يشعر مؤيدون للتحول الديمقراطي في السودان، بالقلق من انقسام طال أمده بين الجماعات المعارضة، والذي قد يكون سببًا في بقاء العسكريين طويلًا في السلطة، وإعادة إحياء النظام الشمولي مجددًا.
هناك أسباب أدت إلى الانقسام؛ فمن جانب تطالب قوى سياسية وتنظيمات شبابية تقود الحراك السلمي في السودان بالإطاحة بالعسكريين نهائيًا، دون إتاحة الفرصة لإبرام صفقة سياسية، ومن جانب آخر تتبنى قوى الحرية والتغيير "مجموعة المجلس المركزي" توجهات "مهادنة بعض الشيء"، وذلك عبر اللجوء إلى خيار التسوية وعقد صفقة مع العسكريين تتيح تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية من جديد، وتحذر من صدام بين المجموعات المسلحة حال الإصرار على إسقاط النظام.
تقول مسؤولة سابقة في الحكومة الانتقالية إن الصراع بين الشيوعي والمؤتمر السوداني لا يخدم الثورة بل يمدد حكم العسكريين
وقبيل الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، كان هناك انقسام بين القوى المدنية التي قادت الثورة الشعبية منذ كانون الأول/ديسمبر 2018. هذا الانقسام كان بعيدًا عن الأنظار نتيجة دعم شعبي لحكومة عبد الله حمدوك، فالآمال علقت عليها لتحقيق إصلاحات ملموسة قد تنهي الانقسامات.
ولم تكن التصريحات المتبادلة بين الحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني طوال الفترة الماضية بمعزل عن صراع قوى الثورة، وهناك قلق لذى مؤيدي الديمقراطية في السودان من أن تؤدي هذه التصريحات إلى إضعاف الحراك السلمي.
وصرح الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان في ندوة نظمها حزبه بالعاصمة الخرطوم ليلة السبت، أن الحزب الشيوعي يوفر الغطاء للسلطة الانقلابية، برفض الوحدة مع قوى الثورة، وإطلاق التصريحات التي تثير الخلافات.
تبادل التصريحات المضادة بين الشيوعي والمؤتمر السوداني الذي تتطابق رؤيته مع وجهة نظر قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، تصاعد الأسبوع الماضي عندما صرحت هنادي فضل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، في مقابلة تلفزيونية في قناة (سودانية 24)، أنها لن تجلس في طاولة واحدة مع الحرية والتغيير، اتباعًا لتوجهات حزبها.
ويطالب الحزب الشيوعي منذ فبراير/شباط 2022 لقبول أي مبادرة للحوار مع قوى الحرية والتغيير، بالجلوس منفردًا مع الأحزاب السياسية، ويرفض التعامل مع الكتل.
وتتلاشى يوميًا نقاط تقارب ولو من الحد الأدنى بين الجماعات المعارضة للعسكريين حسب ما يقول المراقبون في هذا البلد، والذي يواجه صراعات مسلحة وإثنية تضغط على المدنيين.
وترفض وزير العمل والتنمية البشرية في الحكومة الانتقالية الثانية تيسير النوراني، تسمية ما يحدث في صفوف "قوى الثورة" بالانقسام، وقالت إن الأمر صراع بين المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي.
وتحذر النوراني في حديث لـ"الترا سودان"، من أن هذا الصراع يطيل من أمد الانقلاب العسكري، ويجعل قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مطمئنًا إلى عدم استشعار المدنيين بالمسؤولية.
وتدعو النوراني إلى قبول مبدأ الحوار بين الأطراف المتصارعة سياسيًا وفقًا للاحترام دون اللجوء إلى التصريحات والتصريحات المضادة، وأضافت: "نحن لا نطالب بالوحدة حاليًا؛ فقط المطلوب الاحترام وقبول الحوار".
واشترط الحزب الشيوعي في تعميم صحفي نشره الخميس الماضي، لقبول مبادرة شيخ كدباس لتوحيد قوى الثورة - اشترط الجلوس بشكل منفرد مع الأحزاب، وقال إنه يرفض الجلوس مع الكتل السياسية.
لكن شيخ كدباس قال في بيان نشره الجمعة ردًا على تصريح سكرتارية الحزب الشيوعي، إن الشيوعي انخرط في ثلاثة اجتماعات، ولم يفصح الحزب عن الاشتراطات التي أوردها في التعميم الصحفي أثناء النقاشات.
