يبدو أن الوضع في السجون السودانية لم يتغير كثيرًا بعد ثورة ديسمبر، إذ لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته مستمرة، ويتم ممارسة ضغوطات وتعذيب وقتل ممنهج تجاه المتهمين في المؤسسات العدلية والمعتقلات السياسية وأقسام التحقيقات، ومعظمها بحق ناشطين ومحتجين أصبحوا بلا حقوق منذ لحظة القبض عليهم، وعرضة لانتهاكات جسيمة - بحسب إفادات لمحامين ومتهمين لـ"الترا سودان".
وأكدت المحامية شيراز عبدالله في إفادتها لـ"الترا سودان"، أن السلطات مارست العنف وانتهاك الحريات على المتهمين في قتل رقيب الاستخبارات العسكرية الجيلي ميرغني، والذي قتل وسط الخرطوم في منطقة شروني. واتهمت السلطات تسعة من المتظاهرين، ودونت ضدهم بلاغات تحت المواد (20/130) و(21/130)، حيث قالت عضو هيئة الدفاع عنهم شيراز عبدالله، إن عملية القبض عليهم صاحبها ضرب مبرح.
المحامية شيراز عبدالله: المتهمون تعرضوا للتعذيب المستمر داخل السجن
وتؤكد المحامية استمرار المعاناة داخل سجن الهدى، وأن السلطات تمارس عدة أنواع من التعذيب.
وتقول شيراز لـ"الترا سودان"، إن المتهمين تعرضوا للتعذيب المستمر داخل السجن، وأثناء إلقاء القبض عليهم قامت السلطات بضربهم بالأيدي والسياط ومؤخرة السلاح "الدبشك"، وأضافت: "هناك ثلاثة متهمين ظهرت عليهم آثار التعذيب بشكل واضح وخاصة في الأشهر الأولى"، وتابعت: "عند مقابلتنا أكدوا تعرضهم للتعذيب داخل الزنزانة".
وكان المكتب الصحفي للشرطة السودانية قد أصدر بيانًا يوضح فيه ما تداولته بعض الصحف عن تردي الأوضاع بسجن الهدى، وقال في بيان اطلع عليه "الترا سودان"، إن الأوضاع بالسجن مستقرة، وأن الدولة حريصة على حقوق النزلاء. وبحسب البيان فإن الأخبار المتداولة عن السجن عارية من الصحة ولا تمت للحقيقة بصلة - حد قوله.
ضرب وحرق
فيما أكدت المحامية شيراز عبد الله، على استمرار المعاناة داخل سجن الهدى، وضربت مثلًا بأوضاع المتهم مايكل جيمس جال، والذي قالت إنه يعاني في الحبس إثر إصابة تعرض لها في الفك، وامتنعت شرطة التحقيقات ببحري عرضه على الطبيب، ورحلته إلى سجن الهدى، مما أدى إلى تأزم حالته الصحية وأصبح عاجزًا تمامًا عن تناول الطعام بصورة طبيعية، ويعتمد على السوائل فقط - بحسب إفادتها لـ"الترا سودان".
وتقول شيراز إن هناك متهم أخر تدهورت حالته الصحية داخل السجن نتيجة لضربه بالـ"دبشك في ركبته"، وأصبح يعاني من قطع الغضروف الهلالي ويحتاج إلى تدخل جراحي عاجل، مشيرة إلى أن السلطات تمارس بذلك نوعًا آخرًا من التعذيب، وذلك بحرمان المتهم من العلاج وتركه يتألم. وتكشف عبدالله تعرض متهم يدعى قاسم حسيب كوال للحرق في عنقه، وأنها رأت آثار التعذيب عليه - بحسب تعبيرها.
المال مقابل الاستحمام
ويروي متهم فضل حجب اسمه لـ"الترا سودان"، تفاصيل ما حدث له داخل السجون، وقال: إنه تعرض لتعذيب شديد بعد القبض عليه من المنزل، وأثناء صعوده عربة الشرطة غطيت أعينه بقطعة قماش، ولكنه تمكن من معرفة المكان الذي عذب فيه، قائلًا إنه تعرف على مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، وضُرب بخرطوم مياه في أماكن متعددة من الجسم، وبعد ساعات غيرت طريقة التعذيب وركز الضرب على الرأس بالحائط حتى أغمى عليه، ليتم بعدها صب الماء على جسده ليستيقظ.
