نجحت مبادرة "اصنع فرقًا بكتاب" في جمع أكثر من (10,000) كتاب لصالح مدن: نيالا، الضعين، ونيرتتي بإقليم دارفور. وبعد سنواتٍ من الحرب والنزوح وأصوات السلاح، تستعد المدن الثلاث لتأسيس مكتبات عامة وخلق فضاءات ثقافية جديدة.
إعادة الحياة لمدن دارفور
زارت الكاتبة ستيلا غايتانو إقليم دارفور في نهايات 2020 للمشاركة في عدد من النشاطات الثقافية، وشاركت في ورش بناء السلام ودور الثقافة في تعزيز مفاهيم السلام والتعايش السلمي بالإقليم، وأقامت ستيلا عددًا من الورش التدريبية بمجال الكتابة الإبداعية للراغبين في تطوير مهارات الكتابة.
ستيلا غايتانو: فكرة المكتبة قائمة على الكتب الورقية والإلكترونية
وتساءلت ستيلا أثناء زيارتها لمدن "الضعين، نيالا، ونيرتتي،" عن أسباب غياب المكتبات العامة، وعند عودتها لمدينة الخرطوم، بدأت بطرح الأسئلة على نفسها حول هذه القضية.
تقول ستيلا في حديثها لـ"الترا سودان": "جاءت الفكرة بعمل عدة مكتبات في المدن الثلاث لمساعدة الشباب في تلك المناطق على القراءة، والتشجيع للقيام بدورهم البارز في الثقافة، وتنمية المواهب التي تبدأ مع القراءة والاطلاع على الكتب".
اقرأ/ي أيضًا: معرض الثورة الأول.. رسالة أمل باللون والموسيقى
ودشنت المبادرة بدار اتحاد الكتاب السودانيين في 5 كانون الثاني/ديسمبر 2020، وكانت المبادرة تسعى لجمع ألف كتاب لكل مدينة. اليوم نجحت المبادرة في جمع أكثر من (10) آلاف كتاب، وتوسعت المبادرة بأن تحولت لحملة شعبية تسعى لتوفير الكتب لتأسيس المكتبات بمدن دارفور الثلاث.
وترى غايتانو أن القراءة تعد واحدة من قضايا التغيير والتنمية، سواءً على المستوى الفردي أو العام، فالقراءة والمعرفة والمعلومات الصحيحة كما تنظر لها ستيلا، تنمي النظرة النقدية للحياة وتبادل الأفكار وتهذب نفس الفرد.
"القراءة خلقت من الكتاب أشخاص مختلفين، لذلك نسعى لنشر الفكرة، وإعادة الحياة للمناطق المحرومة من الخدمات لفتراتٍ طويلة، وخاصة مناطق النزاعات في دارفور. فالمعارف والاهتمامات الفكرية تمكن الفرد من امتلاك النظرة النقدية للواقع، والسعي لمعالجة المسائل الحياتية دون عنف" تقول غايتانو.
هذا بالنسبة لبدايات نشوء المبادرة، أما بالنسبة للعقبات التي واجهتها، فكانت محدودة على حد قولها، بحيث لم تواجه تحديات كبيرة في جمع الكتب، وكانت العملية تمضي بصورة سلسة. أما التحدي الأكبر كما تراه ستيلا فيتمثل في ترحيل الكتب إلى إقليم دارفور، لضرورة توفير شاحنات تقوم بعمليات النقل، بالإضافة، إلى تأسيس مكتبات ثابتة في المدن الثلاث، وتوفير أفراد لضمان استمرارية العمل.
تشرح ستيلا قائلة، إن الشباب بالمناطق المذكورة، بذلوا جهدًا لتهيئة أماكن للكتب. مضيفةً أن نظام المكتبات قائم على الاستعارة والقراءة داخل المكتبة. مؤكدة لـ"الترا سودان" أن فكرة المكتبة قائمة على الكتب الورقية والإلكترونية، وبحسب ما تقول، فإن التحديات متمثلة في توفير أجهزة كمبيوتر للكتب الإلكترونية، بجانب مشاكل الكهرباء والإنترنت.
اقرأ/ي أيضًا: ما المنفى وما هو الوطن؟.. ثلاثة بورتريهات لنجمات إريتريات
ودعت ستيلا غايتانو وزارة الثقافة والإعلام بمدن دارفور للاهتمام بالقضية، والمساعدة في بناء مكتبات عامة تقدم الخدمات لكافة فئات الشعب.
