بجانب القوات المسلحة السودانية؛ الجيش النظامي للدولة هناك أربع مجموعاتٍ مسلّحةٍ، ظلّتْ تُقاتل جانب القوات المسلحة، أو ضدّها طوال سنوات حكومة الإنقاذ، بسنواتها الثلاثين. الدعم السريع، الذي يتزعمّه نائب مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، الذي يُقاتل في صف الجيش السوداني. والحركات المسلحة، التي ظلّت تقاتل حكومة الإنقاذ، والجيش السوداني. هذا بالإضافة للمليشيات القبلية. وأخيراً، المجموعات المسلّحة التي كانت تتبع لنظام الإنقاذ، والتي تُعرف بـ كتائب الظل. فما هو مستقبلها؟ وما هو تأثيرها في الفترة الانتقالية، وما بعدها؟ وهل من طريقٍ لإيقاف هذه البنادق؟
نشأ الدعم السريع، باعتبارهِ قوّاتٌ مُساندةٍ للجيش السوداني في مناطق النزاع المسلح في دار فور. وكان غالب قِوام قواته من عرب دار فور
هذه الجيوش، بتشكيلاتها الخمسة، باستثناءِ الجيش السوداني، "قوات الشعب المسلحة"، نشأتْ في ظروفٍ تختلف عن الأخرى. مثلاً، نشأ الدعم السريع، باعتبارهِ قوّاتٌ مُساندةٍ للجيش السوداني في مناطق النزاع المسلح في دار فور. وكان غالب قِوام قواته من عرب دار فور، قبل أنْ تتوسّع وتشمل قواتٍ من قبائل أخرى تنتسبُ للقبائل غير العربية في دار فور، وكردفان. أو حتى من مناطق جغرافية أخرى، في شمال وشرق ووسط السودان.
اقرأ/ي أيضًا: تورط به رجال أعمال ووزير سابق.. "الترا سودان" يكشف عن فتح ملف فساد جديد
هؤلاء استعانتْ بهم الحكومة السابقة، في مقاتلة الحركات المسلحة. هذه الظروف متنوعة، منها ما له علاقة بمعرفة هذه القوات وأفرادها لطبيعة المنطقة. ومنها ما له علاقة بالجيش السوداني، وقلّة عدده، في مقابل قوات الحركات المسلحة.
أما المليشيات القبلية المتوزّعة في أقاليم: دار فور وكردفان، فظروفها بحسب أفراد وقيادات هذه المليشيات، الذين يُبرروا بأنّهم اضطروا لاستخدام السلاح حمايةً لأنفسهم من هجمات الحركات المسلحة. ولا يُغفل أنّ هذه المليشيات القبلية، لها تاريخ المسلّح قبل حكومة الإنقاذ. وتحديدًا في فترة الديمقراطية الثالثة، (1986-1989)، حيث استعانت الحكومة وقتها بعددٍ من مقاتلي القبائل، لوقف ما عُرف بتمرد الحركة الشعبية، قبل انفصال جنوب السودان في العام 2011.
ويأتي على رأس الخطورةِ في نظر كثير من المحللين، كتائب الظل، وهي المجموعات المسلّحة التي تتبع آيديولوجيا للنظام السابق، أو إلى قياداته، مثل: صلاح قُوش، ونافع على نافع. وهم أنفسهم الذين عناهم نائب رئيس الجمهورية الأسبق، علي عثمان محمد طه، في حوار تلفزيوني شهير، قبل أيامٍ من سقوط النظام. توعّد فيه السودانيين بأنّ هناك كتائب ظل، تُدافع عن النظام إنْ دعتْ الحاجة لذلك. بل وتتوجّه لهم أصابع الاتهام، في المواجهات الدموية ضد المعارضين السياسيين، والمتظاهرين السلميين. أو في المحاولات الفاشلة لفض اعتصام القيادة العامة، في نيسان/أبريل 2019. أو في فضّ الاعتصام، في الثالث من حزيران/يونيو 2019.
