20-أكتوبر-2019

محطة للحافلات في الخرطوم (Getty)

لا يمكن الوصول إلى وسط العاصمة السودانية، حيث مقر المراكز التجارية والقطاع الخاص والعام والمشافي والجامعات الرئيسية دون أن تقلك ثلاثة باصات من محطات ليست رئيسية. يتحايل سائقو مركبات المواصلات يوميًا لاختراع محطات تقلص المسافات التي يجب قطعها للاحتفاظ بذات القيمة النقدية التي يدفعها الراكب لزامًا. ففي البلد الذي يعاني من تدهور بنيته التحتية، وانهيار قطاع المواصلات التي ما تزال تستخدم الوسائل التقليدية (الباصات والتاكسي)، فلا وجود للمترو، والقطارات السفرية تغطي خطين فقط بين مدن عطبرة والخرطوم ومدني والخرطوم.

صعدت أزمة المواصلات في ولاية الخرطوم التي يقطنها 10 ملايين نسمة إلى الواجهة في الشهور الأخيرة، لكنها أزمة بدأت منذ عامين تزامنت مع تدهور الاقتصاد

صعدت أزمة المواصلات في ولاية الخرطوم التي يقطنها 10 ملايين نسمة إلى الواجهة في الشهور الأخيرة، لكنها أزمة بدأت منذ عامين تزامنت مع تدهور الاقتصاد وارتفاع أسعار قطع غيار سيارات النقل العام، والسيارات نفسها ارتفعت رسومها الجمركية في مطلع العام الماضي، في مسعى من حكومة الرئيس المعزول عمر البشير لسد الفجوة في الموازنة المالية للعام 2018.

اقرأ/ي أيضًا: حل إدارة العلاقات العامة بوحدة تنفيذ السدود

يحتاج نحو أربعة ملايين شخص في العاصمة السودانية، إلى وسائل النقل يوميًا بغرض الانتقال إلى قلب الخرطوم ومحيطها، الذي يقع في مساحة تربطها خمسة جسور رئيسية، تقع بين ثلاث مدن تشكل العاصمة السودانية، وهي جسور على ما يبدو غير كافية لمرور مئات الآلاف من السيارات الخاصة والشاحنات.

المحطات غير الرئيسية.. تعويض التعرفة المتدنية

ويضطر عشرات الآلاف من مواطني العاصمة الخرطوم للتنقل يوميًا عبر المحطات الانتقالية التي تفرضها الحافلات، من محطة إلى أخرى قبل الوصول إلى قلب العاصمة السودانية، وهو منطقة السوق العربي، التي تحتضن الجامعات الرئيسية والمستشفيات الخاصة والحكومية ومتاجر ومخازن السلع الغذائية وحركة البناء والتشييد.

يقول سائق حافلة يعمل بين ضاحية الأزهري جنوبي الخرطوم، والسوق العربي يدعى صابر (44 عامًا) "نحن لا نتحرك مباشرة من الحي إلى السوق العربي، لابد من الانتقال عبر محطتين تبعدان كيلومترات محدودة عن محطة التحرك، لتعويض تدني تعرفة تذكرة المواصلات التي تقرها الحكومة".

المحطات غير الرئيسية أنشأها سائقو الباصات بشكل عشوائي، ساعد انعدام الرقابة الحكومية على استمرار تلك المحطات وديمومتها، حيث ضربت الفوضى قطاع المواصلات بالكامل في العاصمة السودانية في العامين الأخيرين.

لا يمكن النظر إلى قطاع المواصلات في العاصمة السودانية، على أنه قطاع منظم فأغلب الحافلات التي تناقصت من 20 ألف حافلة مواصلات إلى أقل من عشر آلاف، يمتلكها أفراد يودون كسب العيش مقابل هذا العمل، ويضطرون للخروج عن الخدمة بغرض الصيانة، بالتالي تتأثر المواصلات بقلة الحافلات حال حدوث أعطال للعديد من المواعين العاملة، خاصة مع ارتفاع أسعار قطع الغيار والصيانة للماكينة بقيمة لا تقل عن 30 ألف جنيه حوالي (400 دولار) ورداءة أغلب الحافلات المستوردة من الصين ودول آسيا بعد المقاطعة الأوروبية للسودان.

الفساد يفشل مساعي توسيع الشركة الحكومة

الفساد الحكومي نفسه ضاعف من أزمة المواصلات، فقبل عامين قررت حكومة ولاية الخرطوم استيراد قطارات لتطوير خطتها توسعة قطاع المواصلات، قبعت تلك القطارات في ميناء بورتسودان لأنها غير مطابقة للمواصفات وتكلفتها الموضوعة على الأوراق الرسمية 54 مليون دولار، ولا يزال المسؤولون عن تلك الصفقة بمنجى عن المساءلة والتحقيق.

