تستضيف مصر غدًا السبت مؤتمر القوى السياسية السودانية ضمن مساع تقودها القاهرة لتوحيد الرؤى قبيل عملية سياسية مرتقبة، وصولاً إلى مرحلة إيقاف الحرب بين الجيش والدعم السريع.
باحث: مصر تحتاج إلى تطمينات بشأن مصالحها في السودان
وكانت وزارة الخارجية المصرية وزعت الدعوة على القوى السياسية بشكل منفرد بدلاً من المشاركة عبر الكتل الحزبية، واقتصرت الدعوة في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" على بعض الأحزاب، إلى جانب رئيس الوزراء السابق ورئيس المكتب القيادي لـ"تقدم" عبد الله حمدوك.
كما تشارك أحزاب وحركات مسلحة أبرزها القادة جبريل إبراهيم من حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي من حركة تحرير السودان، والأحزاب في المؤتمر الذي يستهدف وضع أسس متينة للتوافق بين السودانين.
16 شهرًا من الحرب
يأتي المؤتمر في مصر عقب مرور (16) شهرًا على اندلاع الحرب في السودان بين القوات المسلحة والدعم السريع بقيادة الجنرالين المتحالفين سابقاً و العدوين اللدودين حاليًا، فيما تتوجس القاهرة من إلحاق القتال الذي يدور في البلد المجاور جنوبًا الإضرار بأمنها القومي من خلال إضعاف ملف مياه النيل، ورغبة إثيوبيا بالانفراد في الملء الرابع والتي تمكنت من إكمال عمليتين منه خلال عام واحد انشغل فيه السودان بالحرب، بينما لم تتمكن مصر من دفع أديس أبابا إلى استئناف المحادثات حول أزمة مياه النيل وسد النهضة.
الدعوة المصرية للأحزاب السودانية جاءت منفردة، ولم تتم الدعوة على أساس الكتل السياسية لذلك وشملت الدعوة رئيس الوزراء السابق ورئيس قوى تقدم عبد الله حمدوك وحزب الأمة القومي، كما شملت الدعوة رئيس تنسيقية نظارة البجا محمد الأمين محمد ترك والأمين داؤود رئيس الجبهة الشعبية في شرق السودان ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.
ويقول المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" - إحدى كتل تنسيقية تقدم- شهاب إبراهيم لـ"الترا سودان" إن مصر قدمت الدعوة على أساس حزبي وتشارك أحزاب وتنظيمات من "تقدم" في مؤتمر القاهرة وهذا الأمر لا يضر بالعملية برمتها طالما أن الأحزاب تعبر عن توجهات الكتل السياسية.
وعبر إبراهيم في حديث لـ"الترا سودان" عن أمله في أن يتمكن مؤتمر القاهرة صب الحلول لوقف الحرب في السودان وإنهاء معاناة ملايين المواطنين.
أجندة المؤتمر
ولم توضح وزارة الخارجية المصرية راعية المؤتمر الأجندة الموضوعة على طاولة العملية التي ستنطلق غداً السبت وكانت قد وجهت الدعوة لوزارة الخارجية السودانية للمشاركة في المؤتمر والتي طرحت شروطاً من بينها عدم إشراك تشاد والإمارات ورفع اسم السودان من القائمة التجميد في عضوية الاتحاد الإفريقي.
ويقول المحلل السياسي مصعب عبد الله لـ"الترا سودان" إن مصر تعقد المؤتمر الخاص بالقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السودان، في إطار التمهيد لعملية سياسية قادمة، بالمقابل فإن المطلوب من القوى المشاركة أن تطرح على مصر لعب دور أكبر في وقف القتال في بلدهم، لأن القاهرة لديها تأثير على الحكومة القائمة في البحر الأحمر وبإمكانها إقناع الجيش بالذهاب إلى التفاوض.
ويرى عبد الله أن أي حديث عن عملية سياسية في هذا الوقت بلا جدوى، لأن الأولوية لوقف الحرب، ومن الطبيعي أن تكون هناك عملية سياسية إذا توقف القتال.
