21-نوفمبر-2020

(الشرق الأوسط)

خلال عامٍ كامل، لم تتوقف الشكوى والتحذيرات عن بوادر انهيار النظام الصحي بالبلاد، الجدير بالذكر إن الشكوى هذه المرة، تأتي من الكادر الطبي نفسه، حيث شهدت ولاية الخرطوم خلال الأشهر المنصرمة وقفات احتجاجية ودعوات متفرقة للإضطراب، رصد "ألترا سودان" ملامح عن النظام الصحي الحالي وطرح اسئلة على المختصين.

اقرأ/ي أيضًا: بعد مضي أشهر على تعيينه نائبًا لسلفا كير..الغموض لا يزال يكتنف وضعية مشار

أزمات صحية متكررة

زادت أسعار الدواء المستورد بنسبة (100)% والدواء المحلي بنسبة (200)%

أشار نائب أخصائي العظام بمستشفى بحري سعد النور، إلى أن المشكلة تبدأ مع أوضاع الأطباء أنفسهم، وتلاحظ في الدعوات المتكررة للإضراب، نسبة لزيادة تكاليف المعيشة وضعف الأجور، حيث لا تزال الكوادر الطبية تعاني من عدم الحصول على المستحقات المالية أبان عملها في الموجه الأولى لكوفيد-19، واستطرد: "نحن نتحدث عن عامٍ كاملٍ في ظل غياب الدواء، وتردي الوضع الصحي"، مضيفًا أن الانهيار الصحي لا يعني بالضرورة غلق المراكز الطبية، وإنما وجود مراكز لا تعمل، وتحويل الولايات للمرضى إلى الخرطوم لعدم توفر أدوية تخدير يعد انهيارًا، والحل يكمن في ضرورة وجود "هارموني" بين وزارة الصحة والعمل والمالية، يقول النور متابعًا: "نجد أن أغلب الكادر الطبي يعمل بتعاقد داخلي، ومن الممكن أن يعتذر عن العمل في أي وقت".

وطالب النور بمراجعة قانون الخدمة المدنية للمجال الطبي، وجعل الصحة من أولويات الدولة وتأمين الكوادر الطبية من الإعتداءات المتكررة، لأن قضية تأمين الكادر الطبي مدفوعة الأجر يتحملها القطاع الصحي، وتقدر القيمة التي تدفع للتأمين بـ(100) مليون جنيه.

انعدام الدواء وزيادة أسعاره

من جانبها، قالت شعبة مستوردي الأدوية في بيانٍ صادر في الأيام المنصرمة، إن أزمة الدواء تتمثل في عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية، لقيمة الدعم المقدرة بـ(6) مليارات جنيه شهريهًا لاستيراد دواء بقيمة (30) مليون دولار، وأكدت الشعبة أن عملية الاستيراد ستتوقف تلقائيًا بعد منتصف العام المقبل، وستكون في حاجة لعدة أشهر من أجل استعادة إمداد دوائي مستقر.

وتعليقًا على أزمة الدواء والوضع الصحي، يفيد عضو اللجنة التمهيدية لأصحاب الصيدليات، مالك علي، أنه خلال كانون الثاني/يناير صدر قرار من زارة المالية بإلغاء حصيلة الصادر، وكانت (10%) من حصيلة الصادر تذهب للدواء، وتغطي (70)% من حوجة استيراد الدواء، وأضاف: "لذلك يجوز لنا القول أنه قبل هذا التاريخ لم تكن ثمة أزمة دوائية كبيرة". وقال إنه بعد صدور هذا القرار، أصبحت الشركات تشتري الدواء بسعر الدولار بالسوق السوداء، والدولة من جانبها تلزم بالبيع بالسعر الحكومي، لذلك أحجمت الشركات عن البيع وأضطر البعض للبيع "تحت الطاولة" بسعر الدولار الحر، وعند مطالبة الحكومة بتوفير الدولار يأتي الرد بأنها لا تملكه. وأكد علي أنهم جلسوا في اجتماعات موسعة مع وزيرة المالية المكلفة، وعضو اللجنة العليا للطوارئ الصحية صديق تاور، ووزير الصحة المكلف، وقال: "طالبنا بتوفير الدولار أو تحرير سعر الدواء الذي نعده خيارًا بمثابة جريمة في حق المواطن، إلا في حال وجود تأمين صحي فاعل وكامل".

حصيلة اللقاءات مع الحكومة

يسرد مالك ما حدث بعدها، قائلًا: "في بداية نيسان/أبريل صدر قرار بإعادة نسبة الصادر للدواء، وبعد أسبوع واحد تم إلغاء القرار، وتجددت الأزمة". مضيفًا، إنهم قاموا بالتصعيد بالتعاون مع تجمع الصيادلة المهنيين، واللجنة المركزية للصيادلة، وغرفة مستوردي الأدوية، وتحالف الوفرة الدوائية، وقاموا بعمل ثلاثة وقفات احتجاجية أمام وزارة الصحة، لكن، لم تحل المشكلة. واستطرد قائلًا: "مصنعي الأدوية قاموا بزيادة الدواء بنسبة (100)% قبل شهرين، وزاد الدواء المحلي بنسبة (200)%". وتابع: "الأدوية المنقذة للحياة تكاد تكون معدومة في الوقت الحالي، ولا نزال نقف في هذه المحطة".

