قد يبدو السياق الذي ورد فيه خبر اعتقال رجل الأعمال السوداني عبد الباسط حمزة من قبل السلطات المصرية ملتبسًا ضمن ما يسمى بمواجهة الفساد ومراقبة الأسواق في تعدين وتجارة الذهب بجمهورية مصر. في حين يرى البعض الآخر أن عملية القبض عليه أتت استجابة لما فرضه مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية من عقوبات على عشرة أعضاء من "حركة حماس وقريبين منها"، واتهامه لعبد الباسط حمزة بدعم أنشطة "المقاومة" من خلال إدارة شركاته في السودان وإسهامه في إدارة محفظة استثمارات تستخدم في توفير الإيرادات لحركة حماس، وترد إليه وزارة الخزانة الأمريكية تهمة مشاركته في تحويل ما يقرب من (20) مليون دولار إلى حماس.
برز عبد الباسط حمزة ضمن رهط مأذون من رجال الأعمال الأمنيين لتجسير هوة سحيقة في بنية النظام
عبد الباسط حمزة رجل الأعمال الوظيفي الذي بلغ مقامه إلى عوالم الثراء من منصة العمل الأمني وما يراه مصدر مطلع مسارًا مخدومًا ومقصودًا ضمن سعي سلطة الإسلاميين حينها إلى خلق طبقة رجال أعمال "وظيفية" تتعاطى مع الاقتصاد كقضية أمنية في ظل حصار اقتصادي محكم فرضته الولايات المتحدة على النظام، أفاد من شبكة علاقات التنظيم وتداخل ما هو أمني مع ما هو اقتصادي في مرحلة ما بعد المفاصلة التي بات للمؤسسة الأمنية تحكمًا ملحوظًا على المشهد السياسي والاقتصادي بالبلاد سيما بعد الفراغ الكبير الذي أحدثه تراجع الرأسمالية الوطنية وتواضع أثر أثرياء الإسلاميين أمثال الشيخ عبد الباسط والطيب النص وبشير حسن بشير في مرحلة ما بعد الإنقاذ.
راكم عبد الباسط حمزة البالغ من العمر (68) عامًا ثروات تقدر بنحو ملياري دولار ضمن نشاط اقتصادي حثيث في قطاع الاتصالات وقطاعي الطرق والزراعة فضلًا عن إسهامه في تطوير قطاع الفنادق والسياحة الذي يلاقي إهمالًا مريعًا في السودان مقارنة بإمكانياته الكامنة. ويرى مصدر مطلع على مسيرة عبد الباسط حمزة أن مساره الصاعد خلال الإنقاذ يمكن أن يقرأ فيه تحولات النظام نفسه وأطواره المتقلبة من قبضة "الأيديولوجيا" التي جعلت السودان قبلة للحركات الإسلامية وتيارات "الممانعة" في مرحلة انتهاء الحرب الباردة واعتلاء أمريكا أريكة الأحادية القطبية إلى إعادة تموضع النظام في مرحلة ما بعد المفاصلة ومساره الحذر، وهو يقارب أفق الانفتاح الإقليمي على الجوار والإبقاء على ممسكات مشروعه الأيديولوجي الذي ذهب من أشواق تصدير الثورة إلى إدراك مأزق إدارة شؤون الدولة وتعقيداتها واسئلتها الشائكة في سياق مضطرب يعاظل الموازنة بين الربح والمعنى، والمصلحة والقيم، والبراغماتية ونواظم الأيديولوجيا. هنا برز عبد الباسط حمزة ضمن رهط مأذون من رجال الأعمال الأمنيين لتجسير هوة سحيقة في بنية النظام. يقول ذات المصدر إن عبد الباسط حمزة الذي كان منخرطًا في شراكات مربحة، لا يمكن أن ينظر إليه كشخص وإنما كعنوان لتعقيد شبكات المصالح وتداخلات الاقتصاد والسياسة واحتضان المال للسلطة والسلطة للمال، وإن صلة المذكور بحماس تظهر حرص النظام ورأسه حينها على دعم المقاومة بالمال والسلاح، والتزام البشير حتى آخر أيامه في الحكم بهذا الأمر.
