19-نوفمبر-2023
امرأتان في مظاهرة تحمل إحداهن علم السودان

(Getty) احتجاجات رافضة للحكم العسكري في السودان

لا يزال المدنيون يحاولون ولوج "كواليس إدارة العمليات الحربية" لخلق تأثير بدفع الطرفين إلى وقف إطلاق النار، فيما يبدو أن من يتحكمون في المشهد من الطرفين المتحاربين في السودان لا ينصتون إلى نصائح السياسيين.

يقول ناشط في المجتمع المدني إن الأدوات السياسية القديمة لم تعد مجدية لإحلال السلام وبناء انتقال جديد إلى الديمقراطية في السودان

لم تبلغ محاولات المدنيين، خاصةً الأحزاب والتحالفات الرئيسة مثل قوى الحرية والتغيير– المجلس المركزي أو أحزاب عريقة مثل الاتحادي الديمقراطي "الأصل"، سوى تأثير طفيف –حسب إفادات المراقبين– لحث العسكريين على وقف الحرب في السودان.

قال محمد ناصر وهو ناشط في منظمات المجتمع المدني في السودان لـ"الترا سودان" إن خلق رأي عام ضد الحرب لم يعد ممكنًا مع "عسكرة الحياة" ومعاناة الملايين من النزوح والتشرد وتدمير مقار المجتمع المدني الذي كان يتركز في العاصمة الخرطوم.

ولا يسمح –مثلما حدث بعد سقوط البشير وخلال الفترة الانتقالية أو حتى بعد الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021– بإقامة الأنشطة السياسية في الولايات البعيدة نسبيًا من الحرب. وخلال الشهرين الماضيين منعت ندوات وأنشطة دعا إليها مدنيون وكتل سياسية بحجة عدم الحصول على تصاريح من السلطات لتنظيم المنشط.

https://t.me/ultrasudan

ويقول الباحث في مجال العلاقات الدولية والمهتم بالشأن السياسي محمد نور الدين في حديث إلى "الترا سودان" إن انقسام الكتل السياسية والتحالفات خلال الحرب يترك انطباعًا لدى السودانيين بضعف حس المسؤولية لدى الأحزاب والمنظمات السياسية. وتابع: "من الطبيعي خلال الحرب العمل على خلق اصطفاف لمناهضة القتال وعسكرة الحياة، لكن بعض السياسيين تحولوا إلى أدوات ربما لدى بعض الأطراف، ولذلك من الصعب أن يتحركوا باستقلالية أو حرية".

ويرى نور الدين أن "الحرب يديرها عسكريون مثل قلعة محصنة، ويجب أن تؤثر عليها حتى تتوقف". ويقول نور الدين إن على السياسيين الذين لديهم تاريخ طويل من النضال والعمل السياسي أن يفعلوا أشياء "غير مألوفة" في العمل العام مثل خلق تحالفات جديدة. "على السودانيين أن يلعقوا جراحاتهم ويتحملوا بعضهم البعض" – أردف نور الدين.

وأشار نور الدين إلى اجتماعات قوى الحرية والتغيير– المجلس  المركزي في القاهرة في الأيام الماضية، قائلًا: "ما هي مخرجاته؟". "أعتقد أنها يجب أن تكون أكثر قوة في التواصل مع جميع الأطراف السياسية لإطلاق مشروع وطني" – يضيف نور الدين.

وأكد نور الدين ضرورة استمرار العمل على خلق رأي عام ضد خطاب الكراهية وضد القتل والتدمير، "لكن يجب أن يحدث ذلك باستقلالية تامة دون الانحياز إلى أي طرف في الحرب" – يشدد نور الدين.

ويخشى مؤيدو الديمقراطية في السودان من "خسارة كبيرة" في حال استمرت الحرب وأدت إلى ظهور "خطابات مناطقية وقبلية" خاصةً في مناطق النزاعات مثل أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق وشرقي السودان.

قال محمد ناصر إن السودان ينزلق إلى الهاوية بسرعة في غياب أي تأثير من السياسيين. "يبدو أنهم يشعرون باليأس، لكن من الخطأ في الوقت نفسه التعويل على المجتمع الدولي الذي فشل حتى في إدخال الإغاثة، لأنه عاجز عن الضغط على الطرفين" – يضيف ناصر.

وحذرت صحيفة "لوموند" الفرنسية الأسبوع الماضي من اتجاه السودان إلى "السيناريو الليبي" وحدوث انقسام ما بين مناطق الشرق والشمال والوسط التي يسيطر عليها الجيش وإقليم دارفور الذي سقطت أغلب ولاياته في قبضة الدعم السريع.

ويقول الناشط في منظمات المجتمع المدني الطاهر بدر الدين :"علينا أن نفعل المستحيل لمنع تفكك السودان"، لافتًا إلى صعوبة استعادة السلام والانتقال والتحول الديمقراطي في ظل استمرار الحرب. "لكن إن أدى الجميع مهامهم بالصورة المطلوبة يمكن تحقيق ذلك. يمكن إلقاء البنادق والذهاب إلى الحوار" – يؤكد بدر الدين.

ويرى بدر الدين في حديث إلى "الترا سودان" أن الحرب يمكن أن تكون فرصة للسودانيين للعودة إلى بناء بلدهم على أسس جديدة. وأضاف: "لم يعد مجديًا الاستمرار بالأدوات القديمة نفسها، يجب ابتكار أدوات جديدة. في رأيي إن حدث ذلك فسينجح السودانيون في استعادة بلادهم من الدمار والتفكك".

في حين يقول محمد ناصر إنه لم يكن يتصور أن الانقسام السياسي سيستمر حتى بعد اندلاع الحرب. ويضيف: "في البلدان التي يتحلى سياسيوها بالمسؤولية يقدمون تنازلات كبيرة مقابل السلام، ويعملون على تنفيذ المشاريع الكبرى بالتدرج مثل الانتقال والديمقراطية". وأردف: "ليس من بلد عاد من الحرب إلى السلام والمسار الديمقراطي سريعًا. هذا مستحيل من دون عمل كبير وشاق جدًا وتنازلات مؤلمة".