ربما تضع طبيعة الصراع بين الحزبين العراقيل أمام وحدة قوى الثورة، إذ أن الحزب الشيوعي يرفض منذ العام 2019 بعد شهور من سقوط نظام البشير، التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويتهم قوى إقليمية ودولية بتبني خطوط التسوية في الشأن السوداني، وإعادة إدماج الإسلاميين في الساحة، إلى جانب هيمنة القطاع الخاص على الاقتصاد السوداني.
بينما يشجع حزب المؤتمر السوداني التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب عدم معارضته للتطبيع مع إسرائيل، فهذا الحزب اتجه كثيرًا نحو الـ"نيوليبرالية" في السنوات الأخيرة، مستغلًا تكوينه من طبقة من طلاب الجامعات والخريجين.
وإن كانت هذه الاختلافات سابقة لأوانها؛ إلا أن تيارًا في الحزب الشيوعي يرى أن الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير حول نقاط مشتركة مستبعد تمامًا حتى وإن تحققت الوحدة - طبقًا لمصدر من الحزب الشيوعي تحدث لـ"الترا سودان".
وخلال حديثه في ندوة في أمدرمان الشهر الماضي، تطرق المحلل الاقتصادي وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي صديق كبلو إلى "مفهوم الديمقراطية الوطنية". وكبلو في هذا الصدد يميل إلى عدم الاعتماد على الغربيين لاستيراد النموذج المعلب بسياسات صندوق النقد الدولي.
وإن كان كبلو يبدو مرنًا بعض الشيء في التعاون مع المؤسسات الدولية؛ إلا أن هناك "تيارًا راديكاليًا" داخل حزبه كثيرًا ما نفى تصريحاته لأعضائه، والتي تطرقت إلى إمكانية الوحدة مع قوى الحرية والتغيير.
يحذر نور الدين صلاح من تصدعات بدأت تظهر وسط لجان المقاومة
وينأى عضو الأمانة السياسية لحزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح بنفسه بعيدًا ويفضل عدم حصر التعليق حول الصراع بين حزبه والشيوعي، ويرى في تصريحات لـ"الترا سودان"، أن السودانيين يجب أن يركزوا على على القضايا الأساسية ومقاومة الانقلاب العسكري.
ويحذر نور الدين صلاح من تصدعات بدأت تظهر وسط لجان المقاومة، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة تحتاج إلى معالجات ودعم قد يقود إلى إلى وحدة الكيانات المهنية.
يُظهر نور الدين صلاح انفتاحًا في الحديث عن طبيعة العلاقة بين قوى الثورة، ويذهب بعيدًا وينصح بقبول التعامل مع الحركات المسلحة دون النظر إلى المواقف التي اتخذتها حول الانقلاب العسكري، لأنه لا يمكن تجاوزها سواء سقط الانقلاب أو وقع المدنيون اتفاقًا مع العسكريين - على حد قوله.
وينوه صلاح إلى ضرورة حشد الدعم الدولي عقب هزيمة الانقلاب داخليًا، وقال إن الحرية والتغيير بحاجة إلى تحرك دولي، خاصة وأنها ضمن وسائلها لإنهاء الانقلاب.
وترى قوى راديكالية من الأحزاب والجماعات المهنية، أن خيار التسوية قد يعيد إنتاج حكومة انتقالية ذات صلاحيات أقل من حكومة عبد الله حمدوك.
وتعتمد هذه القوى التي تطلق على نفسها "قوى التغيير الجذري"، ومن بينها الحزب الشيوعي - تعتمد على آليات سلمية لاقتلاع العسكريين بتبني خيار "زحف الجماهير" نحو القصر الرئاسي والقيادة العامة للقوات المسلحة.
ويقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي أحمد، في حديث لـ"الترا سودان"، إن قوى التغيير الجذري تسعى إلى تشجيع قيام النقابات العمالية وإدماج المواثيق لتنسيقيات لجان المقاومة لتكون نواة صلبة لقوى التغيير الجذري.
متحدث تجمع المهنيين لـ"الترا سودان": سيناريو احتلال الشعب للقصر الرئاسي والقيادة العامة وارد
ويضيف قائلًا: "إذا توحدت الكيانات النقابية مع لجان المقاومة وقوى التغيير الجذري؛ يمكن أن تتمكن الجماهير من التوجه إلى القصر والقيادة العامة بأيادٍ عارية، واستلام السلطة دون الحاجة إلى انحياز العسكريين".
ويعتقد الوليد علي أحمد، أن دعاة التسوية سينتهي بهم المطاف في معسكر الانقلابيين مثلهم مثل مجموعة التوافق الوطني، والتي تمثل الشق المدني للانقلاب، بالتالي يجب الاعتماد على الشارع - حد تعبيره.