فضاءات المكتبة العامة
المكتبة العامة ليست مكانًا لوضع وتخزين وجمع الكتب، فخلف كل كتاب قصة حياتية طويلة، وفضاءًا يتشكل من الفن.
سارة الجاك: الفضاء العام للمكتبات يستوعب نشاطات المسرح والسينما والموسيقى والرسم
ووصفت الكاتبة والروائية سارة الجاك، المبادرة بالـ"ناجحة في زمنٍ قياسي"، وقالت إنها تعد مؤشرًا على أن الشعب السوداني مؤمن بالقراءة ودورها في عملية صناعة التغيير، ومستعد لتقديم الكثير في هذا المجال، بالرغم من صعوبات الحياة اليومية والحياد عن طريق القراءة.
وبين أجيال نشأت على وجود المكتبات العامة وأجيال وجدت ثقافة الهواتف المحمولة؛ فإن الأجيال الصغيرة تجد حنينًا للزمن الماضي، حيث تسمع قصصًا عن القراءة والكتابة والثقافة، وخلال ثلاثين عامًا لم يكونوا جزءًا من هذه الثقافة، لذلك تملؤهم رغبة بشغف القراءة، بحسب ما تقول سارة الجاك. وتمضي بالقول: "وجدنا التفافًا كبيرًا من الأجيال الشابة حول المبادرة التي ترى فيها مخرجًا لكثير من قضايا البلاد".
وتنظر سارة الجاك إلى وجود مكتبات في مناطق بعيدة عن المركز ودوائر المكتبة الجامعية، بأنها تخلق حالة من الشوق والشغف، والدخول في فضاءات المثاقفة والأفكار، وسببًا في تعلم ثقافة الحوار والاستماع وتقبل الآخر المختلف.
ما هو فضاء المكتبة؟
أوضحت الجاك أن الفضاء العام للمكتبة، يستوعب نشاطات المسرح والسينما والموسيقى والرسم، وتتواجد هذه المساحات أينما تواجدت المكتبات العامة.
ودعت الجاك إلى استثمار كل الطاقات التي أحاطت بالمبادرة، بعد إنشاء المكتبات بمدن دارفور مستقبلًا، بتحويلها لارتباط يومي بالكتب، واكتمال الأنشطة الحياتية بقراءة صفحاتٍ من كتاب، بهدف تغيير الوعي. مطالبةً بتسجيل المبادرة رسميًا، وتوسعها لتشمل بقية مدن السودان المختلفة، وقالت: "بدأ العمل صغيرًا مثل أي حلم، ويكبر يومًا بعد آخر بمشاركة رؤى الآخرين".
نجاحات وإنجازات
وتم تدشين المبادرة في دار اتحاد الكتاب السودانيين، والذي لعب دورًا فاعلًا في نجاح المشروع، حيث أكد الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين، نادر السماني، أن أعضاء الاتحاد قاموا بدورٍ بارز في إعداد وتصنيف الكتب.
ووصف السماني المبادرة بـ"الشجاعة والجريئة"، وقال: "ترى المبادرة أن تجاوز الواقع للأفضل يتم عبر المعرفة".
اقرأ/ي أيضًا: إزهار القناديل.. استعادة لسيرة عبدالخالق محجوب
كما أشار إلى صعوبة توفر الكتب لقطاع كبير من الشعب السوداني، فيما تكمن الخطوة الأولى للمعرفة؛ في توفير الكتاب مجانًا للراغبين في الاطلاع عن طريق تأسيس المكتبات العامة.
الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين: نجاح المبادرة يشير إلى توفر المنتوج الثقافي للشعب السوداني
مشيرًا إلى الأنشطة الثقافية والأدبية التي تدور حول فلك الكتب والمكتبات، مما يساهم في رتق النسيج الاجتماعي المتحلل بفعل الساسة وتجار الحروب والأديان. مؤكدًا امتداد المبادرة من المدن الثلاث بدارفور.
وقال معلقًا على نجاح المبادرة بجمع (10,000) كتاب، إن هذا يشير إلى توفر المنتوج الثقافي للشعب السوداني، لينهض متسلحًا بالوعي والعلم والمعرفة.
وأسهمت مبادرة "اصنع فرقًا بكتاب" بإثراء الحياة الثقافية في السودان، عن طريق التنقيب في الكتب وعودة الفعاليات الثقافية والأدبية، بتأسيس مكتبات عامة.
اقرأ/ي أيضًا
د. حيدر إبراهيم شخصية العام.. إعلان جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي