في كيل الانتقادات لهم صباح مساء، متناسيًا أنه يتحدث عن حكومة هو جزء منها وممسك بالعديد من مفاتيحها كطفل صغير يأبى إلا أن يكدس اللعب أمامه ويحتكرها وحده ومع ذلك يصر على البكاء والنواح، فهو بذلك يسلك طريقًا يصعب الرجوع عنه، بينما نهايته تصبح أكثر وضوحًا كلما أصر على إفساد الأجواء؛ الخروج من اللعبة وبشكل نهائي، لكن لا يبدو أنه هو ولا مستشاريه مدركين لهذه النهاية.

إذًا ما العمل؟

من المجدي لحميدتي ومن حوله التفكير وبشكل سريع في تغيير استراتيجيتهم للتعامل مع وجوده في منصب سياسي، ضمن تحالف ينشد تحقيق انتقال ديمقراطي سلس، بينما يتناقض مع هذا الهدف حقيقة أنه قائد لمليشيا يتعارض وجودها بشكل مستقل عن الجيش السوداني، مع استحقاقات الانتقال الديمقراطي المنشود، خصوصًا وأن الانتقال الديمقراطي الذي يسعى السودانيون لتحقيقه لم يعد شأنًا سودانيًا صرفًا، بل صار أمرًا يعني العديد من الأطراف الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.

عدم الإلمام بهذه النظرة الشاملة لوضع السودان ومستقبله، ووضعية حميدتي المتناقضة كجزء من حكومة يناط بها تحقيق الانتقال وبينما هو قائد مليشيا في ذات الوقت، هي ما يدفعه للقفز على الحبال ومحاولة لعب أدوار مكشوفة وادعاء مواقف مزيفة، وممارسة سياسة المن والأذى على الشعب، بينما ما يقوم به هو جزء قليل من المهام الموكلة إليه بحكم موقعه الذي ارتضاه في الحكومة، كل ذلك يساهم أكثر في إظهار تناقضاته وتضارب مصالحه مع الانتقال الديمقراطي.

مهما كان سوء أداء المدنيين في الحكومة، فهو ليس أسوأ من أداء حميدتي الذي يحلم أن يساهم في الانتقال الديمقراطي ويحتفظ بميليشياته في ذات الوقت

فبدلًا من الإصرار على الحديث عن مكنونات ضمائر شركائه المدنيين وموقفهم من الديمقراطية، وأنهم لا يرغبون فيها، كأنما صار عالمًا للغيب ويعلم السر وأخفى، على حميدتي أن يذهب للمبادرة بالعمل مع هؤلاء الشركاء لإصلاح وهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية ودمج قواته ضمنها بشكل يكسبها شرعية القوات المسلحة السودانية، فمهما كان سوء أداء المدنيين في الحكومة الحالية وفي أي حكومة أخرى، فهو ليس أسوأ من أداء قائد ميليشيا في مقعد رجل دولة وحكم يحلم بأن يساهم في تحقق الانتقال الديمقراطي ويصر أن يبقي على ميليشياته في ذات الوقت.

اقرأ/ي أيضًا

قرار بتنظيم أسعار الخبز المدعوم بالخرطوم واحتجاجات على القرار

الحرية والتغيير: الوزارات التي طلبها حزب الأمة كثيرة والتمثيل ليس بالأوزان