أثار قانون تنظيم الأحزاب السياسية الجديد بدولة جنوب السودان بعد إجازته من قبل البرلمان القومي الانتقالي، جدلًا كثيفًا في الساحة السياسية ما بين مؤيد يرى فيه خطوة نحو التعددية السياسية وتعزيز العملية الديمقراطية بالبلاد، وبين معارض يرى فيه بداية تأسيس لقبضة شمولية من خلال وضع الكثير من العراقيل أمام الأحزاب السياسية لتنظيم قواعدها ودخول المعترك السياسي الذي يعقب نهاية الفترة الانتقالية بإقامة الانتخابات العامة بالبلاد.
هذا وكان البرلمان القومي الانتقالي بدولة جنوب السودان قد أجاز في الأسبوع الماضي بإجماع الأعضاء، قانون الأحزاب السياسية، في خطوة تسبق إجراء الانتخابات العامة بالبلاد. حيث ينظم القانون عمل الأحزاب ويحدد شروط عضويتها وطرق تمويلها كخطوة تهدف لتعزيز العملية الديمقراطية في الدولة الوليدة.
الحركة الوطنية الديمقراطية اعتبرت إجازة قانون الأحزاب انتهاكًا لبنود اتفاق السلام المنشط
وحدد قانون الأحزاب بدولة جنوب السودان عضوية كل حزب سياسي بـ(500) شخص في كل ولاية من ولايات البلاد العشر كحد أدنى لتسجيل واعتماد الحزب.
من جهتها أعلنت الحركة الوطنية الديمقراطية -وهي تنظيم معارض موقع على اتفاق السلام، يتزعمه لام أكول، عن رفضها لقرار البرلمان بإجازة قانون الأحزاب السياسية، مشيرة إلى أن تلك الخطوة تمثل انتهاكًا لبنود اتفاق السلام المنشط الموقع في العام 2018.
وقالت الحركة الوطنية في بيان لها وصلت "الترا سودان" نسخة منه اليوم: "لقد قامت الأطراف الرئيسية في اتفاق السلام ممثلة في الحكومة والمعارضة باستخدام أغلبيتهما الميكانيكية لإجازة قانون الأحزاب دونما أن يتم فيه الأخذ بآراء ومواقف بقية الأطراف، علمًا بأن الاتفاقية اشترطت أن تكون القوانين الجديدة متماشية مع روح الاتفاق في نصوصها، وأن يتم تعديلها بموافقة جميع الأطراف الموقعة".
وأشارت الحركة الوطنية إلى أن مهمة البرلمان الأساسية تتمثل في إجازة القوانين وليس تعديلها، لأن التعديل مهمة منوطة بلجنة مراجعة الدستور وإصلاح القوانين، مشيرة إلى أنها ستستمر في المطالبة بأن تتم التعديلات بعد استصحاب آراء الجماعات الأخرى الموقعة على الاتفاق غير الحكومة وفصيل المعارضة الذي يتزعمه رياك مشار.
هذا ويشترط قانون الأحزاب السياسية الجديد بدولة جنوب السودان على الحزب السياسي الحصول على (500) عضو في كل ولاية من ولايات جنوب السودان العشر كشرط رئيسي للتسجيل والاعتماد الرسمي من قبل مسجل الأحزاب السياسية، كما نص على أن تبدأ الأحزاب بتجهيز نفسها للانتخابات قبل (10) أشهر من انتهاء عمر الفترة الانتقالية.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي جيمس سايمون، بأن قانون الأحزاب الجديد الذي تمت إجازته من قبل البرلمان الانتقالي سيمثل معضلة كبيرة أمام الأحزاب السياسية الحالية والتي تفتقد لأسس العمل التنظيمي والمؤسسي، فأغلبها عبارة عن تنظيمات سلطوية نشأت في ظروف الحرب ولأغراض المحاصصات فقط، بحسب تعبيره.
وأضاف بالقول في تصريح لمراسل "الترا سودان" في جوبا: "هذا القانون يمثل معضلة كبيرة لأنه حدد طريقة تسجيل الأحزاب بالحصول على الأعضاء ولم يركز على البنية السياسية والتنظيمية، فمعظم الأحزاب الحالية قامت في ظروف النزاع واتفاقيات السلام وأنشئت للمشاركة في السلطة وليس الإصلاح السياسي أو الديمقراطي".
وأبان سايمون بأن هشاشة البنية الاجتماعية والاقتصادية بجنوب السودان قادت إلى اعتماد الناس على التنظيمات كمصادر للارتزاق السياسي، مشيرًا إلى وجود ضرورة لقيام وحدة اندماجية بين الأحزاب لاستيفاء شروط التسجيل.
وفي الشهر المنصرم طالبت مفوضية مراقبة اتفاق السلام بدولة جنوب السودان التابعة لوساطة الإيغاد، البرلمان القومي بضرورة إجازة القوانين التي نصت عليها اتفاقية السلام تمهيدًا لإجراء الانتخابات العامة بنهاية العام 2023.
وأكد ديفيد رانز سفير الولايات المتحدة بدولة جنوب السودان في مؤتمر صحفي عقده أمس الأول بالعاصمة جوبا، إن بلاده ستقدم الدعم الفني والمادي والمطلوب لأجل إقامة انتخابات حرة ونزيهة بدولة جنوب السودان مع نهاية الفترة الانتقالية.
وأضاف رانز بالقول:" ستقوم الولايات المتحدة بتوفير الدعم للحكومة في جنوب السودان من أجل إقامة انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وسنساعد في تكوين مفوضية الانتخابات ومجلس الأحزاب السياسية في أعقاب إجازة قانون الأحزاب السياسية من قبل البرلمان مؤخرًا".
ولم تشهد دولة جنوب السودان منذ استقلالها عن السودان في العام 2011، قيام أي انتخابات عامة بسبب اندلاع القتال بين الحكومة والمعارضة في كانون الأول/ ديسمبر 2013، قبل عامين من إجراء الانتخابات التي كان من المتوقع إجراؤها في 2015.
الأطراف بدولة جنوب السودان لم تتفق حتى الآن على مواعيد إجراء الانتخابات بسبب عدم تكملة تنفيذ بنود اتفاق السلام المنشط
وبعد مضي قرابة العام من بداية الفترة الانتقالية، لم تتمكن الحكومة والمعارضة من استكمال تشكيل هياكل الحكم، كما تم تأجيل تخريج القوات المشتركة لأكثر من مرة، بحجة انعدام التمويل اللازم لتدريب القوات خلال الفترة ما قبل الانتقالية.
وبحسب نصوص اتفاق السلام المنشط، فإنه يتوقع أن يتم إجراء الانتخابات العامة قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية المحددة بـ(36) شهرًا من تشكيل الحكومة الانتقالية المنشطة، إلا أن الأطراف لم تتفق حتى الآن على مواعيد إجراء الانتخابات بسبب عدم تكملة تنفيذ بنود الاتفاق وتأخر إجازة القوانين الممهدة لإقامة الانتخابات.