الخميس الماضي وبالتزامن مع مواكب مليونية 30 حزيران/ يونيو شنّ الحزب الشيوعي السوداني هجومًا عنيفًا على قيادات الحرية والتغيير (المجلس المركزي).
واتهم بيانٌ صادر عن سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قيادات الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بتجيير حراك الجماهير في مواكب الثلاثين من حزيران/ يونيو لصالح تحسين وتغيير توازن القوى السياسية لمصلحتهم من الصراع الدائر بين أطراف "قوى الهبوط الناعم" بالداخل التي تسعى لتنفيذ ما أسماه البيان "المخطط الإمبريالي" والعودة إلى الشراكة مع العسكريين – وفقًا للبيان.
قيادية بالشيوعي: نرفض ابتزاز الحزب الشيوعي وما ينبه إليه الحزب أخطر من أن يتم تجاوزه بحملة مضادة
وقال البيان إن ما يجري من تفاوض لإعادة الشراكة مع العسكر بثوب جديد "يصطدم بإرادة الحراك الجماهيري الحامل لللاءات الثلاثة"، واصفًا التفاوض بأنه "موقف خيانة بالدرجة الأولى".
وسمى بيان الحزب الشيوعي حزبي المؤتمر السوداني والأمة القومي، مشيرًا إلى التصريحات الخاصة بحسم (80%) من قضايا التفاوض بين المجلس المركزي والمكون العسكري حول الوصول إلى حكومة مدنية ومجلس عسكري للأمن لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية، ومتحسّرًا على تزامن الخطوة مع المواكب الشعبية الرفضة للتسوية – على حد تعبير البيان.
فيما قال حزب المؤتمر السوداني ردًا على بيان "الشيوعي" إنّ "ما نفثه بيان الحزب الشيوعي من سموم لا تليق بعظمة مليونيات الثلاثين من يونيو وما قدمه شعبنا من تضحيات عمدها بالدماء في يوم 30 يونيو الملحمي".
وتأسّف بيانٌ للمؤتمر السوداني، حصل "الترا سودان" على نسخة منه، على تخصيص الحزب الشيوعي ولجنته المركزية كامل البيان للهجوم على قوى الحرية والتغيير. وتابع: "شعبنا يخوض الآن معركة الخلاص من انقلاب 25 أكتوبر ببسالةٍ وتصميمٍ على النصر"، مؤكّدًا أنْ لا صوت يعلو فوق صوت هذه المعركة التي قال إنه سيستمر في خوضها ضمن صفوف قوى الثورة، ولن يستجيب لدعاوى تفريقها وشرذمتها أو شغلها بأيّ معارك جانبية لا تصب في مصلحة غاياتها النهائية التي تسعى لها – على حد البيان.
في وقت تتواصل فيه المعارك بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير المناهضة للانقلاب والحزب الشيوعي السوداني على مستويات متعددة، قال الناطق الرسمي باسم المؤتمر السوداني وأحد المتحدثين باسم "المجلس المركزي" نورالدين صلاح لـ"الترا سودان": "إن الوقت ليس للرد على الاتهامات التي تخدم مشروع الانقلابيين مثلما تخدمه الرصاصة التي يطلقها على صدور الثوار والثائرات".
وأفاد صلاح بأن هدفهم في الوقت الراهن هو إسقاط الانقلاب وعدم خوض أيّ معارك جانبية. وأرف أن حزب المؤتمر السوداني لن ينساق لما وصفه بـ"فحيح المواقف السياسية"، وقطع بعدم رغبتهم في الدخول في أيّ صراعات دون الصراع الأهم في مواجهة الانقلاب – على حد قوله.
لكن بالنسبة إلى الناطقة الرسمية باسم الحزب الشيوعي آمال الزين فإنّ ما يُخطَّط له وما يُنبه إليه الشيوعي "أخطر وأهم من أن يتم تجاوزه بحملة مضادة تلوم الشيوعي باستخدام فورمات جاهزة مثل (ما وقته) و(تخوين) أو التلويح في وجهه بسخافة تشبه سلوكيات النظام المخلوع". وأعربت آمال عن رفضهم لأيّ ابتزاز للحزب الشيوعي بلازمة (شق الصف الثوري). وأضافت: "نحن لن نقع في ذات الخطأ مرتين"، مردفةً: "لو كنا نشرنا للناس ما حدث فى 2019 وما تلاها، لكان من يتهموننا الآن مع أصدقائهم في تركيا وربما اختار بعضهم الإمارات". وختمت بالقول: "لن نكون جزءًا من صفٍّ غير صف الثورة التي تحقق سودان الحرية السلام والعدالة".
وقبل أسبوعين من الانقلاب، أعلن الحزب الشيوعي عن موقفه الداعي لإسقاط الحكومة لجهة أنها لا تمثل الثورة وتطلعاتها. وقال السكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب إنهم يعملون على إسقاط الحكومة، مشيرًا إلى أنها لا تمثل الثورة.
وأضاف الخطيب: "سنعمل مع الشعب السوداني في سبيل إصلاح الوضع وأن نأتي بحكومة تمثله"، لافتًا إلى البرنامج الذي طرحه حزبه للشعب السوداني لمناقشته والتوافق حوله.
وقال الخطيب: "لا بد للشعب أن يستعيد ثورته لإحداث التغيير الجذري وتكوين حكومة تحقق شعارات الثورة وتتعامل بشفافية مع الشعب السوداني وتفارق طريق التبعية للخارج وتهيئ الظروف لإيقاف الحرب، وتعمل على عودة النازحين وجبر الضرر"، مؤكدًا أهمية عقد مؤتمر دستوري قومي لأنه الطريق الذي يحقق الديمقراطية والسلام بالبلاد - على حد قوله.
ومُنذ قرارات قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي التي قابلتها حركة مقاومة جماهيرية عبر الوقفات الاحتجاجية والمواكب، ظلّ مطلب توحيد قوى الثورة حاضرًا بقوة؛ فلا يمكن تصوّر سقوط الانقلاب العسكري في ظل تشظي القوى المناهضة له وتشرذمها، لكن ما يحدث الآن يُعبّر عن النقيض تمامًا، وربما يُفاقم الأزمة السياسية ويدفع باتجاه استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
يقول القيادي في قوى التغيير وأحد الفاعلين في الوصول إلى الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية في 2019 والقيادي بالحزب الناصري ساطع الحاج في تصريحات لـ"الترا سودان" إن قوى الانقلاب تستثمر في شق صف المناهضين لها بما يضمن لها الاستمرار لبعض الوقت، مشيرًا إلى استعدادها في سبيل تحقيق ذلك لدفع كل الفواتير التي تحقق له هذه الغاية.
ساطع الحاج: قوى الانقلاب تستثمر في شق صف المناهضين لها بما يضمن لها الاستمرار وهي مستعدة لدفع كل الفواتير التي تحقق له هذه الغاية
لكن في المقابل ثمة من يرى أن القوى المناهضة للانقلاب هي التي تمنح الانقلاب "قُبلة الحياة" من خلال ممارساتها العبثية وعجزها عن اختيار الموقف الصحيح في الوقت الصحيح، وأن معركة الشيوعي والمؤتمر السوداني في الوقت الراهن أكبر دليل على ذلك. هم يعرفون الطريق الصحيح نحو الخلاص لكنهم يختارون بدلًا عنه "التكتيكات الخاطئة" ويواصلون خوض معارك في كل الجبهات ما عدا الجبهة الوحيدة التي تحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية السلام والعدالة والرفاه الاقتصادي.