مهتمون بالشأن السياسي السوداني، والفترة الانتقالية، يُشيروا إلى تحدياتٍ كبيرةٍ تُواجهها. لكن الجيوش يعتبرونها أكبر هذه التحديات والمخاطر أيضًا. ويشيروا إلى ضرورة تقنينها. وهو ما يؤكّده، الصحفي والمحلل السياسي، ياسر عبد الله، بقوله: "الآن توجد نحو خمسة جيوش لا بد من تقنين وضعها، ولا بد أن تتم الخطوة بمهنيةٍ وحرفيةٍ عبر متخصصين من المشهود لهم بالاحترافية والاستقلالية تكون مهمتهم وضع أسس لإنشاء جيش وطني واحد بعقيدة قتالية واضحة مهمته الدفاع عن الوطن وحدوده".
ويقترح ياسر في حديثه لـ"ألترا سودان"، حلًا لهذا التقنين، إلى ضرورة تقنينها، عبر تذويبها "بطريقةٍ احترافيةٍ، في القوات المسلحة، لبناء جيشٍ وطني موحّدٍ، مع ضرورة هيكلة القوات المسلحة، التي شهدتْ –برأيه- تخريبًا كبيرًا، في عهد النظام البائد، بإدخال عناصر تدينُ بالولاء السياسي له".
اقرأ/ي أيضًا: المناضل إدوارد لينو: وأغمض النسر جفنيه "مشبعًا بالرضى"
وكانت منظمات حقوقيّةٍ عالمية، أصدرتْ تقارير تُشير إلى ارتكاب عددٍ من هذه الجيوش المسلحة، كانت تلك الجيوش هي الدعم السريع، أو الجيش السوداني، أو القوات التي تتبع للحركات المسلحة في الأقاليم التي تدور فيها النزاعات المسلحة بين الجيش السوداني، والحركات المسلحة المختلفة.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في كانون الأول/ديسمبر 2014، إنّ قوات سودانية، ومليشيات موالية لها، قامتْ بعمليات قتل، واعتداءاتٍ على المدنيين في المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة في ولاية النيل الأزرق.
وفي حزيران/يونيو 2014، قال مسعود بدرين، الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، إنّ "أنشطة الحركات المسلحة المتمردة، فضلًا عن القوات الحكومية، ولا سيما قوّات الدعم السريع، ارتكبت انتهاكاتٍ خطيرةٍ لحقوق الإنسان في مناطق النزاعات، وعاثتْ فسادًا في القرى وتدمير الممتلكات، فضلًا عن العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس".
كتائب الظل بحسب البرهان يتميّز أفرادها بمهارات قتالية متقدمة، وكذلك تمتلك أسلحةٍ نوعية لا توجد عند القوات المسلحة السودانية نفسها
وبحسب تقديراتٍ غير رسمية، فإن الأفراد المقاتلين المنضويين تحت فصائل الحركات السودانية المسلحة، في أقاليم: دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان مجتمعةً، تُقدّر بمئات الآلاف. في الوقت الذي تتجاوز فيه القوات التي تنتمي آيديولوجيا للنظام السابق بالآلاف. وتتميّز بامتلاك عددٍ وافر من أفرادها مهارات قتالية متقدمة، وكذلك تمتلك أسلحةٍ نوعية لا توجد عند القوات المسلحة السودانية نفسها، بحسب حديث رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للتلفزيون الرسمي، عقب يومين من حادثة ما عُرف بتمرد هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات.
أما قوات الدعم السريع، التي خرّجت دفعةً ثامنة من قوّاتها تُقدّر بعشرة ألاف مقاتل، قبل أسابيع، فيُقدّر أفرادها بما يقترب من (100) ألف مقاتل، موزّعين في أقاليم السودان المختلفة، وخارج السودان، مشاركين في حرب اليمن، بعشرة آلاف في بداية الحرب، قبل أن يتم سحبهم وتقليصهم إلى أقلّ من ثلاثة آلاف الآن.
وتمتلك قوات الدعم السريع تسليحًا نوعيًا، ويتقاضى أفرادها رواتب عالية بالمقارنة مع بقية المقاتلين المنضويين تحت ألوية القوات المسلحة وجهاز الأمن والشرطة.
