رهن القيادي في الحركة الشعبية - شمال، والأستاذ بجامعة الخرطوم محمد يوسف المصطفى - رهن نجاح المشروع الوطني في السودان بتقليص "امتيازات نخب الخرطوم"، وتأسيس نظام لا مركزي ينقل الثروات والسلطة إلى الأقاليم، وينهي تربص الانقلابات العسكرية بالمركز.
جاء ذلك في ندوة مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة أمس الاثنين، عن المشروع الوطني والانتقال الديمقراطي في السودان.
محمد يوسف في ندوة مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالدوحة: السودان تشكل نتيجة تسويات استعمارية
وتحدث في الجلسة الأولى للندوة، القيادي في الحركة الشعبية شمال محمد يوسف المصطفى، معلقًا على دور المشروع الوطني في بناء الأمة السودانية، مشيرًا إلى أن السودان تشكل نتيجة تسويات بين الاستعمار البريطاني والتركي والمصري والإثيوبي، ولم يتم استشارة السودانيين في انضمامهم إلى الدولة.
ورهن يوسف خلق مشروع وطني بالتوافق بين السودانيين وإشراك جميع الأقاليم في القرار بشأن المشروع الوطني، لافتًا إلى أن هناك بادرة اعتراف بوجود أزمة عميقة في السودان، وذلك على الرغم من أن البعض يحاول إنكارها أو اعتبارها جزئية وعابرة.
ودعا يوسف إلى خلق مشروع وطني عبر التفاكر الحر بين السودانيين، مشيرًا إلى أن السودان دولة مركزية تسيطر عليها "نخب الخرطوم" الذين يحصلون على الامتيازات والمتحكمين في سكان الأقاليم المهمشة.
وأضاف: "كان الاعتقاد أن هناك أمة سودانية؛ هذا غير صحيح. هذا البلد تشكل نتيجة تسويات استعمارية، ولا بد من وضع جميع السودانيين في القرار بشأن مستقبل بلادهم، وإذا ما كانوا يريدون الاستمرار أم لا. وأي محاولة فرض الأمور بالقوة لن تنجح".
وحذر محمد يوسف المصطفى من نمو ظاهرة التشظي وانفصالات الأقاليم والمطالبة بتقرير المصير للمجموعات التي بقيت معزولة ومهمشة، موضحًا أن جميع الحروب كانت مقدمتها مطالب عادية تطورت إلى مطالب محمية بالسلاح.
وقال يوسف إن السلطة والسيادة يجب أن تكونا بيد الشعب السوداني لا تحت سيطرة النخب. والشعب هو من يتنازل عن جزء منها لصالح المركز مع ضرورة بناء حكم لا مركزي.
وتابع: "يجب وضع أصل السلطة والثروات في الأقاليم، مع منح المركز مسائل الجيش الواحد والعملة والجنسية والهجرة والصحة العامة والعلاقات الدبلوماسية والتحقيقات الجنائية لطبيعة الجريمة العابرة، وفي ذات الوقت يمكن السماح للمركز بالحصول على جزء من موارد الأقاليم لإدارة هذه الملفات".
من جهتها عزت الناشطة في مجال حقوق الإنسان هالة الكارب، والتي تحدثت في الندوة عن غياب المشروع الوطني في السودان - لفتت إلى "التهافت السياسي على السلطة في نفس "بيت السيد" الذي تركه الاستعمار".
وتابعت الكارب: "منذ الاستقلال تتقمص النخب دور سيد البيت وهو المستعمر بدلًا من بناء بيت جديد ليكون لكل السودانيين والسودانيات، ولا يمكن بناء مشروع جديد بنفس أدوات السيد وهو المستعمر".
وأوضحت الكارب: "لم يفكك بيت السيد وبقي كما هو رغم المحاولات التي أجهضت"، وذكرت منها محاولات عبد الخالق محجوب وجون قرنق.
هالة الكارب: نهج القيادات السياسية في السودان فاق في السوء نهج الاستعمار البريطاني
وقالت الكارب: "نهج القيادات السياسية في السودان فاق في السوء نهج الاستعمار البريطاني".
