07-سبتمبر-2022
حركات مسلحة

مطالبات بالإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاق السلام

لماذا تقرر الحركات المسلحة التحول إلى قوى مدنية وإنشاء أحزاب سياسية؟ ترتبط الإجابة عن هذا السؤال بالتكيف في بيئة عمل خالية من العنف ولا تقوم على التراتبية العسكرية؛ حيث يكون السلاح الأقوى هو إقناع الجماهير برؤية ومشروع معينين أو قيادتهم نحو هدف يؤمنون به بوسائل سلمية؛ هذا التكيف مهم لسد الفجوة ما بين استخدام العنف ووسائل العمل المدني.

لماذا تحمل الحركات السلاح؟

منذ الاستقلال حملت مجموعات كبيرة السلاح في مناطق مختلفة من البلاد، مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق وجنوب السودان (قبل الانفصال). ويعد السلاح وسيلة كفاح من أجل تحقيق مطالب أو إسقاط نظم سياسية.

محلل سياسي لـ"الترا سودان": حركات الكفاح المسلح لن تجد شيئًا إذا دخلت الانتخابات، وهذا ما يجعلها تتمسك بالوضع الحالي

وبحسب السكرتيرة السياسية المكلفة بالتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية آفاق محجوب عبدالله، فإن حركات الكفاح المسلح حملت السلاح من أجل تحقيق "أهداف سياسية"، وقالت إن الحركات كانت تسعى لتحقيق مطالب "معينة ومشروعة" بالنسبة إليها. وأوضحت أنها اصطدمت بالآلة العسكرية الموجودة فاضطرت إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافها، مثل قضايا النازحين المتضررين من الحرب والمهجرين قسريًا من مناطقهم. وأضافت: "هناك حركات دعت إلى التحرر في جنوب أفريقيا وتحولت منها إلى بقية الدول الأفريقية".

وبحسب إفادة آفاق محجوب لـ"التر سودان"، فإن تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام وإلحاق بقية الحركات التي لم توقع على الاتفاقية بعملية السلام هو مفتاح إنهاء الحرب والإجابة عن سؤال كيف تعبر الحركات المسلحة من المرحلة السابقة إلى مرحلة تكوين قوى سياسية مدنية بقاعدة جماهيرية تؤمن بفكر ورؤى في ظل الوضع  الراهن الذي تمر به البلاد، مشيرةً إلى "التعقيدات السياسية" التي تعاني منها القوى السياسية نفسها، ولافتةً إلى أن الانتخابات هي "نهاية كل عمل ثوري شعبي" - على حد تعبيرها.

وقالت آفاق: "لا بد من الإسراع في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ووضعه في اعتبار حكومة الفترة الانتقالية"، مضيفةً: "هذا ما يمهد للحركات أن تضع السلاح وتكون قوى سياسية وفقًا لما جاء في الوثيقة الدستورية 2019".

https://t.me/ultrasudan

من السلام إلى السلاح

حول الظروف التي تتطور فيها الأجنحة السياسية للحركات لتصبح الوسيلة الأساسية للتعبير عن الكيان المسلح تمهيدًا للتخلي عن السلاح، يشير القيادي الشاب في الحركة الشعبية شمال (جناح مالك عقار) أحمد يعقوب إلى مستويات ثلاثة لعملية التحول من العمل المسلح إلى النشاط المدني غير المسلح، وهي الأيديولوجي والفكري والسلوكي التنظيمي. ويشرح قائلًا: "يؤدي خليط من العوامل والمتغيرات إلى بدء عمليات التحول، مثل وجود قيادة كاريزمية داخل التنظيم المركزي تؤمن بالتحول نحو السلمية، وحصول جمود مؤلم بين الأطراف المتقاتلة". ويتابع: "وحدوث تفاعلات مع الآخر غير الشبيه ولا القريب فكريًا بين فئات التنظيم الواحد وفصائله، فضلًا عن محفزات ومغريات وضمانات تقدمها الدولة أو الفاعلون المحليون والدوليون للأطراف المتقاتلة"، لافتًا إلى أن كل ذلك يتم في "ظروف ملائمة من خفض التوتر والتصعيد".

