24-أبريل-2024
جبل الداير - كردفان

تعد محمية جبل الداير إحدى أهم الحدائق الوطنية الجبلية في السودان (UNDP)

منذ فترة ليست بالقصيرة تحاول قوات الدعم السريع بسط سيطرتها على معسكر سدرة في منطقة جبل الداير في شمال كردفان، والذي يتبع إلى رئاسة الفرقة العاشرة مشاة بالجيش السوداني في مدينة أبي جبهة بولاية جنوب كردفان. ويرافق لمحاولات الدعم السريع للسيطرة على المنطقة، جرائم مروعة بحق المدنيين، وصفتها أكثر من جهة بأنها إبادة جماعية في كردفان.

المواطنون في جبل الداير يتعرضون لحصار منذ أيام من قبل قوات الدعم السريع، والتي تتهمها جهات محلية بارتكاب إبادة جماعية في كردفان

وحشدت قوات الدعم السريع منذ أكثر من أسبوع بمدينة أم روابة وما حولها ضمن هجماتها على معسكر سدرة، ونجحت القوات المسلحة السودانية في صد هذه المحاولات، ولكن قوات الدعم السريع شرعت في حصار عموم منطقة جبل الداير، والتي تعد ضمن المحميات الجبلية النادرة في السودان.

وللمنطقة أهمية إستراتيجية في سياق الحرب السودانية التي أكملت عامها الأول منتصف الشهر الجاري، حيث تعتبر خط الإمداد الرئيسي لقوات الدعم السريع بين غرب وجنوب السودان ووسط البلاد الذي تسيطر قوات الدعم السريع على مساحات معتبرة منه.

حصار جبل الداير

وقال مجلس عموم شباب جبل الدائر في التاسع عشر من الشهر الجاري، إن مواطني جبل الداير يتعرضون للإبادة الجماعية والحصار من قبل قوات الدعم السريع، وذلك عقب هجومها على معسكر سدرة. وأفاد المجلس في بيان اطلع عليه "الترا سودان"، بأن المواطنين ما يزالون في سفوح الجبل بلا مأوى وبلا مسكن وبلا طعام.

وأوضح المجلس أن المواطنين ظلوا يتعرضون للحصار لأيام، ومنعهم من الوصول لأماكن مصادر المياه بعدما تم تعطيلها ونهبها وإتلاف الطاقة الكهربائية الخاصة بتشغيلها وتعطيل برج الاتصالات ونهب جميع المقتنيات والممتلكات  الخاصة بالمواطنين، وجميع المواشي وكل سبل كسب العيش. وأضاف: "أصبحوا يفترشون سفوح الجبال ويتلهفون السماء وأرواح الأطفال والنساء والشيوخ تسلم لربها" في إشارة لعمليات القتل والنهب والترويع التي تقوم بها قوات الدعم السريع في كردفان.

وأمس الأول توجهت سكرتارية الرعاية والتنمية الاجتماعية بإقليم جبال النوبة في جنوب كردفان، نداءً عاجلًا للتدخل الدولي لمواجهة ما وصفها بـ"الكارثة الإنسانية المتصاعدة في جبل الداير، ومنطقة سدرة"، وهي مناطق خاضعة لسيطرة القوات المسلحة السودانية. وقالت إن التقارير الواردة من الميدان تشير إلى "تصعيد كارثي للعنف ترتكبه قوات الدعم السريع وميليشياتها، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وانتشار العنف المستهدف عرقيًا"، حد قولها.

فيما أدانت منظمة شباب من أجل دارفور "مشاد"، ما قالت إنه "مقتل العشرات وتشريد الآلاف من قبل مليشيا الدعم السريع بشمال كردفان"، مدينة "التهجير القسري الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع بشمال كردفان"، بحسب تعبيرها. وأضافت "مشاد" في بيان صدر أمس الثلاثاء، أن الهجمات على منطقة جبل الداير وقرى كملة وسدرة والموريب ولبانة وقردود ونجامة بولاية شمال كردفان، خلفت أكثر من (40) قتيلًا، ونزح ما يزيد عن ستة آلاف من المدنيين.