ويمضي المتهم: "قامت القوات بتغطية وجهي مرة أخرى وأخذي إلى قسم تحقيقات يتبع للشرطة في محلية بحري، حيث تم التحري معي. وعملت على ترحيلي إلى سجن الهدى، وهناك رأيت جميع أنواع التعذيب النفسي والمادي، وحبست كمتهم ثبتت عليه تهمة القتل العمد دون تقديمي إلى أي محكمة أو نيابة"، حد قوله.
ويضيف بأن السلطات بالهدى عملت على حرمانه من الاستحمام والسواك وممارسة حياته الطبيعية لمدة أربعة أيام متواصلة، بجانب قص شعر رأسه بطريقة مذلة. ويقول إنه استطاع الحصول على الماء بعد نقله إلى غرفة أخرى في ذات السجن مقابل مبلغ من المال دفع لبعض الأفراد بالسجن.
خوف ووفاة
ويواصل المتهم في سرد روايته لـ"الترا سودان"، قائلًا إن السلطات بالسجن أجبرته على ترحيل القمامة إلى مكب النفايات رغم تدهور حالته الصحية، ومارست عليه ضغوطات نفسية.
وفيما يتعلق بحالته الصحية يقول إنها ازدادت سوءًا، وطالب السلطات مرارًا بنقله إلى المستشفى ولم يتم الاستجابة له، واستمر على تلك الحال لأكثر من شهر، كاشفًا عن وجود ست حالات وفاة تمت أمام عينيه داخل السجن، ويشير إلى أنه استمر في المطالبة بنقله إلى المستشفى، وبعد أن أصبح وضعه الصحي أكثر سوًءا نقل إلى مستشفى الشرطة.
رفض قرار الطبيب
ويواصل المتهم حديثه بأن السلطات قامت بإرجاعه إلى قسم التحقيقات بمدينة بحري مرة أخرى دون تلقي العلاج لعدم توفر المال، فيما ظل المتهم يطالب بالاتصال بأسرته من أجل توفير رسوم العلاج، وأردف: "فعلًا اتصلت بأسرتي ونقلت إلى المستشفى وطلب الطبيب تنويمي وعدم إرجاعي إلى السجن طيلة فترة العلاج".
بيد أن السلطات رفضت قرار الطبيب وأعيد للسجن -والحديث للمتهم- وبعد أسبوع أعلن الإضراب عن الطعام حتى الاستجابة لمطالبه المتمثلة في تلقي العلاج أو عرضه على النيابة أو تقديمه لمحاكمة عادلة، ويقول: "بعد تدخل المحامين تم الموافقة على تلقي العلاج خارج السجن".
خرق القانون
ويسلط عضو لجنة أطباء السودان المركزية د. حامد سعد، الضوء على انتهاك آخر يتمثل في رفض السلطات لقرار طبيب أوصى بتنويم أحد المعتقلين جاءت به قوات أمنية من السجن إلى المستشفى وعرض على طبيب، ولكن حين طلب منهم بعض الفحوصات ذهبوا به إلى السجن ولم يتم إعادته مرة ثانية للطبيب ليحدد حالته، والتي وصفها حامد بأنها كانت "غير مستقرة"، ما يعرضه للأذى النفسي والجسدي بالسجن.
وفي ذات الاتجاه يقول المحامي المعز حضرة، في حديثه لـ"الترا سودان"، إن تعرض المتهمين للضرب والتعذيب جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، وأن السلطات لا يسمح لها بالقبض على شخص إلا بأمر من النيابة.
القانوني المعز حضرة: إننا في مرحلة الـ"لا قانون" وكل ما يحدث الآن مخالف له
وتأسف حضرة على تعرض المتظاهرين السلميين للقتل والسحل وركلهم بالأرجل.
وأشار حضرة في حديثه لـ"الترا سودان"، إلى إنهم يشعرون بالعجز ويواجهون مرحلة عدم تطبيق القانون وتجاهل أوامر النيابة، ومضى بالقول: "إننا في مرحلة الـ"لا قانون" وكل ما يحدث الآن مخالف له".