23-يوليو-2020

المجلس السيادي المشترك يؤدي القسم (Getty)

ما لا يعلمه مناهضو التقارب بين العسكريين والمدنيين أن الثورة لن تجد مؤسسة عسكرية أخرى تنحاز إليها للوصول إلى أهدافها سوى بناءها وفق هذا الوضع الانتقالي الذي انتجه اتفاق آب/أغسطس 2019، بين الجيش والمدنيين على خلفية الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير في نيسان/أبريل 2019.

تآكلت شعبية قوى التغيير على خلفية التصدعات الداخلية وتدهور الأوضاع المعيشية وهي أوراق وظفتها قوى الثورة المضادة للانقضاض عليها آجلًا أم عاجلًا لولا يقظة لجان المقاومة

يتساءل الكثير من المشفقين على الحكم المدني ومصير الفترة الانتقالية، عما إذا كان المكون العسكري سيقوم بتسليم الحكم إلى المدنيين في نهاية الفترة الانتقالية؟، لكن قبل الإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نسأل أنفسنا، ماذا أعدت القوى المدنية لتهيئة بيتها الداخلي؟ فمثلًا قوى التغيير التي تشكل حاضنة وسياسية وإعلامية للحكومة الانتقالية تآكلت شعبيتها إلى أدنى درجة في الشهور الأخيرة غذتها الأزمة الاقتصادية وتدهور الخدمات والاضطرابات الأمنية في بعض الولايات مثل كسلا وشمال وجنوب دارفور وولايات كردفان واستمرار مقتل المواطنين برصاص المليشيات أو الصراعات الإثنية.

ويعتقد من شكلوا رصيدًا سياسيًا لقوى التغيير على الرغم من عدم الانتماء الحزبي، فقط بدافع الاصطفاف وراء الثورة التي أطاحت بالمخلوع، أن: قوى التغيير لم ترتق إلى مستوى المسؤولية لإدارة الفترة الانتقالية وأن هدفها لا يتجاوز محطة تقاسم السلطة لذلك لا يستقيم أن يحمل العسكريون بشكل منفرد مسؤولية تسليم السلطة إلى المدنيين.

اقرأ/ي أيضًا: العاملون بديوان الضرائب يعلنون عن تصعيد جديد لإقالة الأمين العام

وعولت الجماهير التي اصطفت خلف الثورة على تجمع المهنيين السودانيين لحماية الفترة الانتقالية بنسج التحالفات في المجتمع المدني وتكوين النقابات التي تصب أرصدتها في تيار الديمقراطية، لكن هذا لم يحدث للتأثير الحزبي على الكيان المهني الذي كان يتمتع بشعبية عالية وسط القوى الشبابية ولجان المقاومة، والآن تبدو الرؤية غامضة إن لم تكن سوداوية وتكاد تكون شعبية التجمع في انحسار متواصل.

يقول أحد واضعي سياسات الفترة الانتقالية وعضو مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، البروفسور منتصر الطيب لـ"ألترا سودان" "قوى التغيير عليها أن تركز على البرلمان والحديث عن تحالف حاكم لحكومة انتقالية غير منطقي من تحالف مترهل جدًا".

ويضيف الطيب: "الحكومة يجب أن تصلح نفسها بنفسها حتى البرلمان الانتقالي ينبغي أن لا يكون من مهامه مراقبة الجهاز التنفيذي فقط، بل وتفكيك القوانين المقيدة للحريات التي تركها نظام المخلوع، وكلما أزلت من الطريق القوانين المكبلة للحريات يمكن بناء حكم مدني ديمقراطي تلقائيًا".

وتثير العلاقة بين العسكريين والمدنيين قلق العديد من الأطراف التواقة للوصول إلى محطة الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، عما إذا كانت هذه العلاقة ستمضي بشكل راسخ فكلا الطرفين بحاجة إلى اختبار هذه العلاقة التي بدأت فعليًا في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما ظهر حمدوك وممثلو قوى التغيير في غرفة اجتماع مشترك مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لإدارة الموقف الأمني على خلفية تمرد عناصر مسرحة من هيئة العمليات بجهاز الأمن، آنذاك قال حمدوك عبارته الشهيرة: "الشراكة بين العسكريين والمدنيين في السودان نموذج مدهش".

لاحقًا في خطاب بمناسبة مطالب ذكرى 30 حزيران/يونيو 2019، بدل حمدوك عبارته وحذر من أن الشراكة الحالية تقوم على توازن حساس وربما لم تأت عبارات رئيس الوزراء بشكل فجائي، إنما نتيجة علاقة استمرت عشرة أشهر جرت خلالها بعض الخلافات خاصة زيارة البرهان إلى أوغندا ولقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بيامين نتنياهو في شباط /فبراير 2020، وتبرأ مجلس الوزراء من علمه باللقاء وحدثت توترات بين المكون العسكري ومجلس الوزراء إلى درجة قيادة وساطة من نائب مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

ينبغي إقناع قادة الجيش بإخضاع الشركات الأمنية والعسكرية إلى المراجعة المالية والتصرف في العملات الأجنبية دون وضع شروط الأيلولة في المرحلة الأولى

في شباط /فبراير الماضي نصحت دبلوماسية من سفارة أوروبية ممثلي الثورة الشعبية بإعادة التفاوض مجددًا مع العسكريين لتمتين الاتفاق السياسي وضمان نجاح الفترة الانتقالية.