أسندت الحكومة البائدة حل أزمة المواصلات إلى جهات موالية للرئيس المخلوع عمر البشير، وفي السنوات الأخيرة استوردت شركات يملكها مقربون من المخلوع، باصات متوسطة الحجم شكا من قاموا بشرائها من أنها متهالكة وكثيرة الأعطال إلى جانب عدم مطابقتها للمواصفات. واضطر مستثمرون في قطاع المواصلات إلى تغييرات هندسية لتلك الباصات، لتشغيلها في شوارع العاصمة السودانية ولم يحصلوا على تعويضات عن تلك الأضرار وهكذا بددت ملايين الدولارات في صفقات خاسرة.

ويشترط "خضر علي" خبير اقتصاديات النقل، استيراد 10 الآف باص بسعات كبيرة، لحل أزمة المواصلات في العاصمة السودانية، لخدمة 10 ملايين شخص في المدينة التي تتسع يوميًا بفعل النزوح والهجرات من الولايات التي تعاني انعدام البنى التحتية والإنتاج.

اقرأ/ي أيضًا: تجمع المهنيين يرحب بحل النقابات ويعد بقانون جديد لتنظيمها

ويرى علي أنه "لا يمكن الاعتماد على الحافلات الصغيرة لحل أزمة المواصلات، ولا بد من تشجيع القطاع الخاص لاستيراد باصات مطابقة للمواصفات" مضيفًا "الباص الجديد سعره حوالي 40 الف دولار، يمكن للحكومة أن تخفض أو تلغي الرسوم الجمركية لتشجيع المستثمرين على استجلاب باصات لأن أزمة المواصلات تثير استياء المواطنين".

وتقف الاختناقات المرورية عائقًا أمام انسياب المواصلات، وباتت مشاهد يومية تواجه آلاف الحافلات التي تعمل في نقل الركاب، بين وسط الخرطوم والأحياء السكنية والخطوط العرضية. وتعود الاختناقات التي استفلحت في فصل الخريف بفعل الأمطار وتآكل الأسفلت وانتشار انجرافات الأسفلت جراء المياه، وضيق غالبية الشوارع الرئيسية سيما مع تزايد عدد السيارات في العاصمة السودانية من 800 ألف إلى مليون سيارة بحسب إحصائيات حديثة.

وتواجه الحكومة الانتقالية صعوبات كبيرة في تنفيذ الإنشاءات المتعلقة بالبنى التحتية لشوارع العاصمة السودانية، في مرحلة ما بعد نظام البشير، التي ترتفع فيها آمال السودانيين لمشاهدة تغييرات جذرية لتفادي الاختناقات المرورية، حيث تشير تقديرات هندسية إلى أن بناء نفق واحد لتقليل الازدحام بالعاصمة يكلف حوالي 40 مليون دولار، وهي تكلفة تعادل ميزانية الانفاق على العاصمة السودانية بأكملها.

ولعب الفساد دورًا كبيرًا في أزمة المواصلات بحسب موظف بالشركة الحكومية للمواصلات بالعاصمة السودانية، والذي أشار إلى أن الفساد "كان ممنهجًا يمارسه مقربون من الرئيس المعزول" مشيرًا إلى أن شبكات الفساد وقفت عائقًا أمام تحسين المواصلات في الخرطوم التي كان يجب تحويلها إلى شركة مساهمة عامة.

وقررت شركة مواصلات ولاية الخرطوم العامين الماضيين الاستغناء عن 600 عامل وموظف، ضمن عمليات ممنهجة لكبح خطة الشركة بالتوسع في امتلاك الأسطول الناقل اللازم لتحويل الشركة إلى شركة مساهمة عامة.

يعاني قطاع المواصلات في العاصمة السودانية من تدهور البنى التحتية ورداءة الشوارع وقلة أعداد الباصات العاملة

ويقول موظف حكومي تعرض للفصل من الخدمة "وضعت خطة لتشغيل مئة باص في كل محلية، ضمن سبع محليات بالعاصمة السودانية، لتعمل في الخطوط الصغيرة والعرضية و400 باص لعبور الجسور الرئيسية بين مدن العاصمة السودانية الثلاث".

ويضيف لـ"الترا سودان" "أن الخطة نسفت بالكامل بطرد المجموعة التي قدمتها من الخدمة، ووجدت تلك الإجراءات الحماية من الرئيس المعزول، لأن مجموعات مقربة منه استوردت باصات غير مطابقة للمواصفات وكانت تريد استمرار الصفقات المشبوهة".

يعاني قطاع المواصلات في العاصمة السودانية من تدهور البنى التحتية ورداءة الشوارع وقلة أعداد الباصات العاملة. وكانت الحكومة الانتقالية قد أرجأت تعيين وزير بنى التحتية المسؤول عن حل الأزمة إلى وقت لاحق، تاركة ملايين المواطنين للتنقل بشق الأنفس في العاصمة السودانية، حيث تستغرق رحلاتهم ساعات طويلة بينما يقف الفساد وسوء الإدارة بالمرصاد لأي تطلعات حكومية لحل أزمة المواصلات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حل إدارة العلاقات العامة بوحدة تنفيذ السدود

الحكومة والثورية تتفقان على لجنة لخارطة الطريق ومقر التفاوض