13-نوفمبر-2019

كير ومشار وموسفيني والبرهان في قمة التأجيل الأخيرة بأوغندا (Getty)

يمثل قرار قمة (عنتبي) والقاضي بتمديد عمر الفترة الانتقالية بدولة جنوب السودان لفترة (100) يوم إضافية، آخر المحاولات التي تقوم بها القوى الإقليمية لإنقاذ الدولة الفتية من خطر الانزلاق مجددًا إلى أتون الصراعات والاقتتال الداخلي، بسبب فشل الحكومة والمعارضة في الاتفاق على قضيتي الولايات وتنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية خلال فترة الـ(17) شهرًا المنصرمة التي أعقبت توقيع اتفاق السلام في أيلول/سبتمبر 2018، وذلك بسب انعدام الإرادة الحقيقية لإحداث التحولات الضرورية والإصلاحات المطلوبة بالبلاد.

تعلم حكومة كير أن المعارضة المسلحة بقيادة مشار بقدراتها السياسية والعسكرية يصعب تجاوزها في تكوين الحكومة الانتقالية

وكانت الحكومة برئاسة الرئيس كير تتمسك بضرورة إعلان حكومة انتقالية جديدة في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري حتي تستطيع تجاوز حالة الضغط الداخلي الكثيف الذي تعيشه من قبل المجموعات السياسية الموالية لها من القوى السياسية الموقعة على اتفاقية السلام، خاصة الجماعات التي انسلخت من تحالفات المعارضة وتتصارع الآن على المناصب التي حددتها الاتفاقية على مستوى مؤسسة الرئاسة والجهاز التنفيذي القومي والبرلمان القومي والمجالس التشريعية بالولايات، لكنها كانت تعلم أيضا بالقدرات السياسية والعسكرية للمعارضة المسلحة بقيادة ريك مشار والتي يصعب تجاوزها في تكوين الحكومة الانتقالية لأن ذلك يعني ببساطة عودة الأطراف للحرب مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: كير: وافقت على "التمديد" لتجنب عودة الحرب مجددًا في جنوب السودان

وكان الرئيس كير قد أشار إلى ذلك بنفسه حينما قال في تصريحات للصحفيين الأسبوع الفائت بمطار جوبا لدى عودته من اجتماع كمبالا أنه "من الصعب تكوين الحكومة الجديدة دون مشاركة المعارضة المسلحة بقيادة مشار، لأن ذلك سيكون مجرد تغيير روتيني وشكلي".

وبرغم المبررات التي ساقها الرئيس كير وزعيم المعارضة ريك مشار حول موافقتهما على مقترح تمديد عمر الفترة الانتقالية الذي دفعت به القمة التي استضافتها مدينة عنتبي الأوغندية بدعوة من الرئيس موسفيني ومشاركة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلا أن هناك مخاوف حقيقية في الشارع الجنوبي من أن تنقضي فترة التأجيل دون إحراز أي تقدم في الملفات العالقة من اتفاقية السلام.

ويقول بيتر ميان القيادي المعارض ورئيس مجموعة أحزاب "المظلة" الموقعة على اتفاق السلام بدولة جنوب السودان، أن اتفاق الحكومة والمعارضة على تمديد عمر الفترة ما قبل الانتقالية لفترة (100) يوم لن يقود لتحقيق السلام بسبب غياب الإرادة السياسية لديهما، وفشلهما في معالجة القضايا الرئيسية خلال الـ(14) شهرًا المنصرمة.

وقال ميان في تصريحات خص بها "الترا سودان" متسائلًا: "المنطق البسيط يقول إذا فشلت الحكومة والمعارضة في التوصل لحلول حول القضايا العالقة خلال الأشهر الستة الماضية، فكيف لهما حلها خلال مائة يوم؟ مثلما أن التمديد لم يأتي باستراتيجية واضحة لمخاطبة التحديات التي تواجه تنفيذ تلك البنود والقضايا".

اقرأ/ي أيضًا: بيتر ميان: تمديد عمر الحكومة لن يقود لتحقيق السلام في جنوب السودان

ويرى كثير من المحللين أن الالتزامات والتعهدات الشفهية التي ظلت ترددها الأطراف في الحكومة والمعارضة فيما يختص بالدفع باستحقاقات العملية السلمية في الجانب الخاص بالتمويل وإزالة كافة العقبات، لا تمثل ضمانات كافية بحكم التجارب الماضية التي انتهت إلى تمديد عمر الفترة ما قبل الانتقالية لأكثر من مرة -الأولى في أيار/مايو والثانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضيين- وتطالب بعض الأصوات بممارسة المزيد من الضغط على الأطراف الرئيسية من أجل تنفيذ جميع البنود العالقة خلال مهلة المئة يوم المقبلة.

