تدهورت الأوضاع الإنسانية بشدة في محلية دار السلام، الواقعة على بُعد (63) كيلومترًا من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حسب رواية شهود العيان وعدد من الفارين من القتال بين الجيش والمشتركة" ضد قوات الدعم السريع.
العمليات العسكرية تحولت بين الطرفين إلى حالة من المد والجزر في مدينة الفاشر
محلية دار السلام بلدة استراتيجية، تعد واحدة من المنافذ الرئيسية لوصول القوافل التجارية إلى الفاشر، رغم تعرضها في بعض الأحيان إلى هجوم من قوات الدعم السريع، إلا أن المعارك الأخيرة شكلت خطرًا على المدنيين، الذين فروا إلى المحليات الآمنة نسبيًا.
تبدو مدينة الفاشر وكأنها كرة مُلتهبة، تنتقل بين أوقات عنيفة وأخرى يشعر خلالها المدنيون بالهدوء مع الحذر من انفراط الأوضاع. فبعد ساعات امتدت إلى ثلثي اليوم، عاشها السكان طوال فترات الظهيرة يوم الأربعاء 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024 بلا دوي مدفعي أو إطلاق رصاص، كما اعتادوا بشكل شبه يومي؛ كسرت تلك الأوقات خلال المساء أصوات المدافع وتحليق الطيران الحربي.
لم تعلق قوات الدعم السريع على دعوات مجلس السلم والأمن الإفريقي للتوقف عن حصار مدينة الفاشر، والذي يستمر منذ نهاية آذار/مارس 2024. شنت خلال هذه الفترة نحو (140) هجومًا.
كما لم تكترث بدعوات مجلس الأمن والولايات المتحدة بإنهاء الحصار العسكري المفروض على مدينة الفاشر، التي يقطنها نحو مليوني شخص يتعرضون إلى خطر النزاع المسلح والهجمات العسكرية، ومنع وصول الإغاثة والقوافل التجارية في كثير من الأحيان بواسطة قوات الدعم السريع، حسب تقارير منظمات إنسانية.
القصف المدفعي القادم من مناطق انتشار قوات الدعم السريع شرق وأجزاء صغيرة شمال المدينة استمر لوقت محدود خلال الساعات الماضية. رغم ذلك، كانت الأسواق تمارس نشاطها بحذر شديد، ولم تلجأ إلى الإغلاق.
كثف الطيران الحربي جولاته في مدينة الفاشر ما بين الإسقاط الجوي للعتاد والسلاح في مقر الفرقة السادسة مشاة التابع للجيش وسط المدينة، كما نفذ غارات جوية يومي الثلاثاء والأربعاء، وأسقط قنابل على مواقع تخص قوات حميدتي.
الفاشر تتشكل من مجتمعات تعمل في التجارة والرعي والزراعة والخدمة المدنية والشرطة والتجارة الحدودية، إلى جانب البنوك ووجود بنية تعليمية من مدارس وجامعات، توقفت جميع هذه المرافق منذ عام ونصف، ولا توجد آمال بشأن عودتها قريبًا.
أما المستشفيات العامة والخاصة، فلم يتبقَّ منها خلال الحرب سوى "السعودي"، الذي تعرض هو الآخر إلى قصف مدفعي. اتهمت السلطات الصحية الدعم السريع بالوقوف وراء إطلاق القذائف الصاروخية. طال القصف المستشفى العسكري لفترات متطاولة، كما هاجمت قوات الدعم السريع المستشفى الجنوبي واضطر للخروج من الخدمة نهائيًا.
لا يزال الوقت مبكرًا لمعرفة مصير مدينة الفاشر مع عملية المد والجزر بين الجيش و"المشتركة" من جهة، ضد قوات الدعم السريع. بينما تمكن الأول في بعض الفترات من التقدم ميدانيًا في الفاشر، إلا أن قوات حميدتي تعاود الهجوم بين الحين والآخر مُلقيةً الكرة إلى ملعب الجيش. ما بين هذا وذاك تتدهور أوضاع المدنيين بشدة، ويفر الناس إلى خارج البلدة. ربما انخفضت وتيرة النزوح خلال الأسبوعين الماضيين مع انحسار الهجمات العنيفة، إلا أن السكان يفتقدون اليقين من بقاء مدينتهم على حالها.