واعترف حميدتي، في حوار مع قناة سودانية ٢٤، قبل أكثر من سنتين، بأنّ قوّاته تُموّل نفسها بملايين الدولارات، عبر مشاريع استثمارية تتمثّل في شركة تعدين ذهب بمناطق جبل عامر، بالإضافة لمشاريع استثمارية لم يكشف عنها. هذا بجانب استحقاقات مشاركة قواته في حرب اليمن، ضمن حلف الإمارات والسعودية، اللتان تقولان بأنهما يُحاربان إرهاب الحوثيين.
ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء أمين مجذوب إسماعيل، بأنّه بعد الثورة برز شعار التطهير وإزالة التمكين والتفكيك والهيكلة للعديد من المؤسسات ومن بين هذه المؤسسات الجيش والأمن. وكل هذه المسميات لها تعريفات ومعانٍ مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: مسؤول اقتصادي: السودان غير مؤهل للحصول على إعفاءات الديون الدولية بعد كورونا
وبرأي اللواء أمين مجذوب إسماعيل، في إفادةٍ لـ"ألترا سودان" فإن الهيكلة تعني إعادة النظر في القوات الأمنية، لكن ما يقصده العديد من الثُوّار بهيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية هو التطهير، وهو ما لا يتفق فيه معهم.
ونفى أمين مجذوب أن تكون هناك جيوشًا في السودان، فبرأيه إن الجيش هو القوات النظامية، المنصوص عليها في الدستور. وعليه فإطلاق مفردة جيش على القوات الخاصة بالحركات المسلحة المتمردة -كما وصفها اللواء أمين- ليس صحيحًا، ولا تستحق أن تُسمى جيشًا، فهي غير نظامية، لكن يُمكن أن تُسمى جيشًا عقب التوصل لاتفاق بينها وبين الحكومة الانتقالية ودمجها مع القوات المسلحة عبر برامج الدمج والتسريح.
ومن حيث القُوّة والتجييش يعتقد أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة الجريدة بأن قوات الدعم السريع ضخمة، ومؤثرة جدًا، بل ويضع لها خصومها ألف حساب.
وأشار أشرف في إفادته لـ"ألترا سودان" إلى ارتباطها بعوامل خارجية، مثلًا السعودية والأمارات، اللتان تُقاتل في حلفيهما في اليمن. أما من حيث القيادة والفعل والتأثير السياسي، فيرى أشرف عبد العزيز أنّ قوات الدعم السريع مرتبكة وقيادتها ضعيفة، ومعرّضة للاستقطاب. وكذلك لها تأثيراتها على المشهد السياسي بشكل عام. وعلى الفترة الانتقالية على وجه الخصوص. كما ينفي أشرف أن يكون لقوات الدعم السريع أي مستقبل سياسي أبعد من الفترة الانتقالية.
ومهتمون ومتابعون كُثر، يقطعوا بأنّ الجيوش السودانية، واحدة من أكثر مهددات الفترة الانتقالية السودانية، وتعدُّدها وبروزها كواحدة من تحديات الفترة الانتقالية، هو ما دعا عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء في ملتقى أهل السودان التفاكري، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى ضرورة الضغط على الحكومة والحركات المسلحة للوصول إلى "سلام يُعبّر عن طموحات الشعب السودان، وألا يكون سلامًا هشّا".
حمدوك: يجب أن نصل مرحلةً يكون فيها السلاح في يد الدولة، حتى نستطيع بناء جيشٍ وطني واحد، يُعبرُ عن إرادة كل السودانيين
واقترح حمدوك خلال اللقاء بأنّ يكون "ملف الترتيبات الأمنية من أهم الملفات لحسم مسائل تعدّد الجيوش التي أضرّت بالبلاد". ومضى حمدوك: "يجب أن نصل مرحلةً يكون فيها السلاح في يد الدولة، حتى نستطيع بناء جيشٍ وطني واحد، يُعبرُ عن إرادة كل السودانيين، ويُتيحُ فرصًا أكبر لتحقيق الاستقرار والأمن.
اقرأ/ي أيضًا