واتهمت هالة الكارب، حزب المؤتمر الوطني المحلول في السودان، بشن حرب عنصرية في جبال النوبة وإقليم دارفور ورعاية التطرف الديني وعزل السودان عن العالم.
وأشارت الكارب إلى أن حزب المؤتمر الوطني حرم السودانيين من فرص التداخل مع العالم، وشجعهم على الهجرة لتجفيف مجتمعات المقاومة، وهذا الأمر يتكرر حاليًا بتصاعد هجرة السودانيين بعد الانقلاب العسكري.
ورأت الكارب أن ثورة ديسمبر شكلت فرصة عظيمة في الامتدادات الشاسعة للسودان للخروج من المأزق، لكن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لم تكن مستعدة لاستغلال هذه الفرصة في تحقيق بنية دولة مؤهلة.
وعابت الكارب عدم حصول الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في السودان على الدعم الدولي والإقليمي عقب ثورة ديسمبر، وقالت إن الاستثمار لم يحدث في هذا الصدد، وأرجعت ذلك لبنية السياسة السودانية.
وشددت هالة الكارب على أن النظام البائد لا يزال يسيطر على الوضع الاقتصادي والأمني في السودان، ويرفض تسليم السلطة للمدنيين وقوى الثورة، مضيفًة أن هناك "حالة عمياء تتملك النظام البائد، ويرفض الاعتراف بالرفض الشعبي له".
كما سلطت الكارب الضوء على دخول المليشيات العسكرية في السودان في التعدين والتجارة وغسيل الأموال، وقالت إن هذا النشاط أصاب الانقلابيين بـ"العمى"، ويرفض تسليم السلطة والشعور بامتلاك القدرة على الحكم.
وترى الكارب أن السودانيين يتفقون على فشل المؤسسة العسكرية في السلطة، وفشل النظام البائد، وقالت: "يكمن الشيطان في التفاصيل، لأن الديمقراطية لها استحقاقاتها، ويجب أن تبدأ من أوساط من يطلبونها، وذلك بقبول الآخر".
وتقول الكارب إن المعارك لا تدار دون خطاب، وتشير إلى أن قوى المقاومة والثورة والمجتمع المدني تفتقر للخطاب السياسي الموحد والواضح، وقللت من المواثيق والمبادرات التي تطرح بين الحين والآخر. وقالت إنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ منذ سنوات طويلة.
ونوهت هالة الكارب إلى أهمية المواكب والاحتجاجات الشعبية لمناهضة الانقلاب العسكري في السودان، ولكنها قالت إنها غير كافية ولا بد من خطاب سياسي يساند الشارع.
وأضافت: "لا بد من خطاب سياسي مقنع وآليات لتحقيق التغيير؛ المواكب مهمة لكن تأثيرها سيكون محدودًا في ظل غياب الخطاب ووجود بنية فتاكة مثل بنية الانقلاب العسكري الذي لا يبالي بالقتل".
وقالت إن بنية السلطة في السودان لا تكترث بالعلاقة مع الشعب، موضحة أن (65)% من سكان السودان هم من الشباب تحت سن (30) عامًا و(85)% من هذه الفئة يعيشون تحت خط الفقر.
هالة الكارب: النجاة من الفوضى خلال عام مرهونة برؤية وطنية وإخراج الجيش من السياسة
ودعت هالة الكارب إلى خطاب واضح ومتماسك تجاه المجتمع الدولي، وعابت اعتماد السودانيين على هذا الجانب دون القيام بالدور المنوط بهم فيما يتعلق بالواجب السياسي والعمل.
وتوقعت هالة الكارب عدم اندماج السودان بوضعه الحالي الذي يشهد تهريب الثروات والفساد، مع الاقتصاد العالمي الذي يشترط الشفافية والبيئة القانونية السليمة.
ورهنت هالة الكارب نجاة السودانيين من الفوضى خلال عام، وذلك بالعمل السياسي ووضع خارطة طريق وخلق صيغة للحكم المدني وكيفية خروج الجيش من السياسة، مردفة: "يمكن استعادة الثقة وتحقيق رؤية وطنية تدعم الانتقال الديمقراطي إذا تحققت هذه الشروط".