العمليات التي نفذتها القوات المسلحة و"المشتركة" خارج مدينة الفاشر في محلية دار السلام وزرق، الغرض منها إنهاك الدعم السريع في مناطق تستخدمها كممرات لقواتها وعتادها نحو الفاشر. هذا التكتيك إلى حد ما، حسب مراقبين، نجح في إضعاف قوات حميدتي في عاصمة شمال دارفور، لكن لا زال الخطر قائمًا في ذات الوقت من لجوء الدعم السريع إلى خطة جديدة مع تصريحات قائدها الأسبوع الماضي، وحثه المجتمعات على إرسال الشبان لجبهات القتال وإغلاق الباب أمام الحلول السلمية التفاوضية.
بعض النازحين الذين غادروا الفاشر إلى محلية دار السلام عادوا مرة أخرى إلى مخيم زمزم وفقًا للصحفي معمر إبراهيم، بحثًا عن الأمان في أعقاب المعارك الأخيرة بالبلدة الواقعة خارج الفاشر على بُعد (63) كيلومترًا.
تحرك الفارون من محلية دار السلام على الأقدام لساعات طويلة حتى بلغوا مخيم زمزم في الفاشر، بينهم مسنون وأطفال ونساء، اللائي تحولت حياتهن إلى جحيم وفقًا للصحفي معمر إبراهيم، الذي يروي لـ"الترا سودان" من شمال دارفور أوضاع عشرات الآلاف من المواطنين الذين تبدلت حياتهم تمامًا وفقدوا فرص التأمل في الحياة.
يلخص المراقبون والعاملون الإنسانيون الوضع في شمال دارفور بـ"مستنقع العمليات العسكرية" وراء ظهر العالم الذي لم يعد يكترث مع تحولات إقليمية وظهور بؤر جديدة بالأزمة السودانية، متراجعًا عن اهتمام بلغ ذروته قبل شهرين وسرعان ما توارى السودان عن أنظاره.
الحياة في الفاشر ومناطق شمال دارفور الواقعة تحت نيران المعارك يمكن وصفها بالجحيم، حسب روايات الفارين
تقرع النساء اللائي يعرفن شعبيًا بـ"الحكامات" الطبول وسط بعض المجتمعات في إقليم دارفور لحث الرجال وتشجيعهم على الخروج نحو حشود "الفزع" واسترداد الماشية المنهوبة بقوة السلاح. يبدو أن هذه التقاليد نُقلت إلى حرب السودان، خاصة في الإقليم المنكوب الذي لم يبارح فترات الصراع المسلح منذ العام 2002. وما أن أوشك على طي حقبة من العنف حتى اشتعل النزاع في منتصف نيسان/أبريل 2023، ليثير المخاوف من أن هذه الأمور لن تكون كما كانت.
علق حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الذي يقود حركة تحرير السودان المتحالفة مع الجيش، على رغبة قوات الدعم السريع في السيطرة على الفاشر بالسعي نحو إنشاء دولة جديدة في إقليم دارفور بدعم خارجي إقليمي يريد أن يرى دولة جديدة غربي السودان. جاء حديثه منتصف هذا العام مع اشتداد الهجوم على الفاشر.
الحياة في الفاشر ومناطق شمال دارفور الواقعة تحت نيران المعارك يمكن وصفها بالجحيم، حسب روايات الفارين. لا توجد كهرباء ولا مياه نظيفة ولا شبكة اتصالات أو نشاط اقتصادي يدر على السكان المال لشراء الاحتياجات الأساسية. وفي ذات الوقت، تواجه المنظمات الإنسانية مشاكل في نقل المساعدات تتعلق بالتفاهمات بين الطرفين، خاصة قوات الدعم السريع.