ورغم الانحياز الكامل للمؤسسة العسكرية للثورة الشعبية التي أطاحت بالمخلوع غير أن القوى المدنية تأمل أن تتمكن الحكومة الانتقالية من إقناع قادة الجيش والأمن بالسماح بمراجعة الشركات الأمنية والعسكرية وإخضاع أموالها لمنظومة المال العام، وفي تقرير صدر على هامش مداولات مؤتمر جامعة الخرطوم الأسبوع الماضي أعلن عن أيلولة (12)% من شركات القطاع الأمني والعسكري إلى وزارة المالية ما يعني بقاء (88)% بمعزل عن منظومة المال العام.

ويدفع من يعتقدون بأهمية الحفاظ على العلاقة بين العسكريين والمدنيين بمقترحات تقتضي بإعادة التفاوض بين رئيس الوزراء والمكون العسكري وإقناع الأخير بوضع الحسابات الخاصة بهذه الشركات لدى البنك المركزي دون شروط التنازل عنها، أي استغلال مواردها من العملات الصعبة لصالح الخزانة العامة ودفع ضرائب إلى الحكومة ومن ثم لاحقًا وضع مصفوفة زمنية تنتهي بأيلولتها لوزارة المالية.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح لإلغاء امتحانات الشهادة نهائيًا.. والقرّاي: لا يمكن تنفيذه إلا بعد قرون

المنطلقات التي يرتكز عليها مناهضو بقاء شركات القطاع الأمني بصورتها الراهنة، هو أنها يمكن أن تعالج الأزمة الاقتصادية إلى حد كبير دون التعويل على المجتمع الدولي، وبالتالي إبعاد شبح إضعاف الفترة الانتقالية على خلفية التدهور الاقتصادي والأوضاع المعيشية، إلى جانب إغلاق الباب أمام قوى الثورة المضادة التي تراهن على ورقة الاقتصاد والمعيشة.

لكن لا يمكن الوصول إلى طاولة التفاوض مع المكون العسكري لطرح هذه المطالب دون مساندة من قوى التغيير، وتقوية هذا الحلف السياسي الذي يعاني من تصدعات غير مسبوقة سيما مع الخلافات الحالية بين بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة الانتقالية، وهو أمر يلقي بظلال سالبة على مجمل أوضاع الفترة الانتقالية، وتعتبره بعض الأطراف الثورية نكوصًا عن ميثاق إعلان الحرية والتغيير المبرم في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2018، لقيادة الحراك السلمي الذي استبق هذا الإعلان السياسي.

هناك أربعة عوامل رئيسية تحدد ملامح الوصول إلى المحطة الأخيرة للفترة الانتقالية وإقامة نظام مدني مسؤول من المؤسسة العسكرية نفسها:

  • العامل الأول: هو تسليم العسكريين رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين بعد عشرة أشهر من الآن.

  • العامل الثاني: هو إخضاع شركات القطاع الأمني والعسكري إلى النظام المالي الحكومي.

  • العامل الثالث: هو إقناع المؤسسة العسكرية بحماية الحكم المدني نفسه من المخاطر.

  • العامل الرابع: هو إنزال مشروع العدالة الانتقالية على الأرض لرأب التصدعات فيما يتعلق بمجزرة القيادة العامة.

ولتحقيق هذه العوامل الملحة لا تزال قوى الثورة تبحث عن فاعلية سياسية لا تتوفر في قوى التغيير، بينما يأمل السودانيون المشفقون على الفترة الانتقالية أن تجد الحماية من لجان المقاومة التي تعتبر خط الدفاع الأخيرة لأهداف الثورة.

وتبرز عوامل الضعف داخل القوى المدنية الرسمية والحزبية والمجتمع المدني، وهي وتتلخص في بطء الأداء الحكومي خاصة مكتب رئيس الوزراء وإدارته للعديد من الملفات فيما يتعلق بهيكلة الولايات وتعيين الحكام وترديده عبارات عن التنمية والتعويل المستمر على المجتمع الدولي دون ترتيب الوضع الداخلي.

تفاجأ المجلس العسكري صبيحة سقوط النظام البائد بعدم وجود خطة واضحة لدى قوى الحرية والتغيير التي قادت الحراك السلمي

وهي العوامل التي أضعفت وابطأت وهددت أهداف الثورة، من ناحية عدم جاهزية قوى التغيير بخطة واضحة ومكتوبة صبيحة سقوط المخلوع لوضعها أمام العسكريين، حيث تجمع قادتها أمام مقر وزارة الدفاع ظهر 13 نيسان /أبريل 2019، وعقدوا لقاءً غير مرتبًا مع المجلس العسكري والذي تفاجأ بعدم وجود خطة واضحة لدى القوى المدنية التي تولت قيادة الحراك السلمي، حول الاقتصاد والسلام والمعيشة على وجه التحديد، وهذا الضعف ساعد في إفلات رموز النظام بأموالهم إلى خارج البلاد كما اعترف وجدي صالح عضو لجنة تفكيك التمكين في حزيران /يونيو، الماضي في ندوة عبر الإنترنت متحدثًا عن مغادرة أموال طائلة البلاد في الفترة بين سقوط النظام وتشكيل الحكومة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا

قرار بإقالة أكثر من 13 عميدًا بجامعة الرباط بينهم أمن شعبي

مدير قوات الشرطة: خطة ضخمة للانتشار الأمني