أقر يعقوب بأن الجمود العسكري بالإضافة إلى التفاعل مع غير القريبين فكريًا، غالبًا ما يؤثران في أفكار قيادة التنظيم المسلح

وأردف يعقوب في تصريح لـ"التر سودان: "هناك نمط محدد من التفاعل بين هذه العوامل". وأقر بأن الجمود أو المأزق العسكري بالإضافة إلى التفاعل مع فاعلين غير شبيهين ولا قريبين فكريًا، غالبًا ما يؤثران في أفكار قيادة التنظيم المسلح وسلوكياتهم، ويمكن أن يقودا -بحسب يعقوب- إلى البدء في "عمليات داخلية متراكبة" – على حد تعبيره.

ويعلل حديثه بأن حساب إستراتيجية مبنية على تحليل الربح أو الخسارة وتعلم سياسي يقوم على التفاعل مع الآخر غير الشبيه أو القريب فكريًا وتغيير في النظرة الكونية للتنظيم نتيجة أزمات "شديدة وقاسية" وتغيرات "كبيرة" في المحيط المحلي والدولي. ويضيف: "يتبع هذه العمليات أن تبدأ قيادة التنظيم المسلح عملية تحول تسندها محفزات السلطات القائمة أو قوى دولية ومغرياتها وضماناتها، فضلًا عن التفاعلات الداخلية بين فئات التنظيم الواحد". ويزيد: "المجموعات المتحولة نحو النشاط السلمي، غالبًا ما تتفاعل مع مجموعات مسلحة أخرى وتؤثر في خياراتها في بيئة مضغوطة ومراقبة، مثل السجون والمنافي أو المعاقل الصلبة والنائية".

وبحسب يعقوب، تحدث عملية مشابهة داخل المؤسسات المسلحة للدولة والسلطات القائمة، تقريبًا بالمتغيرات المذكورة نفسها.

عملية معقدة

وحول فرص نجاح حركات الكفاح المسلح في التحول إلى أحزاب سياسية، خاصةً بعد سقوط نظام "الإنقاذ"، يرى المحلل السياسي عبدالرحمن أبو خريص أن حركات الكفاح المسلح ذات تركيب عسكري لديها أهداف مطلبية لمناطقها. ويوضح في حديثه لـ"الترا سودن أنه لتتحول هذه الحركات إلى أحزاب سياسية لا بد من تغيير طريقة الحصول على الخدمات في تلك المناطق. ويقول إن على الحركات ترتيب أحوالها والعمل بالنظم الأساسية للتحول إلى أحزاب سياسية، مشيرًا إلى أن الأحزاب تسعى من أجل الوصول إلى السلطة.

ونصح أبو خريص بدمج الحركات المسلحة مع بعضها، معللًا بأن عددها قليل وأنها لا تستطيع إقناع الناخب السوداني لأنه يرى فيها "مؤسسات عسكرية" في حين أن الأحزاب "كيانات اجتماعية تسعى إلى السلطة".

وبحسب أبو خريص، فإن حركات الكفاح المسلح "لن تجد شيئًا" إذا دخلت الانتخابات، وهذا ما يجعلها "تتمسك بالوضع الحالي" – على حد قوله.

نصح أبو خريص بدمج الحركات المسلحة مع بعضها، معللًا بأن عددها قليل وأنها لا تستطيع إقناع الناخب السوداني لأنه يرى فيها "مؤسسات عسكرية"

ثمة إجماع بين الباحثين على أن عملية التحول من الكفاح المسلح إلى العمل المدني في حد ذاتها شديدة الحساسية للبيئتين المحلية والدولية. وبعبارة أخرى، في أي بيئة سياسية يسود فيها القمع الاستبدادي والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية وغيرها من أشكال العنف السياسي وعدم الاستقرار الاجتماعي، سيكون العمل المسلح والنزاع العنيف -في الغالب- نتيجة حتمية في مثل هذه البيئة. ومحاولات التحول إلى نشاطات سياسية غير مسلحة ستكون لها على الأرجح تأثيرات قصيرة الأمد أو تبدأ لتنهار سريعًا.