ويقول جيمس أوكوك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا أن تمديد عمر الفترة الانتقالية في جنوب السودان لمدة مائة يوم يعتبر الفرصة الأخيرة أمام رئيس الجمهورية سلفا كير ميارديت وزعيم المتمردين ريك مشار لتنفيذ اتفاقية السلام، مبينًا أنهما سيواجهان عقوبات دولية حال فشلهما في القيام بذلك.

وشدد أوكوك في تصريحات لـ"الترا سودان بالقول: "أن تمديد عمر الفترة الانتقالية يمثل الفرصة الأخيرة أمام الرئيس كير وزعيم المعارضة ريك مشار لإظهار جديتهما في تنفيذ الاتفاقية، لأنهما إن فشلا هذه المرة فسيواجهان عقوبات مباشرة من المجتمع الدولي، وهذه المرة لن تقع العقوبات على صغار القادة".

وطالب أوكوك شعب جنوب السودان بممارسة المزيد من الضغط على الأطراف لتنفيذ التزاماتهم تجاه عملية السلام، خاصة في الجانب المتعلق بتوفير التمويل اللازم لتجميع القوات وتدريبها كما هو منصوص عليه في بند الترتيبات الأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان: اتفاق على تأجيل إعلان الحكومة الانتقالية لثلاثة أشهر أخرى

وبالنسبة للمجتمع الدولي فان استعادة ثقة المواطنين في العملية السلمية هي المحك الرئيسي أمام أطراف عملية السلام بدولة جنوب السودان، حيث طالبت الترويكا الحكومة والمعارضة بالاستفادة من مهلة المائة يوم وتنزيل كافة بنود الاتفاقية على أرض الواقع لضمان عودة السلام والاستقرار للبلاد.

وقالت "الترويكا" في بيان لها تلقى "الترا سودان" نسخة منه: "من المهم أن تقوم الأطراف باستغلال مهلة الـ(100) يوم بصورة جيدة، عبر تنفيذ القضايا والبنود العالقة من اتفاقية السلام، تلك القضايا التي تعيق تكوين حكومة انتقالية للوحدة الوطنية. التقدم للأمام مهم جدًا لأنه يعيد ثقة المواطنين على امتداد البلاد في مجمل العملية السلمية".

يراقب المواطن بجنوب السودان ما يجري من مباحثات متقطعة وتأجيل متكرر بحذر وقلق بالغين، وفي ذاكرته مأساة الحرب الأهلية الأخيرة بين الحكومة والمعارضة. "ماركو سبت" هو سائق مركبة نقل عام بسوق "كونجو كونجو" في العاصمة جوبا، ينظر إلى تأجيل إعلان الحكومة على أنه أمر في غاية الخطورة لأنه يزيد من تعقيد الأوضاع المعيشية الصعبة في جنوب السودان، كما أنه سيفاقم من معاناة المواطنين بالبلاد، مبينًا أن التأجيل سيزيد من استشراء الفساد بين السياسيين الحاليين.

يراقب المواطن بجنوب السودان ما يجري من مباحثات متقطعة وتأجيل متكرر بحذر وقلق بالغين، وفي ذاكرته مأساة الحرب الأهلية الأخيرة

ويضيف قائلا لـ"الترا سودان": "كنت أتمنى تكوين الحكومة في الموعد المحدد دون تأجيل، حتى تقل جرائم السرقة والفساد التي يمارسها الوزراء الحاليون، فبوجود أطراف من المعارضة داخل الحكومة ستقل تلك الأفعال، لكن مع تأجيل الحكومة فإن الوزراء الحاليين سيسعون لعرقلة أي خطوات لتحقيق السلام الذي يرون أنه سياتي خصمًا عليهم وعلى مناصبهم".

 

اقرأ/ي أيضًا

مقتل تسعة مدنيين في هجوم مسلح على منطقة أبيي

كير ومشار يبحثان في كمبالا تنفيذ اتفاق السلام