لم تعد الأسعار في "سوق العشرة" جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم (أكبر الأسواق الشعبية للتوابل) ومستلزمات شهر رمضان في متناول المواطنين الذين يعانون من تدني الأجور والدخل الشهري في الأعوام الأخيرة.
مستشار مالي يحذر الحكومة المقبلة من الاستجابة لمضاعفة الأجور في القطاع العام ويوضح الحلول
لشراء مستلزمات رمضان اضطر معاوية الذي يعول أسرة صغيرة إلى إنفاق (150) ألف جنيه –ما يعادل (280) دولارًا أمريكيًا– إلى درجة أن مصروفه الشهري نفد تمامًا.
تتأثر الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة في السودان سنويًا بصعوبة تدبير مستلزمات شهر رمضان، مثل شراء البقوليات والعصائر والخبز والحلويات، ومع انسداد الحلول أمامهم يضطرون إلى الاستدانة أو الاستغناء عن بعض السلع.
ويقول معاوية لـ"الترا سودان" إن الوضع الاقتصادي قلل الفرحة بقدوم شهر رمضان الذي كان يتميز به السودانيون من خلال الطابع الاحتفالي بهذا الشهر العظيم، مضيفًا أن "الأمور خرجت عن سيطرة السودانيين في تدبير معاشهم".
أما في سوق الأبيض بولاية شمال كردفان غربي البلاد، فلم يكن لدى المعز أي خطط سوى شراء التوابل والدخن والذرة والسكر لتأمين مستلزمات رمضان لعائلته، واضعًا في الاعتبار أن الاعتماد على المحاصيل المحلية سيجنّبه الأسعار المكلفة للسلع المستوردة.
قال المعز لـ"الترا سودان" إن دخله الشهري لا يتجاوز (80) ألف جنيه –ما يعادل (120) دولارًا أمريكيًا– وأنه عمل على الاقتصاد في شراء مستلزمات رمضان حتى لا يستدين.
ويعبر المعز عن شعوره بالخوف من الأزمة الاقتصادية وتلاشي الحلول وفرض المزيد من الضرائب التي تؤثر بشدة وتضرب الفقراء وتزيدهم فقرًا، وقال إن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الذي رفع شعار إزالة التهميش ومناصرة الفقراء أصبح اليوم لاعبًا أساسيًا في إفقارهم من خلال الضرائب – على حد قوله.
وبالنسبة للحلويات على الموائد السودانية في شهر رمضان، فهي باتت تعد ترفًا ولا يحصل عليها الغالبية في نظر المعز الذي يقول إن شراء التمر سيصبح ترفًا يومًا ما إذا استمر الاقتصاد بهذا الوضع المخيف – على حد وصفه.
وللمفارقة تعد الولاية التي يقطنها المعز من الولايات المنتجة للصمغ العربي، وإذا ما سيطرت الدولة على إنتاجه فإنه قد يحقق إيرادات سنوية تقدر بـ(500) مليون دولار ويعوض المنتجين بأسعار مجزية – بحسب تقديرات خبراء.
ويتراوح سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق الموازي بين (600) إلى (610) جنيهًا، مستقرًا في هذه الحدود منذ شهر، بينما تتراوح الأجور في القطاع العام بين (60) ألف إلى (35) ألف جنيه في المتوسط –أي ما يعادل (30) دولارًا– للعديد من الفئات، خاصةً المعلمين وموظفي المؤسسات الحكومية.
ويقول عمر عبدالرحمن الذي يعمل في قطاع الاستشارات المالية لـ"الترا سودان" إن فكرة مضاعفة الأجور في القطاع العام لن تحل الأزمة الاقتصادية ولن تساعد الطبقة الوسطى في مواجهة الأسعار الجنونية للمعيشة والغذاء والخدمات.
ويرى عبدالرحمن أن الحل هو السيطرة على مؤسسات الدولة وتأهيلها لتعمل على رفع الإنتاج وإنعاش الصادرات في قطاعات الذهب والصمغ العربي والقطن كحلول إسعافية لعامين، وإذا نهضت هذه القطاعات فستزيد تلقائيًا الصادرات وتنخفض الفجوة في الميزان التجاري فتنخفض الأسعار – على حد قوله.
يعتقد عبدالرحمن أن أي حلول حكومية لزيادة الأجور "فكرة انتحارية" ستزيد الوضع سوءًا ويقول إن الحل في إنعاش الصادرات
ويعتقد عبدالرحمن أن أي حلول حكومية لزيادة الأجور "فكرة انتحارية" ستزيد الوضع سوءًا، ويقول إن الحل في إنعاش الصادرات وتلبية طلبات الأسواق العالمية وتأهيل المحاجر الصحية للثروة الحيوانية. وتابع: "إذا لم تعمل الحكومة المدنية القادمة على الحلول الاقتصادية الإسعافية القصيرة واستجابت لمطالب رفع الأجور، فستجد نفسها في دوامة الأزمة والإضرابات مرة أخرى وستواجه مخاطر الانقلاب العسكري".