23-مايو-2024
قصف الطيران الحربي في ولاية الجزيرة

لم تعد الأوضاع الأمنية في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، كما كانت قبل ثلاثة أسابيع. قبل وقت قصير كان يمكن للناس أن يقضوا الاحتياجات في الأسواق والعمل والتنقل، لكن طوال هذا الأسبوع أصبح التحرك والتواجد في أي مكان يشكل خطورة على حياة المدنيين بسبب سقوط القذائف العشوائية التي تطلقها قوات الدعم السريع، لا سيما في معسكرات النزوح.

محلل: فقدان الفاشر يعني فقدان إقليم كردفان

خلال اليومين الماضيين أدت القذائف التي سقطت في بعض الأحياء إلى مقتل نحو (23) شخصًا في مخيم أبوشوك والأحياء الواقعة وسط المدينة قرب الحامية العسكرية.

مساء الأربعاء نعت غرفة طوارئ مخيم أبوشوك المتطوعة في المستشفى الجنوبي بالفاشر ساجدة عبد المولى، والتي توفيت إثر رصاصة طائشة أثناء تأديتها للواجب الإنساني بالمستشفى.

لم تكن الفاشر بمنأى عن الحرب التي اندلعت في السودان منتصف نيسان/أبريل 2023، لكنها كانت الأكثر استقرارًا بين مدن إقليم دارفور. ومنذ اندلاع الحرب، لم تكثف الدعم السريع الهجمات العسكرية كما هو الحال خلال الشهرين الماضيين، حيث وصلت عدد المعارك العسكرية إلى أكثر من (40) معركة شبه يومية خلال ستين يومًا وفق الناشط محمد دفع الله الذي يشير إلى أن الفاشر تعد المركز الإنساني الوحيد الذي يقع تحت سيطرة الجيش وحركات الكفاح المسلح. وإذا انتقلت الحرب إلى هناك سيفقد الإقليم عنصرًا مهما في تعزيز العمليات الإنسانية لحوالي خمسة ملايين شخص.

في أيلول/سبتمبر 2023 حذر مندوب السودان في الأمم المتحدة دول الإقليم من أن الدعم السريع قد تحول إقليم دارفور مثل "تورا بورا" في أفغانستان في حالة فوضوية كاملة. وقال إن الحرب في إقليم دارفور تهدد بنسف استقرار القرن الأفريقي.

في خضم هذه التحذيرات كان السودان يأمل في تحرك دولي لمحاصرة الحرب في إقليم دارفور، لكن ما حدث أن المجتمع الدولي تجاهل القتال، خاصة في مناطق هشة مثل دارفور وكردفان منذ سنوات عانت من ويلات الاقتتال الأهلي والحرب بين الجيش السوداني والحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، إلى جانب حرب دارفور التي أدت إلى وقوع إبادة جماعية قادت ثلاثة مسؤولين في النظام البائد إلى المحكمة الجنائية الدولية، أبرزهم المخلوع عمر البشير.

يقول محمد بشير العامل الإنساني السابق في منظمة دولية عملت في إقليم دارفور، إن المجتمع الدولي لم يتحرك بما فيه الكفاية لمحاصرة الحرب في مدن بعينها، ولم يكن حريصًا على منع انتقال الشرارة إلى الفاشر.

ويرى بشير في حديث لـ"الترا سودان" أن توغل الدعم السريع إلى مخيم أبو شوك تحدٍ صريح للمجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة، كما أنها بدأت الحصار منذ الشهر الماضي، ومنعت القوافل وأعلنت ذلك على الملأ عبر بيانات منشورة.

وتابع: "ربما حصلت الدعم السريع على تطمينات دولية بعدم المساس بها".

وكانت وزارة الخارجية السودانية اتهمت دولًا بعينها بتوفير الحماية للدعم السريع داخل مجلس الأمن الدولي وإبطال بيان الإدانة بحق هذه القوات التي تحدت تحذيرات دولية بعدم الهجوم على الفاشر.

ومنتصف أيار/مايو الجاري فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية على قائد العمليات في الدعم السريع اللواء عثمان محمد حامد وقائد ولاية وسط دارفور علي يعقوب لأنهما شاركا في مخططات عسكرية للهجوم على الفاشر، وعرضا حياة مليون مدني سوداني للخطر وفق الإجراءات الأميركية.

وفي الشهور الأخيرة يعتمد الجيش على عمليات الإسقاط الجوي في مدينة الفاشر فيما يتعلق بالمؤن والإمدادات العسكرية وتظهر هذه العمليات مدى سوء الأوضاع الأمنية على الطرق البرية.

وحال وقوع الفاشر في خضم الفوضى والحرب فإن هذه المدينة الكبيرة تشكل ضربة قاضية للحكومة القائمة بولاية البحر الأحمر والمدعومة من الجيش، كونها حلقة وصل بين مدن شمال السودان وإقليم دارفور. كما أن الفاشر تعتبر المدينة الوحيدة الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة، والتي تحالفت مع الحركات المسلحة.

يقول المحلل السياسي فيصل محمد أحمد وهو مراقب للحرب في السودان، إن انتقال الحرب إلى الفاشر فعليًا يعني فقدان السيطرة عليها حتى لو كانت الحامية تحت سيطرة الجيش، لأن فقدان السيطرة على الطرق البرية يعني فقدان مركز المناورة والقيادة.

ويعتقد أحمد في حديث لـ"الترا سودان" أن القوات المسلحة والحركات المسلحة بحاجة إلى تكوين قوات خاصة لديها القدرة على فتح الطرق واستعادة المدينة بأكملها خلال الشهرين القادمين.

محلل سياسي: الدعم السريع تستغل صمتًا دوليُا ومن خلال الهجمات اليومية تقوم بإضعاف الوضع العسكري في الفاشر

ويقول أحمد إن الدعم السريع تستغل صمتًا دوليُا ومن خلال الهجمات اليومية تقوم بإضعاف الوضع العسكري في الفاشر قبل أن تقوم بالهجمة القاضية، لأنها لم تتوقف عن حشد المقاتلين من إقليم دارفور ومن خارج الحدود. وتابع: "من المهم أيضًا إغلاق خطوط الإمداد من تشاد وأفريقيا الوسطى وبعض الدول المجاورة".

وحال سيطرة الدعم السريع على الفاشر فإنها قد تسيطر على حدود تمتد من ليبيا إلى تشاد؛ هذا يعني وقوع بلدين مجاورين للسودان ضمن خط إمداد هذه القوات وفق ما يقول محللون عسكريون.

ويوضح محمد فيصل أحمد أن السيطرة على الفاشر تعني السيطرة على كردفان، أما فقدانها يعني العكس تمامًا، بالتالي تطاول أمد الحرب في السودان.