ويعتقد عبد الله أن القوى السودانية المشاركة في مؤتمر القاهرة، ينبغي أن تحرز خطوة إلى الأمام، وتضع على مصر أبرز المخاوف والحلول التي بحوزتها حال توقف الحرب في السودان وتشكيل حكومة جديدة.
وأردف عبد الله: "خلال حرب السودان نفذت إثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة، وانعكس ذلك على كمية المياه في نهر النيل بين السودان ومصر، لذلك هذه العملية تثير مخاوف القاهرة، واستمرار في الحرب في السودان يعني انفراد إثيوبيا بالعملية الفنية في سد النهضة على حساب البلدين الشريكين في هذا الملف".
وتابع: "من خلال الدعوة الانتقائية التي قدمتها مصر للقوى السياسية السودانية نلاحظ رغبتها في تقليل شقة الخلافات بين الفرقاء السودانيين، والسير في اتجاه تشكيل مبادئ عامة لوقف الحرب، ويجب أن ينتهز المشاركون هذه الفرصة لزيادة الثقة لدى مصر".
منع الانزلاق إلى الفوضى
ورغم تباعد الجيش والدعم السريع من طاولة المفاوضات لفترة تقترب من العام، هناك من يضع آماله على مؤتمر القاهرة في تحقيق نقاط إيجابية لصالح وضع اتفاق بين القوى السياسية، ما بين تلك التي تعلن تأييدها لاستمرارها الحرب وتلك المناهضة لها.
ويرى الباحث في مجال السلام والديمقراطية مجاهد أحمد، أن المؤتمر جاء متأخرًا، وكان يتعين على مصر أن تتحرك باتجاه وقف الحرب في السودان لأن لدى القاهرة نقاط كثيرة يمكن استخدامها في الأزمة السودانية.
بالمقابل يعتقد أحمد في حديث لـ"الترا سودان" أن تنظيم مؤتمر خاص بالقوى السياسية السودانية برعاية الخارجية المصرية، يعني عدم وصول الأحزاب في السودان إلى "مرحلة النضج"، وقال إن مصر تبحث من خلال مؤتمرها التوافق من الحد الأدنى بين الفرقاء السودانيين، وهي عملية تشبه الوساطة السياسية حتى تتمكن القاهرة من خلق تأثير على أي عملية سياسية مرتقبة في السودان.
ويقول مجاهد إن الحرب التي تدور في السودان، وخلفت (10) ملايين نازح داخليًا وخارجيًا، وبالإمكان أن يشهد الوضع تحولاً نحو المزيد من التدمير، وتحول السودان إلى الفوضى، كل هذه العوامل كانت يجب أن تقلق مصر.
مصر مشغولة بأزماتها الداخلية، لكنها الآن ربما تحاول تدارك الأمور في السودان
وأضاف: "مصر مشغولة بأزماتها الداخلية، لكنها الآن ربما تحاول تدارك الأمور في السودان، رغم أن أدواتها غير فعالة في بعض الأحيان، وغير معلوم عما إذا كانت قد أجرت تنسيقًا مع الحكومة السودانية حول هذا المؤتمر".
وأردف: "يبدو أن الخارجية السودانية المعبرة عن متخذ القرار الحكومي في بورتسودان متحفظة على مؤتمر مصر، منذ طرح شروطها بشأن عدم إشراك ممثلين من الإمارات وتشاد والاتحاد الإفريقي".
وزاد مجاهد أحمد قائلًا: "نظمت مصر في تموز/يوليو مؤتمر دول جوار السودان، ولم تضع الاعتبار للقوى المدنية السودانية، بل لم توجه الدعوة لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في تلك الفترة تجاهلت القاهرة القوى السودانية وكانت تأمل في هندسة العملية الإنسانية لضمان الحصول على مساعدات اقتصادية جراء استقبالها للاجئين السودانيين".