24-أبريل-2024
يد خارج الزنزانة - سجين

بعد تفجر الحرب داخل العاصمة السودانية الخرطوم في الخامس عشر من شهر نيسان/ أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، انقلبت الأوضاع في السودان رأسًا على عقب، وشهدت البلاد تدهورًا كبيرًا في شتى المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية والسياسية منها، وانتشرت الأنباء عن الاعتقالات للمدنيين والناشطين السياسيين من قبل طرفي الصراع في السودان، وتقول تقارير إن الدعم السريع تعتقل الآلاف في العاصمة الخرطوم وغيرها من المناطق التي تشهد اشتباكات عسكرية نشطة، لا سيما في الأحياء السكنية والطرقات السفرية.

وبدأت الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني في الآونة الأخيرة حملة اعتقالات واسعة طالت ناشطين ومدنيين في عدة ولايات، دون توضيح الأسباب وراء ذلك. وفي ظل غياب النيابة وتقاعس أقسام الشرطة، تثار تساؤلات حول قانونية عملية اعتقال المدنيين من قبل استخبارات الجيش.

رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد لـ"الترا سودان": لا يوجد قانون يسمح للمخابرات العسكرية باعتقال المدنيين دون إجراءات قانونية

وتعليقًا على اختفاء المدنيين والاعتقالات التي طالت العديد من الناشطين من قبل استخبارات الجيش، يقول رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد محمد، إنه لا يوجد قانون يسمح للمخابرات العسكرية باعتقال المدنيين دون إجراءات قانونية، مشيرًا إلى أن السودان حاليًا أصبح بلا قانون ولا دستور، فقط تسود لغة الحرب والاستهداف.

وأوضح مصباح في حديثه مع "الترا سودان" أن الاعتقالات التي طالت القيادات السياسية والناشطين المدنيين خلال هذه الحرب هي جزء من ما وصفها بـ"الحملة المسعورة ضد القوى المدنية المناهضة للحرب والداعية للسلام والتحول المدني الديمقراطي، من الأطراف المتحاربة الداعية لاستمرار الحرب لتحقيق أجندة العسكرة في الحياة العامة، وإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة"، حد قوله.

ويؤكد مصباح أحمد محمد أن عدد الاعتقالات لكوادر حزب الأمة القومي فقط تجاوز (120) معتقلًا، بعضهم تم إطلاق سراحهم وآخرون ما زالوا قيد الاعتقال، فضلًا عن المعتقلين من كوادر القوى السياسية والناشطين في غرف الطوارئ، والأطباء والفاعلين في المجال الإنساني في مختلف الولايات.

ويشير رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، إلى أن حملة الاعتقالات مرتبطة أيضًا بالبلاغات التي سجلتها "نيابة حكومة الأمر الواقع" ضد قيادات القوى المدنية في تنسيقية القوى الديمقراطية "تقدم". ويصف أحمد محمد الاعتقالات بأنها مخالفة للقانون، وانتهاك للقانون الدولي، واستهداف للمدنيين.

بلاغات كاذبة

ويرى عضو هيئة محامي الطوارئ، محمد الفاتح، أنه ليس من حق الاستخبارات العسكرية القبض على أي مواطن دون توجيه من النيابة، إلا أنه عاد ليقول إنه من الممكن بسبب الحرب الدائرة في البلاد أن تقوم بذلك، بالإضافة إلى قانون الطوارئ الذي يعتبر قانونًا نافذًا.

ويشير الفاتح في حديثه مع "الترا سودان" إلى أن الخطأ ليس من الاستخبارات العسكرية، بل من المواطنين أنفسهم، وذلك لأن معظم البلاغات كاذبة وتعتبر تصفية حسابات بين الناس، وفي بعض الحالات إذا كان لدى شخص مشكلة شخصية مع آخر، يقوم بنشر معلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي عنه، وبالتالي تقوم الاستخبارات بالقبض والتحرك - حد قوله.

وشدد عضو مجموعة محامي الطوارئ على ضرورة محاربة هذه الظاهرة ومحاربة الناشرين، مطالبًا الجهات الأمنية بتفعيل دورها الاحترافي في التحقيق، نظرًا لأن معظم البلاغات كاذبة ومقصودة.

مخالفة وحرب

أما المحامية رنا عبدالغفار، فتقول إن قيادة الجيش ومن قاموا بالقبض والاعتقال خالفوا المادة (6/ج) من قانون القوات المسلحة لسنة 2007م، تعديل 2013 م، ووقعوا تحت طائلة المادة (165) من نفس القانون. وأضافت أنهم يقومون بإجراءات ويعتقلون الناس باسم قانون الطوارئ وباسم أنهم في حالة حرب.

