جرى في أروقة السلطة الحاكمة في السودان وصف قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بأنه حاكم البلاد عندما خاطب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عشية الجمعة، وكانت التوصيفات محل جدال بين معارضي الجنرال ومؤيديه خلال اليومين الماضيين.
منذ تسلم عبد الفتاح البرهان في 12 نيسان/أبريل 2019 خلفًا لرئيس المجلس العسكري عوض بن عوف؛ ساندت طموحات الرجل رغبة السودانيين في إبعاد ضباط كبار لديهم الولاء للنظام البائد عن "مرحلة ما بعد البشير"، لكن طموحات العسكريين لا تزال عالية في الاستيلاء على السلطة.
محلل: اعتراف المجتمع الدولي بالبرهان مرتبط بحركة جبهة المقاومة الشعبية إذا خمدت فإن الطريق سيكون سالكًا أمام الجنرال
ويشير بعض المسؤولين في السلطة الحاكمة إلى أن زيارة قائد الجيش إلى نيويورك والمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أنها بداية عودة اعتراف المجتمع الدولي بالسلطة الحاكمة، وفك عزلة النظام التي تستمر منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
غادر البرهان إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد (11) شهرًا من انقلابه على الحكومة المدنية وتعيين حكومة مصغرة لتصريف الأعمال، وهو يأمل في الاندماج في الأسرة الدولية رغم أن نظامه العسكري معزول منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبموجب هذه العزلة جمد المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية ومجموعة من المنح والقروض بقيمة (4.3) مليار دولار، وخسر الجنيه السوداني كثيرًا عما كان عليه في فترة "حكومة عبد الله حمدوك".
وصف المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي العميد الطاهر أبو هاجة مشاركة البرهان في اجتماعات نيويورك بأنها "مثمرة"، قائلًا إنها "ستعود بالبشريات إلى الشعب السوداني"، على حد تعبيره.
تصريحات أبو هاجة جاءت على خلفية رغبة العسكريين في الاندماج الدولي الذي وضع الجنرالات في عزلة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع الإضرابات العمالية؛ فإن مستقبل الحكم في السودان قد يتوقف على التوافق السياسي فقط وانسحاب قادة الجيش من المشهد.
يعتقد المحلل الدبلوماسي عبد المطلب مصطفى في حديث لـ"الترا سودان"، أن مشاركة البرهان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك جاءت بشكل روتيني ولم تضف اعترافًا دوليًا للعسكريين، بالتالي لا يجب أن يكون هناك "حديث عن انتصار دبلوماسي" دون معرفة طبيعة المشاركة وحدود حركة الجنرال عبد الفتاح البرهان في مدينة نيويورك.
يرى هذا المحلل الدبلوماسي أن اللقاءات التي عقدها البرهان لم تشمل مسؤولي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ولم تكن على جدول أعماله أي لقاءات سوى لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو "لقاء يخصم من العسكريين كثيرًا".
لكن مستشار القائد العام للجيش السوداني العميد الطاهر أبو هاجة وصف زيارة الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى نيويورك بـ"التاريخية"، مشيرًا إلى أن الزيارة لها ما بعدها في حصد السودانيين للبشريات.
ويعول العسكريون كثيرًا على تقبل المجتمع الدولي استمرار الجنرال عبد الفتاح البرهان في السلطة الانتقالية، وهي رغبة أبداها الرجل في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عشية الجمعة، وحتى أعلن عن عدم ممانعته زيارة إسرائيل إذا تلقى دعوة من تل أبيب، في استمرار لمسار التطبيع الذي ابتدره الرجل في العام 2020 رغم رفض الحكومة الانتقالية وقطاعات واسعة من المجتمع السوداني.
يفسر المحلل الدبلوماسي عبد المطلب مصطفى رغبة البرهان في زيارة تل أبيب بأنها مغازلة للمجتمع الدولي، لكن هذا أيضًا "لن يجعل العالم يعترف بسلطته" على حد تعبير هذا الدبلوماسي، طالما أن الشارع يرفض منحه الشرعية.
ولم تفلح محاولات الخرطوم خلال (11) شهرًا من استيلاء المكون العسكري على السلطة في إقناع الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإعادة تطبيع العلاقات، في ظل استمرار الاشتراطات الدولية بعودة الحكم المدني وفق مصداقية عالية.
ويشير المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" شهاب الطيب إلى أن موقف المجتمع الدولي يمكن التعويل عليه مع تقوية الجبهة الداخلية والتزام "القوى المتزنة" بتحقيق أهداف الثورة، وأنها يجب أن تكون موضع ثقة في نظر الفاعلين الدوليين.
المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير: استمرار مقاومة الشارع للانقلاب هو الرهان الأفضل لأن المجتمع الدولي مكمل للأدوار الداخلية
ويقلل الطيب من مغازلة البرهان لإسرائيل، موضحًا أن موقف المجتمع الدولي من الانقلاب لا زال في نفس الخانة رغم بذل العسكريين مجهودات للتطبيع مع تل أبيب.
ويقول متحدث قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" إن "استمرار مقاومة الشارع للانقلاب هو الرهان الأفضل لأن المجتمع الدولي مكمل للأدوار الداخلية".