وحول صلته القديمة بأسامة بن لادن، ذكر ذات المصدر أن العلاقة لم تتجاوز أطر المال والاستثمار، بيد أن حمزة أفاد منها في تطوير أعماله وترتيب أوضاع الاستثمار في شركاته ومنها وادي العقيق. ويقال بحسب المصدر أنه أفاد من تحويل أموال بن لادن إلى الخارج بعد خروجه إلى أفغانستان في النصف الأول من عقد التسعينات، وأنه استفاد لاحقًا من بناء وحدات بن لادن الاستثمارية لطريق التحدي في نهر النيل كخبرة في إنشاء طريق أرقين – دنقلا. وأن حمزة لم يتجاوز حدود العلاقة الاستثمارية والتجارية مع بن لادن كما أكد بنفسه في رسالة بعثها عقب خروجه من السجن إلى شبكة سي إن إن نفى فيها أن تكون لديه أي علاقات مشبوهة مع قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن دون أن يخوض كثيرًا في ملابسات وطبيعة العلاقة بينهما وكيف نشأت وانتهت!
تعرضت بنية أعمال عبد الباسط حمزة إلى تفكيك لجنة إزالة التمكين في طور شراكة الجيش مع المدنيين ضمن الوثيقة الدستورية حيث أدخل السجن بسبب اتهامه بتبييض أموال وجُمدت حساباته البنكية وحكم عليه بالسجن لمدة (10) سنوات غير أنه لم يقض منها سوى أشهر معلومات وأطلق سراحه في أعقاب انقلاب الفريق البرهان على الوثيقة الدستورية في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021م.
يقول ذات المصدر إن عبد الباسط حمزة لم يتعرض لحملة "القطط السمان" التي أدارها رجل الأمن القوي حينها صلاح قوش والذي عاد في ظروف غامضة ليفكك مركز جذب سلطوي له امتدادات في السوق والمؤسسات والأجهزة الأمنية بحسبان خفوت أثر عبد الباسط حمزة بفعل تقلبات خارطة المال والأعمال في آخر سنين الإنقاذ. ويعتقد المصدر أن جنوح عبد الباسط إلى خلق شراكات استثمارية خارجية هو "هروب ذكي" من بيئة الاستثمار السودانية، وهو ما تظهره التسريبات القبرصية الأخيرة التي قدمها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين لشبكة "سي إن إن" من أن حمزة يمتلك حصة في شركة ماتز القابضة وهي شركة قبرصية تأسست في شباط/فبراير 2005 حصلت على امتياز التنجيم في دولة عربية.
ورغم أن عبد الباسط حمزة باع جزءًا مقدرًا من حصته في شركة "ماتز" قبل يوم من الإطاحة بالبشير إلا أنه لم يزل يحتفظ بما نسبته (10)% في الشركة بحسب الوثائق القبرصية، علاوة على امتلاكه شركة عقارات إسبانية تأثرت من العقوبات الأمريكية التي طالت ما أسمته "أصول محفظة حماس الاستثمارية" في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
يعتبر الغموض الذي يخيم على ظروف اعتقال عبدالباسط حمزة في القاهرة منذ فجر الإثنين الموافق 15 كانون الأول/يناير 2024 أمرًا مفهومًا ومتوقعًا لطبيعة الأدوار المنسوبة للرجل وممارسته مهامًا وظيفية تحت ظلال من السرية والتعتيم
وحول ما إذا كان القبض عليه يأتي احترازًا من انخراطه في دعم المقاومة الشعبية التي انتظمت مساحات مقدرة من الولايات الشمالية والشرقية في أعقاب تمدد الدعم السريع في السودان، ذكر مصدر قريب من مصادر تسليح الجيش أن السلاح الموجود مصدره ما سبق أن تم تصنيعه داخل السودان في منظومة الصناعات الدفاعية بطرائق لم يشأ أن يكشف عنها لطبيعتها السرية برغم سقوط مصنع اليرموك تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ حزيران/يونيو في العام 2023، مما يرجح أن القبض عليه يأتي في ظل اتهاماته بدعم أنشطة المقاومة الفلسطينية وتمويل عملية طوفان الأقصى بحسب أجهزة إعلام عبرية.
ويعتبر الغموض الذي يخيم على ظروف اعتقال عبدالباسط حمزة في القاهرة منذ فجر الإثنين الموافق 15 كانون الأول/يناير 2024 أمرًا مفهومًا ومتوقعًا لطبيعة الأدوار المنسوبة للرجل وممارسته مهامًا وظيفية تحت ظلال من السرية والتعتيم غير أن مصير الرجل المثير للجدل لا يمكن أن يحلل في غياب إدراك مسيره الشائك وهو أشبه لا بمن يعبر النهر على الجنادل والصخور، وإنما بمن يلتقط ثمار الفائدة والربح من حقول الألغام.