واتهمت المنظمة قوات الدعم السريع بحرق القرى ونهبها، توسيع الانتهاكات ضد المدنيين بولاية شمال كردفان. وقالت إن ذلك "تحول جديد" في طبيعة قوات الدعم السريع، والتي وصفتها بـ"المليشيا الإرهابية"، وأشارت إلى أنها أصبحت تستهدف المواطن بصورة مباشرة وتسعى لإفقاره وتشريده ونهب ثرواته.

وتتحدث تقارير عن اختطاف الدعم السريع للنساء وسط مخاوف من ارتكابها جرائم اغتصاب وأعمال عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، وتعتقل قوات الدعم السريع شباب المنطقة وتصادر الأسلحة من المواطنين بعد نهب ممتلكاتهم ومواشيهم ومحاصيلهم الزراعية.

دعوات للتدخل في كردفان

قوات الدعم السريع اشتهرت في الحرب السودانية باستهداف المدنيين وممتلكاتهم، وتتهم بارتكاب إبادة جماعية في غرب دارفور، ولكن الأنباء من من جبل الداير تشف عن تصعيد جديد في كردفان، وصفته جهات بأنه "إبادة جماعية"، وقال مجلس شباب جبل الداير إن المواطنين يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي على أساس الهوية. ودعا المجلس "كل الإنسانيين في  أرجاء المعمورة" للوقوف مع مواطني جبل الداير بمحلية الرهد أبودكنة، لفك الحصار المضروب عليهم من قبل الدعم السريع، حتى يتسني لهم تلقي الخدمات الإنسانية والطبية، وأن يعيشوا حياتهم الطبيعية.

وتقدم مجلس شباب جبل الداير للسلام والتنمية بنداء عاجل لكل المنظمات الحقوقية والإنسانية والهيئات الدولية وجميع أجهزة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الإقليمية الأفريقية والمنظمات الخاصة بحماية المناطق الأثرية، لإنقا ذ إنسان المنطقة التي تعد إحدى أكبر المحميات الطبيعية الجبلية في أفريقيا، وأطلق المجلس "نداء الإنسانية لفك الحصار المضروب علي الشعب الضحية"، حد وصف المجلس.

كما دعت السلطة المدنية بجبال النوبة المجتمع الدولي للتدخل الفوري بشكل عاجل لمعالجة ما وصفتها بـ"الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من تطهير عرقي وإباده وجرائم حرب بموجب القانون الدولي"، وفق بيان سكرتارية الرعاية والتنمية الاجتماعية بإقليم جبال النوبة.

وتتبع سكرتارية الرعاية والتنمية الاجتماعية بإقليم جبال النوبة، للإدارة المدنية التي أنشأتها الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال بقيادة عبدالعزيز الحلو في مناطق سيطرتها، ما يشي بأن الأمور قد تطور بشكل غير متوقع في كردفان. وكانت الحركة الشعبية شمال قد قامت بالعديد من المناوشات مع الجيش السوداني عقب اندلاع الحرب بينه والدعم السريع، حيث نشطت الحركة في محاولات التوغل في مناطق متاخمة للأراضي التي تبسط سيطرتها عليها، وانتزاع مزيد من المدن من قبضة القوات المسلحة السودانية المنشغلة بالمعارك ضد الدعم السريع وحلفائها.

وقالت السلطة المدنية للحركة الشعبية إنها ثابتًة في التزامها بالدفاع عن ضحايا الأفعال الشنيعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في منطقة جبل الداير، ودعت المجتمع الدولي للانضمام في تضامن لوضع حد للمعاناة في جبل الداير ومنطقة سدرة بالسودان. مؤكدة على أن "العمل الفوري والحاسم أمر حيوي لإنقاذ الأرواح واستعادة السلام".

