قتال مستعر في السودان يقترب من شهره السابع وسط تراجع دعوات السلام والتهدئة وارتفاع المعارك العسكرية وموجات النزوح من الخرطوم والمناطق الساخنة الأخرى خاصةً في إقليم دارفور وكردفان.
باحث في قضايا الديمقراطية والسلام لـ"الترا سودان": هناك حالة من اليأس ربما تقود إلى فرض واقع جديد من قبل الفاعلين الدوليين في الشأن السوداني
يقول المراقبون إن الدعوات الدولية التي كانت تلاحق الطرفين المتحاربين في السودان "هدأت" في الشهرين الأخيرين لأسباب تتعلق بـ"اليأس" من قبولهما بمحادثات السلام إلى جانب إمكانية "تكيف المجتمع الدولي" مع حرب السودان و"التطبيع معها".. فهل هذه الإشارات صحيحة إلى أي حد؟
يأس المجتمع الدولي
يرى الباحث في قضايا الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد في حديث إلى "الترا سودان" أن الوضع في السودان أصبح سيئًا من الناحية الإنسانية في الشهرين الأخيرين أكثر من أي وقت مضى خلال هذه الحرب، وأن هناك حالة من "اليأس" ربما تقود إلى فرض واقع جديد من قبل الفاعلين الدوليين في الشأن السوداني، مثل وضع مقترحات ملزمة للطرفين والمصادقة عليها، وهي "بالطبع قد تكون حلولًا غير ناجعة، لكن في الوقت الراهن بالنسبة للمجتمع الدولي –ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي والمملكة العربية السعودية – وقف إطلاق النار يعد أولوية قصوى" – يضيف مجاهد أحمد.
لكن مجاهد أحمد يرى أن المجتمع الدولي لا يقدم لك "الأشياء التي تتمناها على الدوام"، بمعنى آخر لا يكترث بالانتهاكات التي تقع خلال الحرب أو نزوح ملايين الأشخاص من المنازل أو مقتل الآلاف من المدنيين، ولذلك فإن المطلوب النهوض بالعمل المدني الوطني لوقف الحرب والدعوة إلى السلام بالعمل من داخل البلاد – وفقًا لقوله.
وخلال ستة أشهر من القتال بين الجيش والدعم السريع صدرت دعوات متتالية، وبدأ الجيش والدعم السريع محادثات غير مباشرة وأخرى مباشرة في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية ووقعا على (14) هدنة يقول الميسرون الأمريكيون والسعوديون إن أغلبها لم تنجح في حمل الطرفين إلى مرحلة وقف إطلاق النار.
كما وقع الجيش والدعم السريع في 11 أيار/مايو الماضي على اتفاق ملزم بتنفيذ القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين وعدم التوغل في المناطق المدنية والسيطرة عليها غير أن الاتفاق لم يطبق على الواقع وفق ما هو منصوص عليه حسب المراقبين.
وبعد تعثر مفاوضات بين الطرفين في تموز/يوليو الماضي للوصول إلى وقف إطلاق النار بسبب الخلاف على بنود الانتشار العسكري ومناطق السيطرة، قرر الميسرون الأمريكيون والسعوديون تعليق المفاوضات إلى وقت يحدده الطرفان في حال أبديا استعدادًا لوقف إطلاق النار والوصول إلى حل مستدام.
وتقول بعض القوى المدنية إنها على تواصل مع الجيش والدعم السريع لحثهما على وقف القتال والذهاب إلى الحوار والتفاوض لأن حسم المعارك عسكريًا غير ممكن وقد يؤدي إلى تقسيم البلاد أو الانتقال إلى حرب أهلية وفق ما أكد عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) خالد عمر يوسف في مقابلات تلفزيونية الشهر الماضي.
ضغوط دولية غير كافية
ومنذ آخر هدنة وقع عليها الطرفان (الجيش والدعم السريع) في منبر جدة، لم يبدِ الميسرون الأمريكيون والسعوديون حماسًا لإبرام هدن جديدة في الشهرين الماضيين لعدم التزام الطرفين بالاتفاقات السابقة.
يقول السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك – النذير البراق في حديث إلى "الترا سودان" إن العمل ينبغي أن يسير في اتجاه ممارسة ضغوط للذهاب إلى التفاوض لوقف الحرب.
ويرى البراق أن الضغوط يجب أن تمارس بواسطة السودانيين أنفسهم لأنهم الأكثر تضررًا من الحرب ودفعوا ثمنًا باهظًا بالموت والدمار والنزوح لأن أي حديث عن إنهاء الحرب دون التفاوض "مجرد أحلام". وقال إن أدوات الضغط يجب أن تكون بتوحيد الموقف داخليًا وخارجيًا تجاه وقف الحرب.
ومنذ توقف منبر جدة في تموز/يوليو الماضي ما زالت الآمال متوفرة بشأن استئناف المحادثات بين الجيش والدعم السريع، مع مخاوف وسط الفاعلين المدنيين في السودان من "هيمنة تيار الحسم العسكري" على القرار السياسي بديلًا عن منبر جدة الذي يقد لا ينتظر طويلًا.
الحرب ما تزال تتنفس
صدرت تصريحات عن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر الماضي – وصفها سياسيون سودانيون بالإيجابية، لكن مع مرور الوقت بدأ اليأس يدب في أوساط السودانيين من تطاول أمد الحرب وتوسع رقعتها ولا سيما في أعقاب سيطرة الدعم السريع على منطقة "العيلفون" شرق العاصمة الخرطوم الأسبوع الماضي.
يقول الصحفي والمحلل السياسي يوسف حمد لـ"الترا سودان" إن ما يميز الحرب الحالية هو أن طرفيها أعلنا ظاهريًا الرغبة في التفاوض، على العكس من حروب السودان السابقة. وبالفعل، بدأت الجهود التفاوضية في أيار/مايو الماضي بمدينة جدة السعودية، وتوافرت لها "رعاية سياسية وازنة"، لكنها توقفت واحتفظ الطرفان بموقفيهما، ثم خف الاهتمام بدفع الأطراف إلى استئناف المفاوضات، وتراجعت أخبارها في وسائل الإعلام، بحسب حمد.
ويضيف يوسف حمد: "قبل ذلك، افتقرت المفاوضات في جدة إلى الجدية الكافية، وانتهت جولاتها الأولى إلى فشل متوقع، ولم تحقق حدًا أدنى من النجاح بهدنة مرعية تساعد في الخروج الآمن للمدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية للسكان في المناطق المتضررة".
التنفس خارج الرئة
ويقول حمد إنه مع "الالتزام الظاهري" بالتفاوض إلا أن الطرفين ما زالا يتلكآن بخصوص استئناف المفاوضات من دون أن يبديا للرأي العام أسبابًا مقنعة لاستمرار الاقتتال المدمر للبلاد. وأردف حمد: "لا يبدو أن الطرفين يتنفسان من رئتيهما في هذه الحرب، بمعنى أنهما مجرد وكلاء لفاعلين آخرين لهما كلمة مسموعة، فهؤلاء هم من يحدد الذهاب إلى التفاوض من عدمه".
ويرى يوسف حمد أنه يجب الوضع في الاعتبار أيضًا أن حكم السودان بالنسبة للمتصارعين يعني السيطرة على موارد اقتصادية بواسطة جهاز الدولة، ومن هنا يمكن تفسير "عنفهما المحروس بالمطامع"، وتلويح كل منهما بإعلان حكومة تصريف أعمال في مناطق سيطرته، من زاوية أخرى.
كما يرى حمد أن غموض أجندة التفاوض ساعد على "تلكؤ الخصمين البارزين" في الصراع (قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع) إذ لا يبدو أن أحدًا منهما حصل على ضمانات كافية يخمن بها مصيره ومستقبله بعد التفاوض، من واقع أن "التفاوض الجدي" يعنى مباشرةً إيقاف الحرب وخروجهما معًا من السياسة.