وترى رنا في حديثها مع "الترا سودان"، أن مايحدث من اعتقالات انتهاك لحقوق الإنسان، وتعتبر مخالفة لما جاء في الوثيقة الدستورية، وتتنافى مع المعاهدات الدولية. وتقول إنها تضيف إلى معاناة الشعب السوداني بتعرض الناس للاعتقال والإيقاف، خاصة من وصفتهم بـ"الثوار". وقالت إنه يتم إيداعهم في حراسات مجهولة دون توجيه أي تهمة، ويتم إخفاؤهم في أماكن غير معلومة، ويتعرضون لانتهاكات جسيمة.

 وزادت بالقول: "الحرب على الشعب السوداني بدأت منذ انقلاب 30 يونيو 1989 م. ومنذ ذلك الوقت أصبحت هناك مواجهة للشعب في مواقف كثيرة، من ضمنها انقلاب البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021م". واعتبرت رنا عبدالغفار، الانقلاب العسكري الذي قاده البرهان في العام 2021 سببًا في اندلاع الحرب في البلاد.

وأوضحت أن الجيش اتفق على فترة انتقالية محددة، رغم أن هذا الاتفاق ليس من مهام الجيش، لجهة أن مهامه تكمن في حماية الدستور وسيادة حكم القانون، وحماية الحكم المدني الديمقراطي وحقوق الإنسان. وتشير إلى أن الفريق عبدالفتاح البرهان ومن معه في المجلس العسكري، بما فيهم الطرفين المتحاربين، قاموا بانقلابٍ على السلطة الشرعية في العام 2021، وعلى الاتفاق الذي تم بينهم ووقعوا عليه.

الحق في القبض

أما المحامي المعروف نبيل أديب، فيشير إلى أن الحرب تُعَدُّ أعلى حالات الطوارئ، حيث تهدد حياة الأمة، وبالتالي فإنها تجيز تعليق جزء من وثيقة الحريات الواردة في الوثيقة الدستورية، ومن ضمنها الحقوق المتعلقة بالقبض والتفتيش.

المحامي نبيل أديب: مجرد وقوع اعتقالات وسط المدنيين، لا يمكن القول بصحتها أو عدمها إلا بمعرفة الشبهة التي تم اعتقالهم بسببها

ويعتقد أديب في إفادة لـ"الترا سودان"، أنه بدون معرفة تفاصيل الشبهات التي تم الاعتقال بسببها، لا يمكن الإدلاء برأي حولها. ولكنه عاد ليقول إن سلطة الاستخبارات العسكرية لديها الحق في القبض، فهي سلطة مرتبطة بوجود شبهة في مواجهة المعتقل بقيامه بنشاط داعم للمجهود الحربي للدعم السريع، أو معرقل للمجهود الحربي للجيش. ولذلك، فمجرد وقوع اعتقالات وسط المدنيين، لا يمكن القول بصحتها أو عدمها إلا بمعرفة الشبهة التي تم اعتقالهم بسببها.

اعتقالات بالجملة

يشير بيان لحزب الأمة القومي، اطلع عليه "الترا سودان"، إلى اعتقال قوة من الاستخبارات العسكرية في كنانة، الخميس الماضي، لعدد من كوادر الحزب، بما في ذلك الاستاذ الصادق آدم رحمة، أمين التنظيم بالحزب، ويونس محمد يونس، عضو المكتب التنفيذي لهيئة شؤون الأنصار بكنانة، والمهندس عوض الصادق كباشي، الموظف بكنانة، بالإضافة إلى الهادي حسين طيب، من إدارية أم جر بمحلية الدويم، الذي يعتقل منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

أعرب حزب الأمة القومي عن رفضه لحملات الاعتقال التي وصفها بـ"العشوائية"

ويؤكد البيان على اعتقالات أخرى قامت بها الاستخبارات العسكرية في ولاية سنار، شملت محمد السماني وعباس إمام وآدم قرشي، بالإضافة إلى اعتقال نصرالدين حسين، عضو المكتب التنفيذي للحزب بولاية القضارف، وعبدالله بخيت، عضو الحزب بولاية النيل الأبيض.

ويعرب الحزب عن رفضه لحملات الاعتقال التي وصفها بـ"العشوائية"، محملًا من أسماهم "عناصر النظام القديم" مسؤولية هذه الاعتقالات في ظل الظروف الوطنية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، مشيرًا إلى أن جميع المعتقلين هم آباء يعولون أسرًا تعتمد عليهم. ويصف حزب الأمة القومي الاعتقالات بأنها سياسية وتتم عشوائيًا دون توجيه أي تهم.