ودعت الحركة الشعبية المنظمات الدولية والفاعلين لإدانة قوات الدعم السريع التي وصفتها بـ"المليشيا"، والعمل على فرض قوانين رادعة ضد قياداتها، بجانب مساعدة الأسر النازحة وتوفير الحماية لها ومدها بالمعينات الغذائية وإنقاذها من عمليات القتل الممنهج والتهجير الجماعي.

إبادة جماعية

وتقدر جهات عدد القتلى في جبل الداير حتى الآن بأكثر من (70)، مع تقارير حول تشويه وحرق الجثث والتمثيل بها بعد الوفاة. وحرقت قوات الدعم السريع قرى ومجتمعات بأكملها، وشردت أكثر من (65) ألف من سكان جبل الداير والمناطق المحيطة في كردفان، وفقًا للإدارة المدنية.

وقالت الحركة الشعبية لتحرير السودان إن قوات الدعم السريع تستغل غياب التغطية الإعلامية لتنفيذ أعمال تطهير عرقي منهجية، بعنف شديد ووحشية ومع سبق الإصرار والترصد.

وتنضاف هذه الجرائم إلى سلسلة انتهاكات ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية منذ بداية الحرب في نيسان/أبريل من العام الماضي. وقال مرصد الصراع السوداني إن قوات الدعم السريع دمرت أكثر من (26) مجتمعًا في إقليم دارفور العام الماضي، وذلك ضمن الحملة التي قادتها هذه القوات والمليشيات العربية المتحالفة معها، ضد المجتمعات الأفريقية في الإقليم.

وتعرف الإبادة الجماعية وفق الأمم المتحدة بارتكاب جريمة قتل أو أذى أو إجراء بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين.

حديقة جبل الداير

تعد محمية جبل الداير في كردفان إحدى أهم المحميات الجبلية في السودان. وتقع حديقة جبل الداير الوطنية في الركن الجنوبي الشرقي من ولاية شمال كردفان، وتبلغ مساحتها الإجمالية (614,460) كيلومتر مربع، وهي ضمن الحدود الشمالية للسافانا الجافة، ويظهر الجبل كما يدل اسمه على شكل مجموعة من القمم التي تصنع دائرة.

محمية جبل الداير
تتميز حديقة جبل الداير الوطنية بالتنوع الحيوي وتوفر المياه في بيئة كردفان القاحلة

وتحتوي محمية جبل الداير على مجموعة متنوعة من الموائل في أربع بيئات تتميز بحيواناتها ونباتاتها المتنوعة. وبالحديقة العديد من الأنهار والخيران التي تشكل شبكة من مجاري المياه التي تصب من الجبال إلى الأودية السفلى، ومنها إلى خور أبوحبل الذي يعد المجرى المائي الرئيسي والأكبر بمحلية الرهد. 

صنفت منطقة جبل الداير ضمن المحميات لغناها وأهميتها الطبيعية، حيث تتميز بالتنوع الحيوي الكبير وتضم وفق اليونيسكو، أكثر من (112) نوعًا من النباتات، بما في ذلك (96) نباتًا طبيًا وعطريًا

وصنفت منطقة جبل الداير ضمن المحميات لغناها وأهميتها الطبيعية، حيث تتميز بالتنوع الحيوي الكبير وتضم وفق اليونيسكو، أكثر من (112) نوعًا من النباتات، بما في ذلك (96) نباتًا طبيًا وعطريًا. وتتواجد الغابات الطبيعية الوحيدة المتبقية في الجزء الشرقي من شمال كردفان في جبل الداير. وتقول منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، إن جبل الداير فريد من نوعه لتواجده في بيئة شبه قاحلة، باعتباره منطقة مستجمعات مائية ما يزال يشكل مصدرًا أساسيًا للمياه في هذا النظام البيئي الجاف.