تعطل الخدمة الصحية

ساهم الاستقطاب السياسي الحاد، بين الكيانات الطبية في تعطيل المشاريع التي تخدم المواطن

في سياق متصل، عدد مساعد المدير العام للطوارئ والإصابات بمستشفى بحري سابقًا، محمد آدم كوكو الأسباب وراء انهيار المنظومة الصحية بالقول: "نسبة الكوادر الطبية في المستشفى العام تشهد انخفاضًا ملحوظًا على حساب المستشفيات الخاصة، بسبب العامل الاقتصادي وضعف المرتبات، إضافة لضعف الدعم الحكومي المقدم من وزارة الصحة للمستشفيات الحكومية"، وقال إن وزارة الصحة ولاية الخرطوم تسير العمل بما يقدر بـ(75) مليون جنيه، وتوجد (52) مستشفىً حكوميًا، كما أن البيئة داخل المستشفيات طاردة للكوادر الطبية، حيث لا توجد معينات للعمل، وغياب منظمومة عمل واضحة وجديدة، وهي منظومة موروثة النظام البائد، الذي يعمل على تحويل المريض من المستشفى الحكومي إلى الخاص، وبالتالي توفرت الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة على حساب الحكومية، وهو نظام يهدف للتمهيد للحكومة أن برفع يدها عن دعم الصحة، يقول كوكو.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| قيادية بقوى تحرير السودان: نسعى لتمكين المرأة من خلال اتفاقية السلام

من جانب آخر، ألمح كوكو إلى أهمية الدور الذي يلعبه الاستقطاب السياسي الحاد، بين الكيانات الطبية، والذي ساهم في تعطيل كل المشاريع التي تخدم المواطن. وقال: "مستشفى بحري وأم درمان تعرضا للإغلاق فترة طويلة من الزمن، مع ذلك، نلاحظ صمت الجميع تجاه هذا الإغلاق، ما عدا علو أصوات من تسببوا فيه"، وأضاف: "لم نسمع شكاوى، مما يدل على أن الإغلاق كان أداة سياسية"، وأردف بالقول إن المستشفيات لا يمكنها العمل في ظل نقص الدعم الحكومي، بينما الكوادر الطبية نفسها غير مدربة، وسرد عدة تجارب أدت لتعطيل عددًا من الأجهزة الطبية لعدم مقدرة الكوادر على التعامل معها، وأكد إن ما يحدث هو نتاج ثورة التعليم العالي، لأن هناك عددًا من الأطباء يحملون الشهادات دون وجود تدريب كافٍ.

وكشف كوكو عن قصور في التعامل مع جائحة كوفيد-19، قائلًا إن المجلس الطبي لم يقم بدوره في مراقبة العمل، ولم يتخذ إجراءات قانونية تجاه الأطباء الذين عزفوا عن العمل في مراكز العزل، تخوفًا من العدوى. وقال إن نسبة الوفيات في طوارئ مستشفى بحري خلال الأشهر المنصرمة بلغت (6,5) من مجموع أربعة آلاف مريض، بينما كانت قبل أزمة كرونا كان هناك أكثر من عشرة آلاف مريض وكانت نسبة الوفاة (1,1) وتعود الأسباب بحسب كوكو إلى عمل جميع المستشفيات آنذاك، بينما خلال الأزمة يعاني المريض للوصول للخدمة الطبية، لافتًا إلى قضية الدولار ودورها في تفاقم الوضع الصحي بالبلاد، وقال: "المريض يشتري أنبوبة التنفس بغرض التخدير، لأنها متواجدة في السوق الأسود، والمستشفى لا يستطيع توفيرها من ميزانيته المحدودة".

عزوف عن العمل

وقالت المدير الطبي العام لمستشفى أم درمان، نهى على عبد الرحمن، إن المشفى يعانى من قلة الكوادر الطبية، وتوجد مشكلة في قسم الحوادث والطوارئ، الذي يجب أن يعمل يوميًا بسعة (60) طبيبًا، بينما يعمل فيه حاليًا ثمانية أطباء، وتابعت: "على الرغم من إن وزارة الصحة فتحت باب التوظيف للكوادر الطبية، إلا أن الإقبال ضعيف، وترجع نهى الأسباب إلى ضعف العائد المادي، وتابعت أن الدخل المادي للكوادر ضعيف لا يساعد على تقديم الخدمة". وقالت إن المستشفى لا يوجد به ترحيل للكوادر، وتبلغ تكلفة فترة العمل الواحدة لمدة (24) ساعة (2500) جنيه".

نهى عبد الرحمن: معظم الكوادر التي سبق لها العمل في جائحة كورونا فقدت الثقة الوزارة، لأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية

وأكدت المدير الطبي، وجود تكدس بالمستشفى لأن وزارة الصحة غير قادرة على الإيفاء بالالتزامات المالية، وكشفت لـ"ألترا سودان" عن وجود مركز عزل مؤهل بسعة (60) سرير، إلا إنه لا يعمل بطاقته الكاملة، لأن الكوادر التي سبق لها العمل فقدت الثقة في وزارة الصحة، ولم يحصلوا على المستحقات المالية التي يعود بعضها لشهر تموز/يوليو المنصرم. وأضافت أن المستشفى يقدم وجبات ضعيفة: "فول، عدس" لضمان استمرارية العمل. وبحسب نهى فأن المرضى يواجهون معاناة يومية في الحصول على الدواء، وأدى عدم تمليك المعلومات من الإمدادات الطبية ووزارة الصحة إلى تفاقم الأزمة الصحية.

اقرأ/ي أيضًا

محافظ مشروع الجزيرة: آليات إزالة الأطماء والحشائش لا تتناسب وحجم العمل

ضغوط من مدنيين وعسكريين لحل لجنة تفكيك التمكين