النساء هن الفئة الأكثر تضررًا من الحروب والنزاعات التي شهدتها البلاد. وفقدن الأبناء والإخوة والأزواج والأقارب في كل مراحل ثورة ديسمبر المجيدة. وتحولت شرائح واسعة منهن إلى ضحايا. فماذا قالت النساء عن العدالة الانتقالية في السودان؟
أحلام ناصر لـ"الترا سودان": قضيتي ليست ابني هزاع، إنما كل الأرواح التي تزهق في كل أنحاء السودان
وحدة القضية
الضحايا وذويهم هم أكثر الفئات مطالبةً بتحقيق العدالة الانتقالية، فكيف ينظرون إليها؟
تجيب عن هذا السؤال والدة الشهيد هزاع (أحلام خضر ناصر) بأن العدالة تنفيذ لكلام الله "ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب"، مضيفةً: "وعند تنفيذها ستنشأ الأجيال القادمة على النهج الإسلامي". وتتابع قائلةً: "وعندما ترد الحكومة الحقوق فإنها تكون عادلة، وبعد أن يأخذ القانون مجراه، وفي المراحل الأخيرة يؤخذ رأي أولياء الدم، فإما العفو أو القصاص".
وعللت مطالبتها بالعدالة قائلةً "إن الأرواح غالية، وعندما تتحقق العدالة نشعر بالأمان، وتعود ثقتنا في عدالة القضاء". وأكدت أحلام في حديثها لـ"الترا سودان" أن الشعب السوداني يمكن أن يتجاوز أيّ محن أو صعوبات "طالما العدالة في رأس الدولة". وأضافت: "لا نريد أن نشعر بأننا في دولة ديكتاتورية، فالديمقراطية فهي التي تجلب الحقوق، والقصاص يكون لأخذ العظة والعبرة"، لافتةً إلى أن "أرخص ما في السودان هي الأرواح"، وزادت: "نريد أن يأخذ كل من يقتل نفسًا بغير نفس جزاءه".
وأردفت أحلام بقولها: "في الآونة الأخيرة كثرت جرائم القتل، ويمكن أن ينشأ جيل كامل على الحقد إذا لم تطبق العدالة، العدالة أولًا وبعد ذلك ننظر في قضايا التنمية". وتابعت: "بعد وصول قضيتي إلى المحاكم أشعر بالراحة والأمان، وعادت إليّ الثقة في النفس وأشعر بأن دم ابني لم يذهب هدرًا".
وأضافت أم الشهيد هزاع لـ"الترا سودان": "في حال غابت العدالة، ستتحول البلاد إلى غابة، وذات القوة التي دفعت شخصًا إلى القتل، ستعود ليتحمل العقوبة". وأكدت أن قضيتها ليست ابنها هزاع، وإنما كل الأرواح التي تزهق في كل ولايات السودان المختلفة، مثل دارفور والنيل الأزرق"، ونوهت بأن "قضية كل الشهداء واحدة".
أزمة قديمة
يقع عبءٌ كبيرٌ في تطبيق العدالة الانتقالية على عاتق النشطاء والإعلاميين. ومن شرق السودان تحدثت الناشطة والإعلامية نادية محمد علي إلى "الترا سودان" حول رؤيتها لمفهوم العدالة الانتقالية.
تقول نادية: "العدالة بمفهومها الأشمل تتطلب الإنصاف، وأن تتوافر قوانين تضمن الحقوق المتساوية للناس على أساس المواطنة". وتضيف: "من دون قوانين منصفة وعادلة لا تتحقق العدالة التي تحتاج إلى أسس تبنى عليها"، مشيرةً إلى أن النظم الديمقراطية مبنية على أسس مراعاة حقوق المواطنة في الدولة".
وحسب نادية، تبنى القوانين على حقوق الإنسان وقوانين الأمم المتحدة مثل الحق في الحياة والتعبير والتنقل وغيرها، بصرف النظر عن الجنس والنوع أو الموقع الجغرافي - على حد تعبيرها.
وتمضي بالقول لـ"الترا سودان": "العدالة هي قوانين غير مجزأة تنصف الجميع أمام نظام قضائي عادل، وهذا يتطلب قضاء ملتزم بتطبيق القوانين، لأن التحايل عليها يخلق خللًا في ميزان العدالة". وتشير إلى أن العدالة المبنية على الهوية والسلطة فيها ظلم للآخرين، لأن موازين القوى غير متكافئة أحيانًا كثيرة في المجتمعات – على حد قولها.
وأبانت في حديثها أن مشكلة السودان الممتدة منذ الاستقلال هي "عدم وجود دستور دائم في البلاد". ولفتت إلى أن "الدستور السوداني الوضعي الأول كان مستمدًا من قوانين أجنبية، وتفرعت منه قوانين. وأشارت إلى أنه لم يتم تعديلها أو مراجعتها أو تصحيحها، وإنما كانت تطبق مع أنّه لم يشارك في وضع الدستور كل مجتمعات السودان ومكوناته الاجتماعية. وزادت: "لم تتحقق لها الاستدامة، وكان يتم تغييرها أو تجييرها لمصلحة الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان"، وبالتالي -والحديث لنادية- "لم تحقق العدالة بسبب عدم الاستقرار السياسي في السودان منذ الاستقلال".
حياة جديدة للضحايا
من المهم عند الحديث عن مفاهيم العدالة الانتقالية من وجهة نظر نسوية، أن نستصحب آراء النساء السياسيات، بالنظر إلى حضورهن المميز في مواقع اتخاذ القرار.
وفي هذا الإطار، تقول المسؤولة السياسية بمنبر نساء قوى الحرية والتغيير أماني أبو إدريس: "إن العدالة تكون مصحوبة بالمساواة والسلام، ولا بد من إنصاف جميع الضحايا، والقصاص للشهداء". وتضيف لـ"الترا سودان" أن العدالة والإنصاف تعطي فرصة لحياة جديدة وتصفي القلوب من المرارات. وتوضح أماني أن الفقد لا يكون في الأرواح وحدها إنما "في التاريخ والجغرافيا". وفسرت قولها بأنه "في حالات النزوح تفقد المرأة جذورها وجغرافيتها وإرثها الثقافي والحضاري الذي ورثته عن أجدادها" - على حد تعبيرها.
وتضيف أبو إدريس قائلةً: "نرغب في الذهاب خطوات في طريق العدالة بجميع أشكالها، وأن يقدم المجرمون إلى القضاء". وتتابع: "أما مسألة الدية أو العفو فتخص أولياء الدم، لافتةً إلى أنها يمكن أن تكون إضافة للمجتمع وتخلق وسيلة للتسامح. وتزيد: "وتبقى خيارات أولياء الدم مفتوحة".
وأكدت أهمية أن تشارك جميع فئات المجتمع في العدالة بعد اتفاقية السلام "من دون أن تستأثر بها النخب". وأضافت: "أي سلام لا ينبع من الحاضنة الشعبية سيكون منقوصًا". وشددت على ضرورة "التعويض الفردي" وجبر الضرر للنساء.
ولا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية في السودان دون استصحاب آراء النساء، وضمان مشاركتهن الفاعلة في كل خطوات تطبيق العدالة.